نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا ١٠٥ وَٱسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ١٠٦ وَلَا تُجَٰدِلۡ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخۡتَانُونَ أَنفُسَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمٗا ١٠٧ يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا ١٠٨ هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ جَٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا ١٠٩ وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ١١٠ وَمَن يَكۡسِبۡ إِثۡمٗا فَإِنَّمَا يَكۡسِبُهُۥ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا ١١١ وَمَن يَكۡسِبۡ خَطِيَٓٔةً أَوۡ إِثۡمٗا ثُمَّ يَرۡمِ بِهِۦ بَرِيٓٔٗا فَقَدِ ٱحۡتَمَلَ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا ١١٢ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا ١١٣ ۞لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۢ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا ١١٤ وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا ١١٦
المعنى في ضةء التحليل اللغوي :
– 105– إنّا أنزَلْنا إليك الكتاب (أي : القرآنَ المُشتملَ على الفرائضِ والأحكام والمعارفِ الإلهيّة) إنزالاً بالحقّ الذي لا شَكَّ فيه، لكي تَقْضِيَ بين النّاس ِبالذي أعْلَمَكَ اللهُ إيّاهُ من الأحْكامِ التي بَيَّنها القرآنُ، وأنهاك باعتبارِك مُبلِّغاً عن الله عن أنْ تكون مُجادِلاً عن الذين ينقُصُونَ أحكامَ القرآنِ أو بعضَها بالعَمَل بغيرِ ما بيَّنَهُ القرآنُ من الأحكامِ (النهيُ مُوَجّهٌ إلى عمومِ المُسلمين في كُلِّ زمان، ويَدُلّ المعنى على أنَّ الجِدالَ عنهم يكونُ بالتماسِ الأعذارِ لهم مثل القول بأنّهم ثقاتٌ ولكنَّهم عَمِلوا بحُسْنِ نيَّةٍ ببعضِ ما كان اليهودُ يعملون به من أحكامٍ، ويدلُّ معنى الآية على أنّ القرآنَ هو المَصْدَرُ الأساسُ في الأحكام، ولا يجوزُ العَملُ بغيرِ ما جاءَ به القُرآنُ من أحكام، ويدلُّ النّهْيُ المُوَجَّهُ إلى عُمومِ المُسلمين في كُلِّ زَمانٍ على أنّهُ لا يجوزُ أنْ يُجادِلَ أحَدٌ من المُسلمين عن رواةٍ رَوَوْا أحاديثَ عن رسولِ الله (ص)، وفيها أحكامٌ لم تأتِ في القرآن أو تُخالفُ ما جاءَ به القرآن بأنّهم ثقاتٌ صادقون فيما يروونه، وقيل : إنّ هذه الآية وما بعدها من الآيات قد نزلتْ في بني أُبَيْرِق، وذكروا قصَّتَهم، والله تعالى يتَنَزَّهُ عن أنْ يُنْزِلَ آياتٍ في قصّةٍ تافِهَةٍ لا يقبلُها العقلُ)
