نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن

(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ١٥ وَمَن يُوَلِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفٗا لِّقِتَالٍ أَوۡ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٖ فَقَدۡ بَآءَ بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ١٦ فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبۡلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡهُ بَلَآءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ١٧ ذَٰلِكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيۡدِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ١٨ إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡ‍ٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٩ 

المعنى في ضوء التحليل اللغوي :

– 15 – يا أيّها الذين آمنوا، إذا قابَلْتُم الذين كفروا في المَعْرَكَةِ حالةَ كونِكم تَدْنُونَ منهم قليلاً قليلاً، وهم يَدْنُونَ منكم قليلاً قليلاً، فلا تَنْهَزِمُوا أمامَهم، وتَفِرُّوا من المَعْرَكَةِ بإعطاءِ ظُهورِكم لعَدُوِّكم، واسْتِدارَتِكم عن مُواجَهَتِهم

– 16 – وأيُّ رَجُلٍ من الذين آمنوا ينْهَزِمْ أمامَ عَدوّهِ المُشْرِكِ الذي يُحاربُهُ يومَ إذْ تَبْدَأُ المَعْرَكَةُ، ويَفِرّ من المَعْرَكَةِ بإعطاءِ ظَهرِهِ لَهُ في أيِّ حالٍ من الأحوالِ إلّا في حالِ كونِهِ مائِلاً عن المُواجَهَةِ، ومُنْعَطِفاً عَنْهَا مُوهِماً عَدُوَّهُ أنَّهُ مُنْهَزِمٌ، ليكِرَّ عليه بَعْدَ الفَرِّ، أو ليَهْجِمَ عليه من مكانٍ آخَرَ، أو في حالِ كونِهِ تارِكاً مكانَهُ في المَعْرَكَةِ، ومُنْضَمّاً إلى جماعةٍ أُخْرى، لِيَتَقَوَّى بهم في الهُجومِ على العَدُوِّ (يدلُّ المعنى على جوازِ استعمالِ أساليبِ خِدَعِ الحَرْبِ في المَعْرَكَةِ) فقد رَجَعَ بغضبٍ من اللهِ، ومَنْزِلُهُ الذي يَنْزِلُ فيه يومَ القِيامَةِ جَهَنّمُ، والمذمومُ كُلُّ الذّمّ من بين سائرِ الأشياءِ المَذْمومةِ المَرْجِعُ الذي ينتهي إليه في جَهَنّم (يدلّ المعنى على أنّ هذا الحُكْمَ يَسْرِي على المُسلمين في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ حين يُواجِهُونَ عَدُوَّهم الذي يُحارِبُهم في أيِّ مَعْرَكَةٍ)

– 17 – فإذا افْتَخَرْتُم بقَتْلِهم فلم تَقْتُلُوهم أنْتُمْ، ولكنَّ اللهَ قَتَلَهُم بأيدِيكم بإيجادِهِ أسبابَ ذلك، وما صَنَعْتَ – يا مُحَمّدُ – النَّصْرَ على المُشركين لنفْسِك وللمُسلمين – حين دَعَوْتَ اللهَ على المُشركين أنْ يَشُلَّ أيْدِيَهم، ولكنَّ اللهَ صَنَعَ النَّصْرَ لكم بإيجادِهِ أسْبابَ النَّصْرِ عليهم، لكي يَقْهَرَ الكافرين، ولكي يَصْنَعَ بالمؤمنين صُنعاً حَسَناً منه بالإنعام عليهم بالنّصْرِ والغنيمة والأجْرِ، يُؤكِّدُ ذلك أنّ اللهَ سميعٌ، سَمِعَ اسْتِغاثَتَكُم، فاستجابَ لكم بإيجادِ أسْبابِ النَّصْرِ عليهم، عليمٌ بحالِكم ونِيّاتِكم فمَنَّ عليكم بالنَّصْرِ

– 18– يُؤكِّد ما تقدّم أنَّ ذلكم الصُّنْعَ الحَسَنَ بالنَّصْرِ والغنيمةِ حَقٌّ للمُؤمنين، وتوهينُ اللهِ مَكْرَ الكافرين وتدبيرَهم السَّيِّئَ حَقٌّ

– 19 – إنْ تسْتَنْصِروا آلهتَكم – أيُّها المُشركونَ – فقد جاءَكم النَّصْرُ بهزيمَتِكم وغَلَبَةِ المُسلمين عليكم (هذا أسلوبٌ من أساليبِ العَرَبِ إذا أرادُوا التَّهَكُّم على أحَدٍ مغلوبٍ، يقولون : إنْ كُنتَ تُريدُ النَّصْرَ فقد جاءك النّصْرُ بدَقّ عُنُقِكَ وكَسْرِ رِجْلَيك)، وإنْ تَنْتَهُوا عن قِتِالِ الرّسولِ والمُؤمنين، وصَدِّ النّاسِ عن دينِ الإسلامِ فهو خيرٌ لكم، وإنْ تَعُودُوا إلى قِتالِ الرَّسُولِ والمُؤمنين، وصَدِّ النّاسِ عن دينِ الإسلام نعُدْ إليكم بهزيمتِكم وغَلَبَةِ المُسلمين عليكم، ولن تُجْزِئَ عنكم جماعتُكم شيئاً من الهزيمةِ والخِزْي، ولن تنْفَعَكم، ويُؤكِّدُ ذلك أنّهُ لو كثُرتْ جماعتُكم فلن تُجْزِئَ عنكم جماعتُكم شيئاً من الهزيمة والخِزْي، ولن تنْفَعَكم، واعلموا أنَّ اللهَ معَ المُؤمنين، يُؤيِّدُهم بالنَّصْرِ، ولا يَتْرُكُهُم وَحْدَهم .

