نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٢٢١ وَيَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ ٢٢٢ نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٢٢٣ وَلَا تَجۡعَلُواْ ٱللَّهَ عُرۡضَةٗ لِّأَيۡمَٰنِكُمۡ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصۡلِحُواْ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٢٢٤ لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ ٢٢٥
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
121 – ويسألونك هل يجوزُ نِكاحُ المُشركاتِ وإنْكاحُ المُشركين ؟ قل : لا تَتَزَوَّجوا النساءَ المُشركاتِ إلى أنْ يُؤمِنَّ بوحدانيّةِ الله، ونُبُوّةِ رسولِهِ مُحَمَّدٍ والقرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه، ولَامْرأةٌ مَمْلوكةٌ مُؤمِنةٌ بوحدانيّةِ الله، ونُبُوّةِ رسولِهِ مُحَمَّدٍ والقرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه خيرٌ من حُرّةٍ مُشركةٍ، ويُؤكِّد ذلك أنّه لو حَمَلَتْكُم الحُرّةُ المُشركةُ على الإعجابِ بها بسَبَبِ حُسْنِها أو مالِها أو مركزِها في المُجتَمَعِ لكانت الأمَةُ المُؤمِنَةُ خيراً منها، ولا تُزوِّجوا المشركين نساءَكم المؤمناتِ إلى أنْ يُؤمنوا بوحدانيّةِ اللهِ، ونُبُوّةِ رسولِهِ مُحَمَّدٍ والقرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه، ولَرَجُلٌ مملوكٌ مُؤمنٌ بوحدانيّةِ الله، ونُبُوّةِ رسولِهِ مُحَمَّدٍ والقرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه خيرٌ من رَجُلٍ حُرٍّ مُشركٍ، ويُؤكِّد ذلك أنّهُ لو حَمَلَكُم الرجُلُ الحُرُّ المُشرِكُ على الإعجابِ به بسَبَبِ حُسْنِهِ أو مالِهِ أو مركزِهِ في المُجتمع لكانَ الرجُلُ المملوكُ المُؤمنُ بوحدانيّةِ الله، ونُبُوّةِ رسولِهِ مُحَمَّدٍ والقرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه خيراً من الرّجُلِ الحُرِّ المُشرِك، لأنّ أولئك المشركين والمُشركات يحُثُّونَ مَنْ تعَلَّقَ بهم بعلاقةٍ إلى الشِّرْك الذي يُسبّب دخولَ النار، واللهُ يحُثُّ خَلْقَهُ بإذْنِهِ إلى توحيدِهِ وإخلاصِ العِبادةِ له الذي يُسبِّبُ دخولَ الجنة، ويَحُثُّ خَلْقَهُ بإذْنِهِ إلى طَلَبِ العَفْوِ منه لذنوبِهم الذي يُسَبِّبُ دخولَ الجنّة (يدلّ معنى التعليل على أنّ المُشركةَ – إنْ تزوّجها المُسلمُ – تُؤثِّرُ على أبنائِها وبناتِها، ليكونوا مُشركين مثلَها، فتَتَسَبَّبُ في دخولهم النار، وعلى أنّ المُشرك – إنْ تزوّجَ المُسلمَةَ – أثَّرَ على أبنائِهِ وبناتِهِ، ليكونوا مُشركين مثلَهُ، فيَتَسبّب في دخولِهم النار)، ويُبيّنُ اللهُ آياتِهِ التي فيها أحكامُ دينِهِ للذين آمنوا بوحدانيّتِهِ، ونُبُوّةِ رسولِهِ مُحَمَّدٍ والقرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه، لكي يُثْنوا عليه، ويشكروه على نِعْمَتِه، وهذا هو المطلوب منهم