– 106 – واطْلُبْ من اللهِ أنْ يَغْفِرَ ما فَعَلْتَهُ (وهو جِدالُهُ عن الذين يَنْقُصُونَ أحكامَ القرآنِ أو بعضَها بالعَمَل ببعضِ ما كان اليهودُ يعملون به من أحكامٍ، والأمْرُ بالاسْتِغْفارِ مُوَجّهٌ إلى عُمُومِ المُسلمين أيضاً)، لأنّ اللهَ في وجودِهِ كثيرُ المَغْفِرَةِ، يقبلُ استغفارَ من يستغفرُهُ ويتوبُ إليه، كثيرُ الرَّحمةِ بعبادِهِ المُستغفرين التائبين
– 107– وأنْهاكِ باعتبارِك مُبَلِّغاً عن اللهِ (والنَّهْيُ مُوَجّهٌ إلى عُمُومِ المُسلمين في كُلِّ زمان) عن أنْ تُجادِلَ عن الذين يُحاولون أنْ يَنْقُصُوا حَقَّ أنفُسِهم عليهم في العَمَلِ بأحكامِ الدِّينِ التي بيَّنَها القرآنُ، فيعملون بغيرِ ما أنْزَلَ اللهُ في القرآن لأنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الذي وُجِدَ حالةَ كونِهِ مُبالغاً في الخيانَةِ بالإصْرارِ عليها، كثيرَ فِعْلِ الإثْم بمُخالفتِهِ أحكامَ الله
– 108– يَسْتَتِرونَ ويَتَوَارَوْنَ من النّاس حالاً بعدَ حال، ولا يَسْتَتِرونَ من اللهِ وهو كائنٌ مَعَهُم حينَ يُدبّرون ليلاً الذي لا يرضاهُ من القَوْلِ، واللهُ في وجودِهِ مُدْرِكٌ لكُلِّ شيءٍ يعملونَهُ من جميع جهاتِهِ، فلا يَخْفَى عليه شيءٌ من أقوالهم وأفعالهم (يدُلُّ المعنى على أنّ القولَ الذي كانوا يُدبّرونَهُ ليلاً هو وَضْعُهم أقوالاً فيها إحكامٌ أو وصايا أو معارفُ أخذوها من عُلماءِ اليهودِ وأحبارِهم، ولم يأتِ بها القرآن، ويقولون إنَّ اللهَ أنْزَلَها في التّوراةِ وأمَرَ اليهودَ انْ يعملوا بها)
– 109– انْتَبِهُوا، أنتم الذين ناقَشْتُم وخاصَمْتُم عنهم في الحياةِ الدنيا بتَوْثِيقِهم وتَصْدِيقِهم، فأيُّ إنسانٍ يُناقِشُ اللهَ ويُخاصِمُهُ عنهم يومَ القيامة ؟ لا أحَدَ يُجادِلُ اللهَ عنهم يومَ القيامة، بل، أيُّ إنسانٍ يكونُ حافظاً لهم من العذابِ يومَ القيامة، وكفيلاً ضامناً يُؤَدّي عنهم ما تحَمّلوهُ من الإثْم ؟ لا أحَدَ يكونُ وكيلاً عليهم
– 110– وأيُّ إنسانٍ يَعْمَلْ قبيحاً من فعْلٍ أو قولٍ، أو يتجاوزْ حَقَّ نفسِهِ عليه بإنقاذِها من الهلاك، فيُورِدْها مَوْردَ الهَلَكَةِ بجدالِهِ عنهم، ثمّ يَطْلُبْ من اللهِ أنْ يَغْفِرَ له ما فعَلَهُ يَعْلَمُ يَقيناً أنَّ اللهَ كثيرَ المَغْفِرَةِ بقَبُولِ تَوْبَتِهِ، كثيرُ الرَّحْمَةِ، بالتّجاوُزِ عن ذنوبِهِ
– 111– وأيُّ إنسانٍ يَتَحمَّلْ ذَنْباً بفِعْلِهِ القبيحَ فإنّما يَضُرُّ نفسَهُ بما تَحَمَّلَهُ من الذّنب (يدُلُّ المعنى على أنّ الذي يَضَعُ أقوالاً فيها أحكامٌ أو وصايا أو معارفُ أخذَها من عُلماءِ اليهودِ وأحبارِهم، ولم يأتِ بها القرآن، ويقولُ إنَّ اللهَ أنْزَلَها في التّوراةِ وأمَرَ اليهودَ انْ يعملوا بها، والذي يُجادلُ عنهم، والذي يَعْمَلُ بتلك الأحكام وهو يعلمُ أنّ القرآنَ لم يأتِ بها يتَحَمّلُ ذنْبَ عَمَلِهِ، ولا يضُرُّ به إلّا نفسَهُ)، واللهُ في وُجُودِهِ عليمٌ بما يعملُهُ كلُّ إنسانٍ، وبما يَتَحَمّلُهُ من الإثم، حكيمٌ مُتْقِنٌ لما يُنْزِلُهُ في القرآن من أحكامٍ وفرائضَ وووصايا ومعارف
– 112– وأيُّ إنسانٍ يَتَحَمّلْ ذنباً بفِعْلِهِ إيّاهُ مُتَعَمِّداً، أو يتحَمَّلْ ذنباً بفِعْلِهِ إيّاه جهلاً أو عَمْداً، ثم يَقْذِفْ به إنساناً بريئاً، ويَنْسِبْهُ إليه فقد حَمَلَ كَذِباً عظيماً افتراهُ عليه يَشُقُّ عليه حَمْلُهُ يومَ القيامَةِ، وحَمَلَ ذنباً ظاهراً بَيِّناً (يَدُلُّ المعنى على أنَّ مَنْ يَنْسِبُ قولاً أو حُكماً إلى النبيِّ (ص)، وهو لم يَقُلْهُ فقد حَمَلَ كَذِباً عظيماً افتراهُ عليه، وحَمَلَ ذنباً كبيراً يُعاقبُهُ اللهُ عليه يومَ القيامة)
– 113– ولولا فَضْلُ اللهِ عليكَ موجودٌ، ورحمتُهُ بكَ موجودةٌ لَعَزَمَتْ جماعةٌ كائنةٌ منهم على أنْ يَجْعلوك تَزِلُّ عمّا أنزلَهُ اللهُ إليك في القرآن، ولم يَقْدِرُوا على فِعْلِ ما عَزَموا عليه بِفَضْلِ الله عليك ورحمتِهِ بك، وحالُهم أنّهم ما يُهْلِكونَ إلا أنفُسَهم بما يفعلونَهُ، وحالُهم أيضاً أنّهم ما يضُرّونك شيئاً من الضَّرَرِ بما يفعلونَهُ (يدلُّ المعنى على أنَّ هذهِ الجماعة كانت قد عَزَمَتْ على جَعْلِ الرّسولِ (ص) يقْتَنِعُ بالعَمَلِ ببعضِ الأحكامِ التي يعمَلُ بها اليهود، ويقولون إنَّ اللهَ أنْزَلَها في التّوراةِ وأمَرَ اليهودَ انْ يعملوا بها)، وأنْزَلَ اللهُ عليك الشريعةَ المُشْتَمِلَةَ على الفرائضِ والأحكامِ، وأنْزَلَ عليك الوصايا والمواعِظَ والمعارِفَ الإلهيّةَ التي تُعلّمُك أنتَ والمُسلمين حُسْنَ التَّصَرُّفِ في المُعامَلَةِ، وتُعلّمكم المَعْرِفَةَ في التَّصَرُّفِ بالأشياءِ على الوَجْهِ المُطابق لما جاءَ في القرآن، وعلّمَكَ الذي لم تكُنْ تعلمُهُ من العلومِ وأخبارِ الأمَمِ، تفضّلاً منه عليك، ووُجِدَ فَضْلُ اللهِ عليك في حياتِك حالةَ كونِهِ عظيماً (يدلّ المعنى على أنَّ اللهَ تعالى أنْزَلَ عليه القُرآنَ المُشتَمِلَ على الشّريعةِ الوصايا والمواعِظِ والمعارِفِ الإلهيّةَ، ويدُلّ المعنى على : فلا تَعْمَلْ – أيُّها الرّسولُ – بغير ما جاءَ به القُرآن)
