نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
معاني الآيات 117 – 126 من سورة النِّساء
إِن يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثٗا وَإِن يَدۡعُونَ إِلَّا شَيۡطَٰنٗا مَّرِيدٗا ١١٧ لَّعَنَهُ ٱللَّهُۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا ١١٨ وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيۡطَٰنَ وَلِيّٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانٗا مُّبِينٗا ١١٩ يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا ١٢٠ أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنۡهَا مَحِيصٗا ١٢١ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا ١٢٢ لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ١٢٣ وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا ١٢٤ وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا ١٢٥ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا ١٢٦
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 117 – ما يَتَوَلَّونَ إلّا ضُعفاءَ لا يَمْلِكُونَ القُدْرةَ على الاتيانِ بمِثْلِ القُرآنِ الذي أنْزَلَهُ اللهُ إلى رسولِهِ مُحمّدٍ (المُرادُ بهم رؤساءُ الضّلالَةِ من عُلماءِ اليهود وأحبارِهم)، وواقعُ حالهم أنّهم ما يَتَوَلّونَ إلّا شيطاناً موصوفاً بأنَّهُ بَلَغَ الغايةَ في الشَّرِّ والفساد
– 118 – موصوفاً بأنَّ اللهَ طَرَدَهُ من رحمته، (شبَّهَ رُؤساءَ الضّلالةِ بالشيطانِ بجامعِ التَّمَرُّدِ والإفساد والإغواء في كُلٍّ منهما، وحَذَف المُشَبَّه وأبقى المُشَبّه به، ويدُلُّ المعنى والسّياقُ على أنَّ الذين يتَوَلّونَ عُلماءَ اليهودِ وأحبارَهم هم أتباعُ الشيطان)، وموصوفاً أيضاً بأنَّهُ قالَ لله : أُقْسِمُ لأحوزَنَّ وأُحَصِّلَنَّ من عِبادِك حَظّاً مَقْطُوعاً به لي
– 119 – وقالَ للهِ : أُقْسِمُ لأجْعَلَنّهم يَزِلّون عن دينِكَ وشريعتِك التي يأتيهم بها رُسُلُكَ، ويُصَيّرونَ عبادَكَ ضالّين، وأُقْسِمُ لأجْعَلَنّهم يفتعلون القولَ عليك وعلى رُسُلِكَ (أي : يضعونَ أحكاماً وفرائضَ من عندهم، ويقولون هذا من عندِ اللهِ أوحاهُ إلى رُسُلِهِ افتراءً على اللهِ ورُسُلِهِ)، وأُقْسِمُ لأشُيرَنَّ عيلهم بأنْ يَفْعَلوا ما لم تأمُرْ به، فأُقْسِمُ لأجْعَلَنَّهم يُسَيْطِرونَ على البُسطاءِ من عِبادِكَ الذين يُشْبِهونَ الأنعامَ السائمَةَ في كونِها لا تُفَكِّرُ إلّا بما تَجِدُهُ من المَرْعَى لسَدِّ جوعِها، ويجْذِبُونَهم إليهم، فتَقَعُ جماعاتٌ منهم في قَبْضَتِهم، ويُسَخِّرونَهم لهم ليفعَلوا ما يطْلُبونَهُ منهم، وأُقْسِمُ لأشُيرَنّ عيلهم بأنْ يفعلوا ما لم تأمُرْ به، فأُقْسِمُ ليَجْعَلُنَّ خَلْقَ اللهِ على غيرِ ما خَلَقَهُ عليه (يدلُّ النّظْمُ ومعنى تشبيه رُؤساءَ الضّلالةِ بالشيطانِ بجامعِ التَّمَرُّدِ والإفساد والإغواء في كُلٍّ منهما على أنَّ رُؤساءَ الضلالةِ من عُلماءِ اليهودِ وأحبارِهم وكَهَنَتِهم – وهم في العصْرِ الحاضِرِ رُؤساءُ مُنَظَّمَةِ الصّهْيُونِيَّةِ العالميّة – يُشيرونَ على الذين يَتَوَلَّونَهم من الرُّؤساء والحُكامِ بأنْ يُسَيْطروا على البُسطاءِ من النّاسِ، ويقودوهم ليُحَقِّقوا مُخَطَّطاتِ الصّهيونيّةِ العالميّة من حيثُ لا يشعرون، ويدلّ المعنى على أنَّ تغييرَهم خَلْقَ اللهِ فيما مضى جَعْلُهم الذين يَتّبِعونَهم يُطيعونَهم طاعةً عمياء، وينقادون إليهم انقياداً بغيرِ تفكيرٍ، ويُشِيرون على الذين يَتَوَلّونَهم من العُلماءِ الذين لا يُؤمنون باللهِ واليومِ الآخِر بأنْ يقوموا بأبحاثٍ سِرّيّةٍ في نظامِ الجِيناتِ الذي خلَقَهُ اللهُ في مخلوقاتِهِ، فيُغَيّرون مخلوقاتِ الله بتغييرِ نظامِ الجيناتِ فيها، لتُصْبِحَ خطَراً على النّاس، وتَتَسَبَّبَ في إبادةِ أعدادٍ كبيرةٍ منهم)، وأيُّ إنسانٍ يجعلْ الشيطانَ وليّاً عليه سوى الله، وتابعاً له، فيتبَعْهُ ويُطِعْهُ فيما يأمُرُهُ به فقد أهَلَكَ نفسَهُ هلاكاً شديداً في الدّنيا والآخرة، (يدلّ المعنى على أنّ أولياءَ الشيطان من رُؤساء الضلالة يعملون بأمْرِ الشيطان، ويُنفِّذون وَسائلَهُ في إضلال الناس، ويأتون بحُكّام يحكمون الناسَ باسم الشيطان، وقد اتّخَذَ هؤلاءِ معابِدَ لهم زيّنوها بالرُّموزِ الشيطانية، والشّعارات الدالة على الشيطان، ولهؤلاء قُوّةٌ خفيّةٌ يقدرون بها على أنْ يَفْعَلُوا ما يُشْبِه المُعجزاتِ في المُجتمعاتِ)
– 120 – يُمَنّي الشيطانُ أولياءَهُ أنْ يَحْكُمُوا النّاسَ باسْمِهِ، ويَجْعَلُهم يفْتَعِلون القولَ على الله وعلى رُسُلِهِ، وواقعُ الحال أنّ الشيطان ما يُمَنّيهم إلا باطلاً يَخْدَعُهم به
– 121 – أولئك (أي : أولياءُ الشيطان) مَسْكَنُهم الذي يأوونَ إليه بعد موتِهم جهنّمُ، وحالهم أنّهم لا يجدون عنها مَهْرَباً يلْجَؤون إليه ليتخلّصوا من عذابها (لقد جُعِلَتْ معاني الآيات الكريمة في هذه السورة، من الآية : 105 إلى الآية : 121 رهينةَ قِصّةٍ موضوعةٍ عَمْداً، سُمّيت بقصة (بني أُبيرق)، لكي يصرفوا المسلمين عن حقيقةِ ما يفعله رؤساءُ الضلالة من اليهود)
– 122 – والذين صَدّقوا برسولِ اللهِ وبالقرآن الذي أنْزَلَهُ إليه، وعَمِلُوا الأعمالَ الصالحاتِ التي تَنْفَعُ النّاسَ سنُدْخِلُهم جناتٍ صفتُها أنّ الأنهارَ تجري من تحتها، وحالُهم أنَّهم باقون فيها بقاءً دائماً إلى الأبد، يُؤكّد أنّ ذلك حاصلٌ أنّ اللهَ وَعَدَهُم به وَعْداً، يُؤكِّدُ أنّهُ وَعْدٌ لا يتبدّلُ أنّ اللهَ يُثْبِتُهُ إثباتاً، وأيُّ قائِلٍ أصْدَقُ من لله في القولِ إذا وَعَدَ ؟ لا أحَدَ أصْدَقُ منه
– 123 – ليس دخولُكم الجنّةَ كائناً بتقديركم وحُبِّكم أنْ يصيرَ إليكم، ولا كائناً بتقديرِ أهْلِ الكتابِ، وحُبِّهم أنْ يصيرَ إليهم، يُؤكِّد ذلك أنّ أيَّ إنسانٍ يَعْمَلْ عملاً قبيحاً من فِعْلٍ أو قولٍ يَجْزِهِ اللهُ به بإدخاله النّارَ، ولا يَجِدْ سِوَى اللهِ وَلِيّاً يُخلّصُهُ من عذابِهِ ولا ناصِراً يدفعُ عنه العذاب (جُعِلَ تفسير هذه الآية يدورُ في دائرةِ قصّةٍ موضوعةٍ عَمْداً قيل : إنّها سبَبُ نزولها، وهي قصّة تفاخر المسلمين واليهود)
– 124– وأيُّ إنسانٍ يَعْمَلْ عَمَلاً من الأعمالِ الصالحاتِ التي تَنْفَعُ النّاسَ حالةَ كونِهِ ذَكَرَاً أو أُنْثَى، وحالُهُ أنّهُ مُصَدِّقٌ برسولِ اللهِ، وبالقرآن الذي أنْزَلَهُ إليه فأولئك يدخلون الجنّةَ، ولا يَظْلِمُ اللهُ أحَداً منهم ظُلْماً مقدارَ نُقْطَةٍ صغيرةٍ تكون على ظَهْرِ النَّوَاةِ
– 125– وأيُّ إنسانٍ أحْسَنُ في الدّين من الذي انقادَ وخَضَعَ واسْتَسْلَمَ للهِ وعمِلَ بما أمَرَ به وما نَهَى عنه حالةَ كونِهِ قد عَمِلَ ما هو حَسَنٌ، واتَّبَعَ سُنَّةَ إبراهيمَ في توحيدِ اللهِ وتنزيهِهِ عَمّا لا يليق به، وفي الاسْتِسْلامِ له فيما أمَرَ به ونَهَى عنه، وفي البراءَةِ من أعدائِهِ، وحالُهُ أنَّهُ مستقيمٌ على سُنَّتِهِ في توحيدِ اللهِ وتنزيهِهِ عَمّا لا يليقُ به، وفي الاسْتِسْلام ٍ لهُ فيما أمَرَ به ونَهى عنه، وفي البراءةِ من أعدائِهِ ؟ لا أحَدَ أحْسَنُ منه، ويُؤكِّدُ ذلك أنّ اللهَ اختارَ إبراهيمَ حالةَ كونِهِ مُقَرَّباً إليه، لكمالِ خُلَّتِهِ للهِ بإخلاصِ عبادَتِهِ له، والاسْتِسْلام لَهُ فيما أمَرَهُ به ونَهاهُ عنه، وبالبراءَةِ من أعدائِهِ
– 126 – ويُؤكِّدُ قُدْرةَ اللهِ على الشيطانِ وأتباعِهِ وعلى الذين اتَخذوهم أولياءَ أنَّ اللهَ له مُلْكُ كُلِّ شيءٍ في السماواتِ، ومُلْكُ كُلِّ شيءٍ الأرض، وأنَّ اللهَ في وجودِهِ مُحيطٌ عِلْمُهُ بكُلِّ شيءٍ، لا يَعْزُبُ عنهُ شيءٌ من خَلْقِهِ .
Photo credit: Photo by form PxHere