– 222 – ويسألونَكَ عن زَمَنِ الحَيْض (أي : الدّمِ الذي ينزِلُ من رَحِمِ الأنثى في الأيامِ المعلومَةِ من كُلِّ شهرٍ)، هل يجوزُ مُقاربةُ زوجاتِهم في أيام الحيض ؟ قل جواباً لهم : الدَّمُ الذي ينزِلُ من رَحِمِ الأنثى في الأيامِ المعلومةِ من كُلِّ شهرٍقَذَرٌ تكْرَهُهُ النّفْسُ لوَسَخِهِ، فإذا كانَ الأمْرُ كذلك فابْتَعِدوا وتَنَحَّوا عن النِّساءِ في أيّامِ الحَيْضِ (أيْ : اجْتَنِبوا جُماعَهُنَّ في أيّامِ الحَيْضِ)، ولا تُجامِعوهُنَّ إلى أنْ يَنْقَيْنَ من دَمِ الحيض (أيْ : ينقَطِع الدّم تماماً)، فإذا صِرْنَ طاهراتٍ بالغسل فباشروهنّ من الجِهَةِ التي أمَرَكم اللهُ بها (وهي القُبُل، والمعنى على قولِ الفَرّاء : فباشروهن من الوجْهِ الذي يُؤْتِي الرّجُلُ المرأةَ منه، وهو النِّكاحُ المشروع، وليس الزِّنا، والمعنى الأوّل يُؤيّدُهُ السياق)، يُؤكِّدُ وجوبَ الالتزامِ بأحكامِ اللهِ أنّ اللهَ يُحِبُّ الراجعين إلى أحكامِهِ مرَّةً بعدَ أخرى للعَمَلِ بها، ويُحِبُّ المُنَزِّهين أنفُسَهم من المعاصي (ليس في هذه الآية ما يدلُّ على وجوبِ أنْ تتَنَحَّى الحائضُ عن الصّلاةِ أيامَ الحَيْضِ، وعلى أنَّها لا يَجِبُ عليها قضاءُ الصَّلواتِ بعدَ نقائِها من دَمِ الحيضِ وطهارتِها بالغسل، وليس فيها ما يَدُلُّ على وجوبِ أنْ تتَنَحَّى الحائضُ عن الصّومِ أيامَ الحَيْضِ، وعلى أنَّها يَجِبُ عليها قضاءُ أيّامِ الصوم التي لم تصُمْ فيها أيامَ الحيض بعدَ شهرِ رَمَضان، وما ذَكَرَهُ الفُقهاءُ من أحكامِ الحائضِ فمَرْجِعُهُ إلى الرّواياتِ والأحاديثِ، ففي (كتاب نَيْل الأوطار شرح مُنتقى الأخبار) للشوكاني، باب الحائض : لا تَصومُ ولا تُصَلّي وتَقْضِي الصّومَ دونَ الصلاة 1 – عن أبي سعيد في حديثٍ له : (أنَّ النَّبيَّ صلى اللَّه عليه وآله وسلّم قال للنِّساء: أليس شهادةُ المرأةِ مِثْلَ نِصْفِ شهادةِ الرَّجُلِ قُلْنَ : بَلَى، قال : فذلِكُنَّ من نُقْصانِ عَقْلِها، أليس إذا حاضَتْ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ قُلْنَ : بَلَى، قال: فذلِكُنَّ من نُقْصانِ دِينِها)، الحديثُ أخْرَجَهُ مُسلم من حديثِهِ، وأخْرَجَهُ أيضًا مُسلم من حديثِ ابنِ عُمَر بلفظ : (تَمْكُثُ اللّيالي ما تُصَلّي وتُفْطِرُ في شَهْرِ رمضان فهذا نُقْصانُ دينِها)، واتفقا عليه من حديث أبي هريرة، وأخْرَجَهُ الحاكِمُ في المُستدرك من حديثِ ابن مسعود، وأخْرَجَهُ النّسائِي في الصّلاة – 2 – وعن معاذة، قالت : (سألتُ عائشة، فقلتُ: ما بالُ الحائِضِ تَقْضِي الصّومَ ولا تَقْضِي الصّلاةَ، قالتْ : كان يُصِيبُنا ذلك معَ رسولِ اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسَلّم فنُؤْمَرُ بقضاءِ الصّومِ، ولا نُؤْمَرُ بقضاءِ الصّلاة، ومِثْلُ هذه الرّوايات في وجوبِ أنْ تَتَنَحّى الحائضُ عن الصلاة، ولا يجِبُ عليها قضاءُ الصّلَوَاتِ أيامَ حَيْضِها، ووجوبِ أنْ تَتَنَحّى الحائضُ عن الصّومِ، ويَجِبُ عليها قضاءُ أيّامِ الصّومِ التي أفْطَرَتْ فيها أيّامَ حيضِها بعدَ انقِضاءِ شهرِ رَمَضان موجودٌ في صِحاحِ الشّيعةِ الإماميّة، والأسبابُ التي يُمكِنُ اسْتِنْتاجُها من الرّوايات في وجوبِ تَنَحّي الحائضِ عن الصّلاةِ والصّومِ أيامَ حَيْضِها هي : 1 – كونُ النّساءِ ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِين – 2 – كونُ النّساء يُصِيبُهُنَّ الحَيْضُ زَمَنَ الرسولِ فيُؤْمَرْنَ بقضاءِ الصّومِ، ولا