نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة: ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي ، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
قال اللهُ تعالى في سورة آل عمران :
يا أيها ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ١٣٠ وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيٓ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ ١٣١ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ١٣٢ ۞وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ ١٣٣ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٣٤ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ١٣٥ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ١٣٦ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ١٣٧ هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ ١٣٨
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 130 – يا أيُّها الذين آمنوا، أنْهاكُم عن أنْ تَنْتَفِعُوا بالرِّبا في زِيادةِ أموالِكم حالةَ كونِهِ أمثالاً مُتَعَدِّدَةً من الأموال (يدلُّ (أضعافاً مُضاعفةً) على أنَّ المُرابي الذي له دَيْنٌ على رَجُل إذا حلَّ أجَلُ سَدادِ الدَّيْنِ، ولم يَكْنْ الرَّجُلُ المَدِينُ قادراً على سَدادِ الدَّينِ قال له المُرابي : زِدْني في فائدةِ الدّين الذي عليك أزِدْكَ في أجَلِ سَدادِهِ، فإذا حلَّ الأجَلُ الثاني لسَدادِ الدَّيْن قال المُرابي له مِثْلَ قولِهِ الأوّل، وقد يتكَرَّرُ ذلك مرّاتٍ، فيزيدُ مبلغُ الدَّيْنِ على الرجُل أضعافاً مُضاعَفَةً)، وخافوا اللهَ في التعامُل بالرِّبا في مُجْتَمَعِكم المُسْلِم لكي تَفُوزوا في الدُّنيا في بناءِ مُجْتَمَعٍ إسلاميٍّ لا رَبَوِيٍّ، فتَسْتَحِقُّوا النّصْرَ من الله على أعدائِكم (الرِّبا نظامٌ وَضَعَهُ اليهودُ، وعَمِلوا به لتدميرِ المُجتمعاتِ وتَقْسِيمِ المُجتمعِ إلى أصحابِ رؤوس الأموال، وإلى فُقَراء مسحوقين تحتَ وطْأةِ الفَقْرِ وحُكْمِ أصحابِ رؤوس الأموالِ، ويَدُلُّ مجيءُ الآيةِ في سياقِ الآياتِ التي تَتَحَدَّثُ عن مَعْرَكَةِ أُحُد، والنَّصْرِ الذي وَعَدَ اللهُ به عبادَهُ المُؤمنين على أنَّ المُجتمعَ الذي يتعاملُ أفرادُهُ بالرِّبا لا يكونون مُؤهّلين للانْتِصارِ على عَدُوِّهم)
– 131– واخشَوا النارَ التي هَيّأَها اللهُ للجاحدينَ أمْرَهُ بتَرْكِ التَّعامُلِ بالرِّبا بعد أنْ نَهاهم عن التَّعامُلِ به، واحْفَظُوا أنْفُسَكُم من عذابِها بالالتزامِ بما أمَرَكُم به، ونَهاكُم عنه (يدل المعنى على أنّ مصيرَ الذين لم يلتزموا بما نهاهم اللهُ عن التَّعامُلِ بالرِّبا هو النّارُ)
– 132– واخْضَعُوا وانْقادُوا للهِ بالاسْتِجابَةِ لَهُ فيما أمَرَكم بِهِ، وانْقادوا للرّسولِ بالاسْتِجابَةِ له فيما يدعوكم إليه، لكي يرحَمَكم اللهُ بأنْ يَمُنَّ عليكم بنِعْمَةِ النّصْرِ، والحياةِ السعيدةِ في الدُّنيا والاخِرةِ، وهذا ما ترجونَ حُصُولَهُ
– 133 – وبادِرُوا بسُرْعَةٍ إلى عَفْوٍ واسعٍ من رَبِّكُم عن ذنوبِكم، وبادِرُوا إلى جَنّةٍ صفتُها أنَّ سعَتَها السماواتُ والأرضُ، صفتُها أيضاً أنّ اللهَ هَيّأَها للذين يخافونَهُ بالخُضُوعِ والانْقِيادِ لَهُ ولرسولِهِ