– 114 – لا خيرَ كائنٌ في كثيرٍ من تَدَاولِهم الحديثَ بينَهم سِرّاً (يدلّ مجيء الآية في سياق ما قبلها على أنّ المُراد بهم : الذين كانوا يُدبّرونَ ليلاً وَضْعَ أقوالٍ فيها أحكامٌ أو وصايا أو معارفُ أخذوها من عُلماء اليهودِ وأحبارِهم، ولم يأتِ بها القرآن، ويقولُون إنَّ اللهَ أنْزَلَها في التّوراةِ وأمَرَ اليهودَ انْ يعملوا بها، ويدلّ المعنى على أنّ نجواهم هي تداوُلُهم الحديثَ بينَهم سِرّاً لإقناع المُسلمين والرّسولِ (ص) بالعَمَلِ بها)، أسْتَثْنِي من الحديثِ المُتدَاوَلِ سِرّاً حديثَ مَنْ أمَرَ بمالٍ يُعْطَى لأحَدٍ من الفقراء والمُحتاجين على وَجْهِ القُرْبى لله، أو حديثَ مَنْ أمَرَ بفعْلِ خيرٍ عُرِفَ بالعَقْلِ أو الشَّرْعِ حُسْنُهُ، أو حديثَ مَنْ أمَرَ بإزالةِ عداوةٍ أو شِقاقٍ بين النّاس، وأيُّ إنسانٍ يفعلْ ذلك لأجْلِ طَلَبِ مَرْضاةِ الله فسوف نُعطيه في الآخِرَةِ ثواباً عظيماً لا حَدَّ لهُ، ولا يستطيعُ أحدٌ أنْ يَصِفَهُ
– 115 – وأيُّ إنسانٍ يُخالِفْ الرسولَ مُحَمَّدَاً بعَدَمِ لُزومِ العَمَلِ بما جاءَ به القرآن من أحكامٍ، ويُعادِهِ بتَوَلّيه رُؤساءَ الضَّلالَةِ من عُلماءِ اليهود وأحبارِهم، والعَمَلِ بما يأخُذُهُ منهم من أحكامٍ لم يأتِ بها القرآنُ من بعدِ ظهورِ الحُجّةِ لَهُ الدّالَّةِ على أنّ القُرآنَ كتابُ اللهِ أنْزَلَهُ على رسولِهِ تبياناً لكُلِّ شيء، ويتّبِعْ مِنْهَاجاً غيرَ مِنْهاجِ المؤمنين (مِنهاجُ المُؤمنين هو القرآن)، نَجْعَلُهُ تابعاً للذي اتَّخَذَهُ وَلِيّاً وقائِماً بأمْرِهِ مَعَ ضَعْفِهِ وحقارَتِهِ أمامَ قُدْرَةِ اللهِ وعظَمَتِهِ، ونُدْخِلْهُ في الآخرَةِ جَهَنَّمَ يَحْتِرِقُ فيها، والمَذْمُومُ كُلُّ الذمّ من بَيْنِ سائرِ نِهاياتِ الأمورِ المَذمومَةِ نهايتُهم في جَهَنّم
– 116 – إنّ اللهَ لا يغفِرُ أنْ يجَعَلَ أحَدٌ شريكاً للهِ في الطّاعَةِ والانقيادِ والخضوعِ له، واللهُ يَسْتُرُ الذُّنوبَ التي تكونُ غيرُ الشِّرْكِ لِمَنْ يشاؤُهُ من خلقِهِ، ويعْفُو عنها (وهو الذي يُوَفِّقُهُ إلى التوبة، حَسَبَ عِلْمِهِ واطّلاعِهِ على ما في داخِلِ نفسه، والآيةُ عامَّةٌ في كلّ شِرْك يكونُ بجَعْلِ أحَدٍ أو جِهَةٍ شريكاً مع الله في العبادَةِ أو الرِّزْقِ أو حُصُولِ النّصْرِ أو الحِفْظِ من الشُّرُورِ والبلايا، ويدخل في الشِّرْك الذي لا يغفرُهُ اللهُ أنْ يجْعَلَ أحدٌ من المُسلمين جِهَةً شريكاً مع الله في تشريعِ الأحْكامِ، لأنَّ اللهَ وَحْدَهُ هو المُشرِّع، والقرآنُ الذي أنزلَهُ إلى رسولِهِ هو مصدرُ التشريع وَحْدَهُ، وجاءت الآية مُعترضة في سياق الآيات التي تتَحَدّثُ عَمَّنْ يُجادلُ عن الذين يَضعون أقوالاً فيها أحكامٌ أو وصايا أو معارفُ أخذوها من عُلماء اليهودِ وأحبارِهم، ولم يأتِ بها القرآن، وينسبونها إلى الرسول (ص)، لأجْلِ حثّ هؤلاءِ على التّوبةِ، والرجوعِ عمّا فعلوه ليرجعَ اللهُ عليهم بالمغفرة)، وأيُّ إنسانٍ يُشْرِكْ بالله أيَّ نوعٍ من أنواعِ الشِّرْك فقد ابْتَعَدَ ابتعاداً شديداً عن الإيمان بوحدانيّةِ اللهِ