يُؤْمَرْنَ بقضاءِ الصّلاةِ، وصيغةُ الفِعْلِ المَبني للمجهول (نُؤْمَرُ)، وعَدَمُ إسنادِهِ إلى رسولِ اللهِ (ص) يدلُّ على أنّ المُجْتَمَعَ كانَ يَعُدُّ الحائضَ نَجِسةً أيامَ حيضِها، فيأمُرُها بالتّنَحّي عن عِبادةِ الصلاة والصّوم – 3 – استنتاجُ العُلماءِ من قولِهِ تعالى في عدَمِ جواز جُماعِهِنَّ أيّامَ حيْضِهِنَّ إلى أنْ يَنْقَيْنَ من دَمِ الحيض : “ولا تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ” أنَّ الحائضَ غيرُ طاهِرةٍ أيّامَ حيضِها، فلا يجوزُ لها أنْ تُصَلّي وهي ليستْ على طهارة – 4 – استنتاجُ العُلماءِ من قولِهِ تعالى (المائدة : الآية : 6) : “وإنْ كُنْتُم جُنُباً فاطَّهَّروا”، ومن قولِهِ في الآيةِ نفْسِها : “ما يُريدُ اللهُ ليَجْعَلَ عليكم من حَرَجٍ ولكنْ يُريدُ ليُطَهِّرَكم وليُتِمَّ نِعْمَتَهُ عليكم لعلّكم تَشْكُرونَ” أنَّ الحائضَ كالجُنُبِ في حُكْمِ الصّلاةِ إلى أنْ تَتَطَهَّرَ بالغسل، وأنَّ التخْفيفَ عنها بالتَّنَحّي عن الصّلاةِ والصّوم لإرادةِ رَفْعِ الحَرَجِ عنها .
واعْتَرَضَ بعضُ الباحثينَ على حُكْمِ وجوبِ أنْ تَتَنَحَّى الحائضُ عن الصّلاةِ والصّومِ الذي أثْبَتَهُ الفُقهاءُ بناءً على الرّوايات المذكورة في كُتُبِ الحديث، وعلى حُكْمِ عَدَم قَضاءِ الحائِضِ الصّلَوَاتِ مُدَّةَ حَيْضِها، وحُكْمِ وجوبِ قضاءِ أيامِ الصّوم التي أفْطَرتْ فيها الحائضُ مَدَّةَ حَيضِها بناءً على الرّوايات المذكورة في كُتُبِ الحديث، قال : إنَّ اللهَ تعالى قدْ ذَكَرَ أحكامَ الصّومِ مُفَصَّلةً في (سورةِ البَقَرةِ، الآيات : 183 – 187)، وقالَ تعالى في نهايةِ آياتِ الصّومِ : “تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فلا تَقْرَبُوها كذلكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ للنّاسِ لعلّهم يَتَّقون” لكنَّ اللهَ تعالى لم يذكُرْ وجوبَ انْ تَتَنَحّى الحائضُ عن الصّومِ في شَهْرِ رَمَضان ضِمْنَ أحكامِ الصّومِ التي بَيَّنَها في الآياتِ السّابقة، وقال : لو فَرَضْنا أنّ الحائَضَ لا تُصَلّي لأنّها غيرُ طاهِرةٍ أيّامَ حَيْضِها، وأنَّ أداءَ الصلاةِ شَرْطُهُ الطّهارة، فلماذا أُمِرَتْ بعَدَمِ الصِّيامِ، والصّومُ لا تُشْتَرَطُ فيه الطّهارة، فالصّائمُ يذهَبُ إلى الخلاءِ لقضاءِ حاجَتِهِ عِدّةَ مَرّاتٍ في نهارِ الصومِ، ولا يفطِرُ، ولكنْ عليه أنْ يتَوَضّأ إذا أرادَ اداءَ الصّلاةِ، وأنَّ اللهَ تعالى قال في أحكامِ الصّومِ في سورةِ البَقَرة : “أُحِلَّ لكم ليلةَ الصّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكم”، ولم يُوجِبْ الاغتِسالَ قبلَ الفَجْرِ كما أوجَبَ الامْتِناعَ عن الأكْلِ والشُّرْبِ إذا حًلَّ وَقْتُ الفَجْرِ في قولِهِ : “وكُلُوا واشْرَبوا حتى يَتَبَيَّنَ لكم الخَيْطُ الأبْيَضُ من الخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ”، وقالَ أيضاً : ولو قيل : إنَّ حُكْمَ المرأةِ الحائضِ كحُكْمِ المَريضِ في الصومِ، لقُلْتُ : إنَّ المرأةَ الحائضَ ليستْ مريضةً، فإنَّها في هذا الزّمان مع تَوَفّرِ مُسْتَلزماتِ الدّورةِ الشهريّةِ للنّساءِ بتقنيةٍ عاليةٍ تقدِرُ على العَمَلِ ومُمارَسَةِ الرّياضةِ، والقيامِ بالأعمالِ الشّاقةِ التي يقومُ بها الرِّجالُ في الجُنْدِيّة، كالأعمالِ الحربيّة، وأعمالِ التّدريبِ العَسْكَري، وتساءلَ : لماذا لا يَمْنَعُ دَمُ الاستحاضةِ من الصّومِ والصّلاةِ والطّوافِ، ودَمُ الحَيْضِ يمنَعُ من الصّومِ والصّلاةِ والطّوافِ كما ذَهَبَ إلى ذلك الفُقهاء ؟ وقال أيضاً : إنَّ الحُكْمَ بنجاسَةِ المرأةِ الحائضِ مأخوذٌ من أحكامِ الحائضِ في دِيانِةِ اليهودِ، فمِنْ أحكامِ ديانِة اليهود في الحائض :
إِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ وَكَانَ سَيْلُهَا دَماً فِي لَحْمِهَا فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاء . وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فِي طَمْثِهَا يَكُونُ نَجِساً وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً . وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ . وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعاً تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ .وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي هِيَ جَالِسَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يَمَسُّهُ يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ . وَإِنِ اضْطَجَعَ مَعَهَا رَجُلٌ فَكَانَ طَمْثُهَا عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَكُلُّ فِرَاشٍ يَضْطَجِعُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً ( سفر لاويين، الإصحاح 15) .
وقال الباحِثُ : ومِمّا جاء في ديانةِ اليهودِ في الاسْتِحاضَةِ :
وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّاماً كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَة . كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ الأَمْتِعَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا . وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِساً فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. وإِذَا طَهُرَتْ مِنْ سَيْلِهَا تَحْسِبُ لِنَفْسِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطْهُر ( سفر لاويون، الإصحاح 15) .
قال : وذهبَ بعضُ الفُقهاءِ في أحكامِ الاستحاضة مَذْهَبِ اليهودِ في أحكامِ الاستحاضة، فحَكَمُوا بمَنْعِ وَطْءِ المُستحاضَةِ بسَيَلانِ دَمِ الاسْتحاضَةِ، فقالوا: كُلُّ دَمٍ فهو أذًى، يَجِبُ غَسْلُهُ من الثَّوْبِ والبَدَنِ، فلا فَرْقَ في المُباشَرَةِ بينَ دَمِ الحَيْضِ والاسْتِحاضَةِ لأنَّهُ كُلَّهُ رِجْسٌ، وأمّا الصَّلاةُ فرُخْصَةٌ وَرَدَتْ بها السُّنَّةُ كما يُصَلَّى بسَلَسِ البَوْلِ، هذا قولُ إبراهيمِ النَّخعِي وسُليمان بن يَسار والحَكَم بن عُيَيْنَة وعامِر الشّعبي وابن سيرين والزّهري، واخْتُلِفَ فيه عن الحسن، وهو قولُ عائشة : (لا يأتيها زوجها)، وبِهِ قال ابنُ علية، والمُغيرة بن عبدالرحمن، وكان من أعلى أصحاب مالك، وأبو مُصْعَب، وبِهِ كان يُفْتِي، وقال جمهورُ العُلماء: المُستحاضَةُ تصومُ وتُصَلّي وتَطُوفُ وتَقْرَأُ، ويأتيها زوجُها. قال مالك : “أمْرُ أهْلِ الفِقْهِ والعِلْمِ على هذا، وإن كان دَمُها كثيرا” رواهُ عنه ابنُ وَهَب، وكان أحمدُ يقول : أحَبُّ إليَّ ألّا يَطَأَها إلّا أنْ يطولَ ذلك بها، وعن ابن عباس في المُستحاضَةِ : (لا بأسَ أن يُصِيبَها زوجُها وإن كان الدَّمُ يَسيلُ على عَقِبَيْها) . هذا ما أرَدْتُ أنْ أبَيِّنَهُ للقارِئ في دِلالةِ معنى الآيةِ ” وَيَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ ٢٢٢” في ضوء التحليل اللغوي، وهذا البيانُ أوْجَبَهُ عليَّ مَنْهَجي في بيانِ معاني القرآنِ وَفْقَ لُغةِ العَرَبِ وأساليبِهم في الكلام بعيداً عن مناهجِ تفسير القرآنِ بالرّوايات والأقوالِ وأسبابِ النُّزولِ، والقَصَصِ المرويّة، مُجَرِّداً نفسي من كُلِّ مَذْهَبٍ أو رأي سابقٍ، أو اعتقادٍ سابق، وليس القَصْدُ إبْطالَ ما أجْمَعَ عليه الفُقهاءُ في أحكامِ الحَيْضِ، وعَمِلَ به المُسلمونَ قروناً طويلةً)
– 223 – نساؤكم مَتاعٌ لكم، وإذا كانَ الأمْرُ كذلك فباشروا نساءَكم في موضع الاتيانِ بالكيفية أو الحال التي تريدون (يدلّ المعنى على أنّ كيفيَّةَ الجُماعِ يجبُ أنْ تكونَ في مَوْضِعِ الجُماعِ وهو القُبُل بالطريقةِ والكيفيّةِ التي يختارها الرجل والمرأة)، واجعلوا إرادةَ طَلَبِ الوَلَدِ قَصْدَكم لأجْلِ أنفُسِكم، (أي : لأجل امتداد وجودِكم بالحصول على الذُّرية)، وخافوا اللهَ فيما شرَع لكم من الأحكام في اتيانِ النِّساءِ، واحْفَظُوا أنفسَكم من عقابِهِ بمُخالفةِ أحكامِهِ، واعْلَمُوا أنَّكم صائرون إلى حِسابِهِ، وبَشّر المُؤمنين بما شرَعَهُ اللهُ لهم من الأحكام في اتيان النساء بالجَنّة
– 224 – ولا تَنْصِبوا اللهَ هدَفاً لأيْمانِكم لأجْلِ أنْ تَصْدُقوا في قولِكم (أي : لا تُقْسِموا باللهِ في كُلِّ قولٍ تقولونَهُ، أو وَعْدٍ تُعطونَهُ)، ولا تَنْصِبوا اللهَ هدَفاً لأيْمانِكم لأجْلِ أنْ تجعلوا أيْمانَكم وِقايةً لكم من أنْ يُصيبَكم ضَرَرٌ، أو تُعاقَبُوا على فِعْلٍ فعلتُمُوه، ولا تَنْصِبوا اللهَ هدَفاً لأيْمانِكم لأجْلِ أنْ تُزيلوا ما بين الناسِ من عداوةٍ أو شِقاق (أي : لا تُقْسِموا باللهِ في كُلِّ قولٍ تقولونَهُ لهذا الطّرَف من الناس، ولذاك الطّرَف منهم لأجْلِ أنْ تُزيلوا ما بينهم من عداوةٍ أو شِقاق)، ويُؤكِّدُ ما نهَاكم اللهُ عنهُ أنَّ اللهَ سميعٌ لما تقولون عليمٌ بما تفعلون
– 225 – لا يُعاقِبُكم اللهُ باللّغوِ في أيْمانكم، (واليمينُ اللّغو هو اليمينُ الذي لا يَعْقِدُ المُقْسِمُ عليه القلبَ، أي : لا يَعْقِدَ عليه النيّةَ، ولا يقصِدُهُ حينَ التَّلَفّظِ به، مثل سَبْقِ اللِّسان باليمين من غير تعمّد، أو كما يجري على عادة الناس مثل قولِهم : لا واللهِ، وإي والله، وبلى والله، لمُجرّد توكيد كلامهم)، ولكن يُعاقِبُكم اللهُ باليمينِ الذي تَحَمَّلَتْهُ قلوبُكم، وعَقَدْتُم النيّةَ عليه فيها، (يدلّ المعنى على أنّ هذا النوع من اليمين يُلزِمُكم اللهُ بِهِ، ويُعاقِبُكم على الحِنْثِ به)، ويُؤكِّدُ أنّهُ لا يُعاقِبُكُم في اليمينِ اللّغو أنّ اللهَ كثيرُ العَفْوِ عن عبادِهِ، كثيرُ الحِلْمِ بهم، لا يُعاجِلُ بالعقوبةِ على الذنبِ، ولا يَسْتَفِزُّهُ عصيانُ العاصين .
Photo credit: © by Safa Kadhim