– 134– الموصُوفين بأنَّهم الذين يَبْذُلونَ أموالَهم في النِّعْمةِ والرَّخاءِ، وفي الشِّدّةِ والضِّيقِ (أي : يَبْذُلونَ ما عِنْدَهُم عن طيبِ خاطِرٍ على كُلِّ حال، وفي كُلِّ وَقْتٍ يأمُرُهم اللهُ ورسولُهُ بالإنفاق من أموالهم)، والموصوفينَ بانَّهم المُمْسِكُونَ على أنْفُسِهم من الغَضَبِ صافِحِينَ عمَّنْ أغضَبَهم، والموصوفين بأنَّهم الصّافِحُونَ عن أخطاءِ النّاسِ بحَقِّهم، فلا يُعاقبونَهم عليها، واللهُ يُحبُّ الذين يفعلون الأفعالَ الحَسَنةَ بإتقانٍ
– 135 – والموصوفين بأنَّهم الذين إذا فَعَلُوا أمْراً قَبِيحَاً من قولٍ أو فِعْلٍ، أو ظَلَمُوا أنْفُسَهُم بتَجاوُزِهم حُدودَ الله، وتعريضِ أنفُسِهم لعقابِهِ اسْتحْضَرُوا عِقابَ اللهِ بعدَ نِسيانِهِ أو الغَفْلَةِ عنه، فطَلَبوا مِنْهُ أنْ يَسْتُرَ ما فعلوهُ ولا يُعاقِبَهُم عليه – ومَنْ يغفرُ الذنوبَ ؟ إي : لا يَغْفِرُها إلا اللهُ – ولم يَثْبُتُوا على ما فعلوهُ، ولم يَلْزَمُوهُ حالةَ كونِهم يعَلْمُون أنّهم فَعَلُوا أمْراً قَبِيحاً لا يَرْضاهُ اللهُ
– 136– أولئك جزاؤُهم عَفْوٌ واسِعٌ من ربّهم لذُنُوبِهم (أي : يَمْحُوها من صحائفِ أعمالِهم يومَ الحسابِ والجزاءِ)، وجزاؤُهم جَنَّاتٌ صِفَتُها أنّ الأنهارَ تَجْرِي من تَحْتِها حالةَ كونِهم مُقيمينَ فيها إقامةً دائمةً، والمَمْدُوحُ كُلُّ المَدْحِ من بَيْنِ سائرِ الأشياءِ المَمْدُوحَةِ أجرُ العاملين بما أمَرَ اللهُ بِهِ وما نَهَى عَنْهُ (يدلّ سياق الآيات من 130 – 136 على أنّ نَصْرَ اللهِ يكونُ للذين يَلْتَزِمُون بما أمَرَهم اللهُ بِهِ، وما نَهاهُم عَنْهُ، ومِنْهُ الانْتِهاءُ عن أكْلِ الأموالِ بالباطل، ومن ذلك كَسْبُها بالتّعامُلِ بالرِّبا، ويكون نَصْرُ اللهِ للذين يُطيعونَ اللهَ ورسولَهُ، وللذين يخافونَ اللهَ ويَحْفَظُون أنْفُسَهم من عِقابِهِ، وللذين يَبْذُلون أموالَهم في النِّعْمةِ والرَّخاءِ، وفي الشِّدّةِ والضِّيقِ، وللمُمْسكين على أنفسِهم من الغضَب صافحين عمَّنْ أغضَبَهم، وللصافحين عن أخطاء النّاس بحقِّهم، فلا يُعاقبونَهم عليها، وللذين يستْحضرون عقابَ الله بعدَ نِسيانِهِ أو الغَفْلَةِ عَنْهُ إذا فَعَلُوا أمْرَاً قبيحاً من قولٍ أو فِعْلٍ، أو ظَلَمُوا أنْفُسَهم بتعريضِها إلى عقابِ اللهِ بتجاوُزِ حُدودِهِ، فيسألون اللهَ بعدَ الذِّكْرِ أنْ يعفوَ عن ذُنوبِهم ويَسْتُرَها عليهم، ولم يُصِرّوا على ما يفعلون من أمْرٍ قبيحٍ حالةَ كونِهم يعلمون أنّهم فعلوا قبيحاً لا يرضاهُ اللهُ، وفي الإجمال أنَّ نصْرَ الله يجْعلُهُ للمُجْتَمَعِ الذي يتّصفُ أفرادُهُ بتلك الصفات)
– 137– إنّ الأمرَ المُتَحَقِّقَ أنّهُ قد مَضَتْ قَبْلَكم أحْكامُ اللهِ وطُرُقُهُ في إهلاكِ الأمم الماضية التي كَذّبتْ رُسُلَها وعَصَتْهم، (يدلّ المعنى على أنَّ الأمرَ المُتحَقِّقَ أنّها ماضيةٌ مُستمرّةٌ إلى زَمَنِكم)، فإذا كنتم في شَكٍّ من ذلك فسِيرُوا في الأرضِ وتعَرّفوا إلى أخبارِ الأمَمِ التي مضَتْ قبلَكم، وما نَزَلَ بالذين كَذّبُوا رُسُلَهم وعَصَوْهم، فتأمّلوا وتَبَصّروا على أيِّ حالٍ حَصَلَتْ نهايةُ المُكذبين، لِتَتَّعِظُوا بذلك وتأخذوا منه العِبْرَةَ – 138 – هذا الذي تقدّمَ ذِكْرُهُ بيانٌ للمُؤمنين يكْشِفُ عن حقيقةِ أسبابِ النصْرِ، وإرْشادٌ وموعِظَةٌ للذين يَخْشَونَ اللهَ، ويَحْفَظُونَ أنْفُسَهُم من عذابِهِ (خَصَّ المُتّقين بالهُدى والموعظة لأنّهم هم المُنْتَفِعُونَ بهدي القرآن ووَعْظِهِ) .
د. عبد الكريم الزبيدي

Photo credit: © by Safa Kadhim