نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
قال اللهُ تعالى في سورة الفاتحة :
سورة الفَاتِحَةِ
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣ مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤ إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ٥ ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
1 – أقْرَأُ السُّورَةَ بالاسْتِعانَةِ باللهِ المَوْصُوفِ بأنّهُ الرَّحمنُ الذي أتْقَنَ برَحْمَتِهِ خَلْقَ كُلِّ شيءٍ لأداءِ وَظيفَتِهِ التي خَلَقَهُ لأدائِها، المَوْصُوفِ بأنَّهُ الرَّحِيمُ الذي جَعَلَ وَظيفةَ كُلِّ شيءٍ خَلَقَهُ في حُدُودِ قُدْرَتِهِ واسْتِطاعَتِهِ
– 2 – الثّناءُ بالتّمجيدِ والتّعظيمِ والتّنزيهِ مُستحقٌّ دائماً للهِ الموصوفِ بأنّهُ سيّدُ جميعِ أصنافِ خَلْقِهِ، ووَلِيُّهم، ومالكُ أمْرِهم، والقيِّمُ عليهم، ومُدبّرُ شؤونِهم، والمُنْعِمُ عليهم بأصناف النِّعَم، ومتعهِّدُهم بالتربية والرعاية والإصلاح
– 3 – الموصوفِ بأنّهُ الرحمنُ الكثيرُ الرحْمةِ بخلْقِهِ، الذي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شيءٍ، (الرحمنُ وَصْفٌ مقصورٌ على اللهِ تعالى، ولا يجوزُ أنْ يُقالَ لغيرِهِ، وفي هذا دلالةٌ على أنّ هذه الصّفة لله تعالى تتعلّقُ بالخَلْقِ والإيجاد، فاللهُ تعالى خَلَقَ برحمتِهِ السماواتِ والأرضَ وكُلَّ شيءٍ فيهما، وخَلَقَ الإنسانَ برحمتِهِ، وسَخَّرَ برحمتِهِ كُلَّ شيءٍ خَلَقَهُ في السماوات والأرض لأجلِهِ في إدامَةِ رِزْقِهِ وأسبابِ إدامةِ حياتِهِ على الأرض)، الموصوفِ بأنّهُ الرّحيمُ الكثيرُ الرّحْمَةِ والعَطْفِ والرأفةِ بخلْقِه (يدلُّ العَطْفِ والرأفة في (الرحيم) على أنّ هذه الصِّفةَ للهِ تعالى تتعلّقُ بعطفِهِ ورأفتِهِ بخَلْقِهِ بإيجادِ أسبابِ الهدايةِ لهم في الحياةِ الدنيا إلى توحيده وإخلاص العبادةِ له، والإيمانِ برُسُلِهِ وما يُنزِلُهُ إليهم، ومن أسبابِ الهداية إرسالُهُ الأنبياءَ والرُّسُلَ إليهم، وإنزالُهُ إليهم الكُتُبَ)
– 4 – المَوْصوفِ بأنّهُ مالِكُ يومِ الحسابِ والجزاءِ، ومَلِكُهُ، يملِكُ كُلَّ شيءٍ فيه، وله وَحْدَهُ في هذا اليومِ الحُكْمُ والجزاءُ، وأمْرُهُ وحُكْمُهُ نافذٌ فيه (يدلُّ ذِكْرُ صفات الله بعد الثّناءِ عليه بالتّمجيدِ والتّعظيمِ والتّنزيهِ على أنّ اللهَ الذي يتَّصِفُ بهذه الصفاتِ يستحقّ من خَلْقِهِ أنْ يُثنوا عليه، ويُمَجِّدُوهُ ويُعَظِّمُوهُ)
– 5 – نعبُدُكَ وَحْدَكَ – يا ربَّنا – بالطاعةِ والانقيادِ لك، ولا نُشْرِكُ مَعَكَ أحَداً في الطاعةِ والانقيادِ، ونَطْلُبُ منك وَحْدَك العونَ على طاعَتِكَ والانقيادِ إليك، والعونَ على أمورِ معاشِنا، وعلى كُلِّ أمْرٍ من أمورِ حياتِنا، ولا نطلبُ العونَ في ذلك كُلِّهِ من أحَدٍ سواك (يدلّ (إيّاك نعبُدُ وإيّاك نستعين) بعد ذِكْرِ صفاتِ اللهِ على أنّ الموصوفَ بتلك الصفات يستحقّ أنْ يُوَحِّدَهُ المُكلّفون بمعرفتِهِ وعبادتِهِ، ويُخْلِصُوا له العبادةَ، ويَسْتَحِقُّ أنْ يستعينوا به، ويَعتَمِدوا عليه وَحْدَهُ في طَلَبِ حوائِجِهم)
– 6 – نسألُكَ – يا ربّنا – أنْ تُعَرِّفَنا دينَكَ الذي أنْزَلْتَ القرآنَ به مُبَيِّناً أحكامَهُ وشرائِعَهُ ووصاياهُ ومعارِفَهُ الإلهيّةِ، الموصوفَ بأنّهُ الدّينُ المُعْتَدِلُ المُستوي الذي ليس فيه أدقُّ انحرافٍ يُخْرِجُهُ عن الحقّ، الذي يقومُ بأمْرِ الناسِ في جميعِ شؤونِ حياتهم، الذي ثَبَتَ واستقرَّ آخرَ الأديانِ التي أنْزَلْتَها إلى الناس، وتُبَيِّنَهُ لنا وتُرْشِدَنا وتَدَلَّنا إليه (يدلُّ معنى الأمْر (اهْدِنا) على أنَّ على الدّاعي أنْ يبذُلَ الجهدَ لفَهْمِ معاني القرآن الذي أنْزَلَهُ اللهُ مُبَيِّناً أحكامَ دينِهِ وشرائِعَهُ ووصاياهُ ومعارِفَهُ الإلهيّةِ)
د. عبد الكريم الزبيدي

Photo credit: © by Safa Kadhim