نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
سُورَةُ المَائِدَةِ
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ غَيۡرَ مُحِلِّي ٱلصَّيۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ مَا يُرِيدُ ١ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنََٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٢
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
1 – أقْرَأُ السُّورَةَ بالاسْتِعانَةِ باللهِ المَوْصُوفِ بأنّهُ الرَّحمنُ الذي أتْقَنَ برَحْمَتِهِ خَلْقَ كُلِّ شيءٍ لأداءِ وَظيفَتِهِ التي خَلَقَهُ لأدائِها، المَوْصُوفِ بأنَّهُ الرَّحِيمُ الذي جَعَلَ وَظيفةَ كُلِّ شيءٍ خَلَقَهُ في حُدُودِ قُدْرَتِهِ واسْتِطاعَتِهِ، يا أيّها الذين آمنوا، أوْفوا بعقودِ اللهِ التي أوْجَبها على عبادِهِ المُؤمنين، وعَقَدَها عليهم فيما أحَلَّهُ وحَرَّمَهُ عليهم، وأوجَبَ عليهم الالتزامَ به (يدلّ الأمْرُ (أوْفوا) على وجوبِ الوفاءِ بعقودِ الله التي أوْجَبها على عبادِهِ المُؤمنين، وعَقَدَها عليهم فيما أحَلَّهُ وحَرّمَهُ عليهم، ويجوزُ أنْ يُرادَ بـ(العقود) : عمومُ العُقودِ فيما كان منها بينَ الله وخَلْقِهِ، وهي ما سُمّيَ بالشَّريعةِ التي تشتملُ على الفرائضِ والأحكامِ، والحَلالِ والحَرامِ، وما أحلَّهُ اللهُ وما حَرَّمَهُ من الذَّبائِحِ والأطْعِمَةِ والأشْرِبَةِ، فيجبُ على المؤمنين بها الوفاءُ بما آمنوا بالعَمَل بها وعدم نَقْضِها بالتحرّر منها)، أحَلَّ اللهُ لكم بهيمةَ الأنعام، (وهي الأنعام من الإبِل والبقر والغَنَم ويدخُلُ في (بهيمةِ الأنعامِ) الظباءُ والبَقَرُ الوحشيّةُ، وغيرُها من دوابِّ البَرِّ التي تَشْتَرِكُ مع الأنْعامِ في الاجْتِرارِ وعَدَمِ الأنيابِ، وفي كونِها من ذواتِ الظِّلْف)، إلّا الذي يتلو القرآنُ عليكم تحريمَهُ، أي : غيرَ مُبيحي صَيْدِها حالةَ كونِكم داخلين في الحَرَم، أو البَلَدِ الحرام، أو داخلين في الإحرامِ للحَجِّ أو العُمْرة (يدلّ الفعلُ المضارع (يُتْلى عليكم) على أنّ كُلَّ ما أحَلَّهُ القرآنُ فهو حَلالٌ، وكُلَّ ما حَرّمَهُ القرآنُ فهو حرام، وما رُوِيَتْ حِلّيّتُهُ أو حُرْمَتُه ولم يأتِ في القرآن فلا يُؤْخَذُ به)، يُؤكِّد أنّ هذا حُكمُ الله فيما أحلّهُ لكم، وما حَرَّمَهُ أنّ اللهَ يُحَرِّمُ ما يُريدُ، ويُحِلُّ ما يُريدُ