معاني القرآن - المسجد النبوي

Photo credit: © by Safa Kadhim

– 15 – (يا أيّها … الأدبار) مستأنفة في سياق الكلام عن وَقْعَةِ بدر، (يا أيّها الذين آمنوا) ندائيّة، وتقدّم القول في مثلها، (إذا لقيتُم ..) ما نُودِيَ لأجْلِهِ، (لقيتُم .. زحْفاً) جملة الشرط بـ(إذا)، (لَقيتُم) فعل ماضٍ وضمير المُخاطبين فاعلُهُ، (الذين) موصول مفعول به، (كفروا) صلة (الذين)، و(لَقِيَ فلاناً) : قابَلَهُ، (زحفاً) حال من الفاعل والمفعول، (فلا .. الأدبار) جواب (إذا)، (لا) ناهية جازمة، (تُوَلّوهم) مُضارع مجزوم بحذف النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، والضمير (هم) مفعول به أوّل، وهو عائد إلى (الذين كفروا)، (الأدبارَ) مفعول به ثانٍ، و(الأدبار) جمع (دُبُر)، وهو الظّهر، وقالوا : (ولاّهُ دُبُرَه) : انْهَزَمَ أمامَه

– 16– (ومَنْ … الله) مرتبطة بما قبلها بالواو، (مَنْ) اسم شرط مبتدأ، (يُوَلّهم .. دُبَرَهُ) جملة الشرط، (يُوَلِّهم) مُضارع مجزوم بالشرط، وعلامة جزمه حذف حرف العِلّة، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (مَنْ)، والضمير (هم) مفعول به أوّل، (يومَئِذٍ) ظرف زمان مُتعلّق بـ(يُولّهم)، والتنوين في (إذٍ) عِوض عن جُملة مُقدّرة، (دُبُرَهُ) مفعول به ثانٍ، (إلاّ) أداة حصر، (متحرفاً) حال مُستثنى من عموم الأحوال، و(مُتحَرّفاً) بمعنى : مائلاً أو مُنْعَطِفاً، وقد استعار التَّحَرّف للكرّ بعد الفَرّ، (أو متحيزاُ) عطف على (مُتحرّفاً)، ومثله في القول، و(تحيَّزَ إليه) : انْضَمَّ إليه، و(تَحَيَّزَ القومُ) : تركوا مكانَهم إلى آخر، (إلى فِئةٍ) مُتعلّقان بـ(مُتحيّزاً)، و(الفِئة) : الجماعة من الناس، (فقد … الله) جواب الشرط ، (باءَ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (مَنْ)، و(باء) : رَجَعَ، (بغضب) مُتعلّقان بـ(باء)، (من الله) مُتعلّقان بـ(غَضب)، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ، (ومأواه جهنّم) عطف على جواب الشرط، (وبِئْسَ المصيرُ) مرتبطة بما قبلها بالواو، وتقدّم القولُ في مثلها

– 17 – (فلم … قتلهم) مُرتبطة بما قبلها بالفاء الفصيحة، وتقدير الكلام : (فإذا افتخرتم بقتلهم فلم ..)، (تقتلوهم) مُضارع مجزوم بـ(لم)، وعلامةُ جزمه حذف النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، والضمير (هم) مفعول به، وهو عائد إلى (المُشركين)، (ولكنّ الله قتلهم) عطف على ما قبلها للاستدراك عليها بـ(لكنّ)، (اللهَ) اسم (لكنّ)، (قَتَلَهم) خبر (لكنّ)، (قتلهم) فعل ماضٍ وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (الله)، والضمير (هم) مفعول به، (وما … رمى) مرتبطة بما قبلها بالواو، (ما) نافية، (رَمَيْتَ) فعل ماضٍ والتاء ضمير المُخاطب فاعلُهُ، (إذْ) ظرف زمان مُتعلّق بـ(رَمَيتَ)، وهو مُضاف إلى الجملة (رَمَيْتَ)، (ولكنَّ اللهَ رَمَى) عطف على ما قبلها للاستدراك عليها بـ(لكنّ)، وقالوا : (رَمَى فلانٌ رَمْياً) : صَنَعَ لنفسِهِ نصْراً، و(رَمَى اللهَ في أيْديهم) : دعا عليهم أنْ يَشُلَّ أيديهم، وإسْنادُ اللهِ تعالى القَتْلَ والرَّمْيَ إلى نفسه في (قَتَلهم) و(رَمَى) مع كون الذي فَعَلَ القَتْلَ والرَّمْيَ المُسلمون والرسولُ (ص) هو إسنادٌ مجازيٌّ علاقته السببيّة، لأنّ سببَ قَتْلِ المُشركين، والنصْرِ عليهم هو الله الذي صَنَعَ أسبابَ النصْر، (وليُبْليَ) مُضارع منصوب بعد لام التعليل، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (الله)، وهو معطوف على فعل مُقدّر مقترن بلام التعليل، والتقدير : (ليَقْهَرَ الكافرين وليُبْلي ..)، ولام التعليل في الفعلين متعلّق بـ(رمى)، (المُؤمنين) مفعول به، (منه) متعلقان بـ(بلاء)، (بلاءً) مفعول مطلق، (حسناً) صفته، ويُقال : (أبْلاهُ اللهُ، يُبليه إبلاءً حسناً) إذا صنع به صُنعاً جميلاً، قال ابن بري : (والبلاء : الإنعام .. وفي الحديث : مَنْ أُبْلِي فذَكَرَ فقد شكر)، فـ(البلاء) هنا محمول على النِّعْمَة لكونِهِ موصوفاً بـ(حسناً)، (إنّ .. عليم) توكيد لمضمون ما قبلها

