نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
سورة المائدة
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُم مِّنۡهُۚ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجۡعَلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ حَرَجٖ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ وَلِيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٦ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمِيثَٰقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِۦٓ إِذۡ قُلۡتُمۡ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ٧
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
6 – يا أيها الذين آمنوا أُبيّنُ لكم أحكامَ الطّهارَةِ لأداءِ الصَّلاةِ : إذا قَصَدْتُم إلى أداءِ الصَّلاةِ فاغْسِلوا وجوهَكم واغْسِلوا أيديَكم إلى المرافِق، (يدلُّ معنى (إلى) على أنَّ الحدّ الذي ينتهي إليه غَسْلُ اليَدِ في الوضوء هو (المرافق)، فتكون المرافق داخلة في المغسول، وما بعدها ليس داخلاً، والمِرْفَق هو مكان مُوصِلٌ الذِّراعَ بالعَضُد، ولا يَدُلُّ النَّظْمُ على كيفِيَّةٍ مُعَيَّنةٍ في غَسْل الأيدي إلى المَرافِقِ)، وامْسَحُوا بَعْضَ رُؤوسِكم بباطِنِ كفِّكم، (يَدُلُّ عَدَمُ تحديدِ مكانِ مَسْحِ بَعْضِ الرّأسِ على إجْزاءِ مَسْحِ بعضِ الرّأسِ في أيِّ مكانٍ من الرّأس، في مُقدِّمَتِهِ أو في أحَدِ جانِبَيْهِ)، وامْسَحُوا أرْجُلَكم بباطِنِ كَفِّكُم إلى الكَعْبَيْن، (يدلُّ معنى (إلى) على أنَّ الحدَّ الذي يَنْتَهِي إليه مَسْحُ الأرْجُلِ في الوضوءِ هو (الكعْبان)، فتكونُ الكَعْبانِ داخلتَيْنِ في المَمْسُوحِ، وما بعدَهما ليس داخلاً، و(الكَعْبُ) هو العَظْمُ الناتِئُ في ظَهْرِ القَدَمِ فيكونُ في كُلِّ قَدَمِ كَعْبٌ، وفي القَدَمَيْنِ كعبانِ، أو المُراد بـ(الكَعْبَيْن) العَظْمَتانِ النّاتِئتانِ عندَ مُلْتَقَى السّاقِ بالقَدَمِ، ففي كل قَدَمٍ كَعْبانِ عن يَمْنَتِها وعن يَسْرَتِها، والأوّلُ أصحّ، لأنّ الواقِعِ العَمَلِيَّ لمَسْحِ القدَمَين يُؤيّدُهُ، واصْطُلِحَ على هذا العَمَل بالوُضُوءِ، ويَدُلُّ المعنى على أنّه لا يجوزُ للمُؤمِنِ المُصلّي أنْ يُصَلِّيَ بدونِ أنْ يقومَ بهذا العَمَلِ، أي الوضوء)، وإنْ وُجِدْتُم حالَةَ كونِكم جُنُباً (الجُنُبُ : مَنْ أصابَتُهُ جنابةُ، ويَسْتَوِي فيه المُذَكَّرُ والمُؤنَّثُ وفروعُهما، و(الجنابةُ) : حالُ مَنْ يَنْزِلُ منه مَنِيٌّ، أو يكونُ منه جُماعٌ) فتَطَهَّرُوا بالاغْتِسالِ من الجَنابَةِ (يَدُلُّ المعنى على أنّ غُسْلَ الجنابةِ يكَفِي عن الوضوء، فالذي يغتسلُ من الجنابة يجوزُ له أنْ يُصلّي، ولا يَجِبُ عليه بعدَ غُسلِ الجنابةِ الوضوءُ المذكورُ للصّلاةِ)، وإنْ وُجِدْتُم حالةَ كونِكم مَرْضى جُنُباً أو غيرَ جُنُبٍ فلم تجدوا ماءً (أي : لم تَقْدِروا على