– 2 – يا أيُّها الذين آمنوا، أنْهاكم عن أنْ تُخْرِجُوا أنْفُسَكم من العُهودِ أو العُقُودِ التي أخَذَها اللهُ عليكم بالوفاء بحُرْمَةِ أعلامِ الحجِّ ومناسِكِهِ والحِفاظِ عليها، فتَنْتَهِكُوا بسَبَبِ ذلك حُرْمَتَها أو تَتْرُكُوها، أو تَتَهاونُوا فيها (من أعلام الحَجّ ومناسِكِهِ حدودُ الحَرَم، فلا يجوزُ للمُعتمرِ والحاجِّ تجاوزُها بغيرِ إحرامٍ، ومنها الوقوفُ بعَرَفاتٍ والمَشْعَرِ الحرامِ، فلا يجوزُ للحاجِّ تَرْكُ الوقوفِ بهما، ومنها الصَّفا والمَرْوَةُ، فلا يجوزُ للمُعْتمرِ أو الحاجِّ تَرْكُ الطّوافِ بينَهما)، وأنْهاكم عن أنْ تُخْرِجُوا أنْفُسَكم من العَهْدِ أو العَقْدِ الذي أخَذَهُ اللهُ عليكم بالوفاءِ بحُرْمَةِ الأشْهُرِ الحُرُم، (وهي ذو القعدة وذو الحجّة ومُحرّم ورجب)، فتَنْتَهِكُوا بسَبَبِ ذلك حُرْمَتَها باستباحَةِ القِتالِ فيها، وقَتْلِ النّفسِ المُحترمَةِ، وأنْهاكم عن أنْ تُخْرِجوا أنْفُسَكم من العَهْدِ أو العَقْدِ الذي أخَذَهُ اللهُ عليكم بالوفاء بحُرمَةِ الهَدْي (وهو ما يُذْبَحُ في الحَجّ من الأنعام)، فتَنْتَهِكُوا بسَبَبِ ذلك حُرْمَتَه بتَرْكِهِ أو التهاوُن فيه، وأنْهاكُم عن أنْ تُخْرجوا أنْفُسَكم من العَهْدِ أو العَقْدِ الذي أخَذَهُ اللهُ عليكم بالوفاءِ بحُرْمَةِ القلائد، (وهي الهَدْيُ من الأنعام الذي يسوقُهُ الحاجُّ معهُ إلى الحَجّ مُعلِّقاً في عُنُقِها شيئاً كالنَّعْلِ أو الحَبْلِ ونحوِهِما إذا نَوَى حَجَّ القِران)، فتَنْتَهِكُوا بسَبَبِ ذلك حُرْمَتَهُ بتَرْكِهِ أو التهاوُنِ فيه أو التَّعَرُّضِ له بسَلْبٍ أو سَرِقةٍ، وأنْهاكم عن أنْ تُخْرِجُوا أنْفُسَكم من العَهْدِ أو العَقْدِ الذي أخَذَهُ اللهُ عليكم بالوفاءِ بحُرْمَةِ قاصدي البيتِ الحرام للحَجّ أو العُمرة حالةَ كونِهم يَطْلُبونَ في قَصْدِهم البيتَ الحرامَ إحْساناً من ربِّهم بغفرانِ ذُنوبِهم، ورضواناً منه بقَبُولِ حَجِّهم، وإعطائِهم الأجْرَ والثوابَ عليه، فتَنْتَهِكُوا بسَبَبِ ذلك حُرْمَتَهُ بقتالِهم أو سَلْبِ أموالِهم أو أسْرِهم أو التّعَرُّضِ لهم بالأذى، وإذا جاوَزْتُم حُدودَ الحَرَمِ فاصْطادوا (أي : الصّيْدُ مُباحٌ لكم)، وأنهاكُم عن أنْ يَحْمِلَنَّكم بُغْضُكم قوماً وعداوتُكم لهم لصدِّهم إيّاكم عن المَسْجِدِ الحَرامِ عامَ الحُدَيْبيةِ على الاعْتِداءِ عليهم، فيَكْسِبَنَّكم الاعتداءُ عليهم إثماً وجُرْماً، وآمُرُكم بأنْ يُعاوِنَ بعضُكم بعضاً على عَمَلِ الخير، وعلى كُلّ عَمَلٍ فيه زيادةٌ وتَوَسُّعٌ في طاعةِ اللهِ وخِدْمِةِ النّاس، وعلى تَجَنُّبِ ما يكرَهُهُ اللهُ، وأنْهاكُم عن أنْ يُعاونَ بعضُكم بعضاً على العَمَلِ السَّيّئِ الذي يَتَحَمَّلُ فاعلُهُ الذّنْبَ الذي يُعاقبُهُ اللهُ عليه، وأنْهاكُم عن أنْ يُعاونَ بعضُكم بعضاً على الاعتداءِ على النّاسِ في أنفُسِهم وأموالِهم وأعراضِهم وسَلْبِ الأمْنِ منهم، وخافُوا اللهَ، واحْفَظُوا أنْفُسَكم من عقابِهِ بطاعتِهِ فيما أمَرَ به ونَهى عنه، لأنّ اللهَ شديدُ العقاب .