– 18– (ذلكم) إشارة إلى الإبلاء، وهو مبتدأ، وخبرُهُ مُقدّر، تقديره : (ذلكم الإبلاء حَقٌّ)، والجملة توكيد لمضمون ما تقدّم، (وأنَّ) حرف توكيد ونصب ومصدر، (اللهَ) اسم (أنَّ)، (مُوهِنُ) خبر (أنّ)، وهو مُضاف إلى (كيدِ)، و(كيد) مُضاف إلى (الكافرين)، والمصدر المُؤوّل (أنّ .. الكافرين) مبتدأ أيضاً، وخبرُهُ مُقدّر أيضاً، والجملة عطف على ما قبلها، وتقدير الكلام : (وتوهين الله كيد الكافرين حقٌّ)

– 19 – (إنْ تستفتحوا .. الفتح) مستأنفة في سياق ما قبلها للالتفات إلى خطاب المشركين، (تسْتَفْتحوا) مُضارع مجزوم بالشرط، وعلامة جزمه حذف النون، (واو الجماعة) فاعله، ومفعوله مُقدّر، تقديره : (آلَهَتَكم)، والجملة جملة الشرط، و(اسْتَفْتَحَ فلاناً) : اسْتَنْصَرَهُ، وكان المُشركون من قريش قد استنصروا بآلهتهم على المُسلمين قبل أنْ يخرجوا إلى بدر، (فقد .. الفتح) جواب الشرط، (جاءكم) فعل ماضٍ، والضمير (كم) مفعول به، (الفتحُ) فاعله، و(الفَتْح) : النَّصْر، ويدلُّ السياق على مُتعلّق مُقدّر بـ(جاءكم)، وتقديره : (بهزيمتكم وغَلَبَةِ المُسلمين عليكم)، (وإنْ .. لكم) عطف على ما قبلها، (تنتهوا) مُضارع مجزوم بالشرط، وعلامة جزمه حذف النون، (واو الجماعة) فاعله، والجملةُ جملة الشرط، عن قتالِ الرّسولِ والمؤمنين، وصَدِّ الناسِ عن دينِ الإسلام، (فهو خيرٌ لكم) جواب الشرط، (وإنْ .. نعُد) عطف على ما قبلها، (تعودوا) مُضارع مجزوم بالشرط، وعلامة جزمه حذف النون، (واو الجماعة) فاعلهُ، ويدلُّ السياق على مُتعلّق مُقدّر بـ(تعودوا)، وتقديره : (إلى قتالِ الرّسولِ والمؤمنين، وصَدِّ الناسِ عن دينِ الإسلام)، (نعُدْ) جواب الشرط، (نعُدْ) مُضارع مجزوم بالشرط، وفاعله ضمير المُتكلّمين مُستتراً، ويدلُّ السياق على مُتعلّق مُقدّر بـ(نَعُدْ)، وتقديره : (نَعُدْ عليكم بهزيمتِكم وغَلَبَةِ المُسلمين عليكم)، (ولن … شيئاً) مرتبطة بما قبلها بالواو، (لن) حرف نفي ونصب واستقبال، (تُغْنِيَ) مُضارع منصوب بـ(لن)، (عنكم) مُتعلّقان بـ(تُغنيَ)، و(ما يثغني عنك) : ما يُجْزِئُ عنك وما ينْفَعُك، (فِئَتُكم) فاعله، (شيئاً) مفعول به، (ولو كثُرت) عطف على ما قبلها لتوكيد مضمونها، وجواب (لو) مُقدّر بدلالة ما قبلها، وتقديره : (فلن تَمْنَعَ عنكم شيئاً من الهزيمة والخزي)، (وأنّ .. المؤمنين) مرتبطة بما قبلها بالواو، والمصدر المؤول (أنّ الله مع المُؤمنين) في محلِّ نصب سَدّ مَسَدّ مفعولي (اعلموا) مُقدّراً بدلالة السياق .