استعمالِهِ)، أو وُجِدْتُم حالةَ كونِكم مُسافرين متلبِّسين بالسّفَرِ، مُسْتَعلِينَ عليه بقَطْعِكم مسافةً في سَفَرِكم، فلم تجدوا ماءً (أي : لم تقدروا على إدراكِهِ)، أو جاءَ أحدٌ منكم من مَوْضِعِ قضاءِ الحاجةِ في التَّبَرُّزِ أو التَّبَوُّل (أي : أحْدَثَ بالحَدَثِ الأصغر)، فلم تجدوا ماءً (أي : لم تقدروا على إدراكِهِ)، أو باشَرْتُم النساءَ، فلم تجدوا ماءً (أي : لم تقدروا على إدراكِهِ لتغتسلوا من الجنابة) فاقْصِدوا وَجْهَ الأرض الطيّبَ غيرَ النَّجِس، أو التّرابَ الطّيّبَ غيرَ النَّجِس، فامْسَحُوا منه بعضَ وجوهِكم وبعضَ أيديكم (يُصْطَلَح على هذا العمل بـ(التّيَمُّم)، ويدلُّ ” فامسحوا بوجوهِكم وأيديكم منه” أنْ يضع الذي حُكْمُهُ التيمّم باطنَ كفَّيْهِ على الصّعيدِ الطّيّبِ، ثم يَمْسَحُ بكِلْتَيْهِما بعضِ الوَجْهِ، ثم يَمْسَحُ ظاهرَ بعضِ يدِهِ اليمنى بباطنِ كفّهِ اليُسرى، ويَمْسَحُ ظاهرَ بعضِ يدِهِ اليُسرى بباطنِ كفِّهِ اليمنى، ويدلّ نظم الجُملة على أنّ الذي حُكْمُهُ التّيَمُّم بَدَلَ الوضوء يكفي التّيَمُّمُ مرّة واحدة عن الوضوء، والذي حُكْمُهُ التّيَمُّم بَدَلَ غُسْل الجنابَةِ يكفي التّيَمُّمُ مرّة واحدة عن غُسل الجنابة، ويدلّ معنى (صعيداً) على جوازِ التّيمّمِ بوَجْهِ الأرضِ سواءٌ أكان تراباً أم صَخْراً أم حَصَاً)، شَرَعَ اللهُ لكم التّيَمُّمَ لأداء الصّلاةِ حين لا تَجِدون الماء (أي : لا تقدرون على إدراكِهِ)، لأنّ اللهَ ما يُريدُ أنْ يَضَعَ عليكم أيَّ نوعٍٍ من أنواعِ الحَرَجِ والمَشَقّةِ، ولكنْ يُريدُ بتشريعِ التّيَمُّم حين لا تَجِدون الماء لأجْلِ أنْ يجعلَ نفوسَكم مُبَرّأةً ومُنَزَّهَةً من الشعورِ بالقَذَارَةِ او النّجاسَةِ حين تَقْصِدونَ إلى الصّلاةِ، ولأجْلِ أنْ يُتمَّ نِعْمَتَهُ عليكم بإكمالِ أحْكامِ دينِكم الذي رَضِيَهُ لكم، لكي تشكروهُ على نِعْمَتِهِ بطاعتكم إيّاهُ في العَمَلِ بما أمَرَكم به، وما نهاكم عنه
– 7 – واذكروا نِعْمَةَ الله عليكم (نِعمةُ اللهِ : هي إنْزالُ القرآن، وإكمالُ أحكامِ الدّين التي أنْزلها في القرآن)، وأذكروا عهدَهُ الذي أخَذَهُ عليكم بالعَمَلٍ بأحكامَهُ وفرائضِهِ ووصاياه التي أنْزَلَها في القرآن، وقَبِلْتُموهُ بإيمانكم بنُبُوّةِ رسولِ اللهِ والقرآنِ الذي أنْزَلَهُ اللهُ إليه حينَ قُلْتُم : استَجَبْنا لما امَرَنا اللهُ به، وما نهانا عنه، وانْقَدْنا وخَضَعْنا لله فيما أنْزَلَهُ في القرآن (إضافةُ العَهْدِ إلى اللهِ تعالى من قبيل المجاز، لأنّ الرسولَ (ص) هو الذي أخَذّ العهدَ على المُؤمنين بأمْرِ اللهِ)، وخافوا اللهَ أيّها المُؤمنون، واحفظوا أنفسَكم من عقابه بالوفاء بعَهْدِهِ بالاستجابة والطاعة له فيما أمَرَ به وما نهى عنه وما وصّى به، والاسْتجابة لرسوله فيما يدعوكم إليه، لأنَّ اللهَ عليمٌ بسرائرِكم وخَلَجاتِ أنفُسِكم .
Photo credit: © by Safa Kadhim