نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
قال اللهُ تعالى في سورة البقرة :
للذين يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٢٢٦ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٢٢٧ وَٱلۡمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكۡتُمۡنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيٓ أَرۡحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤۡمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنۡ أَرَادُوٓاْ إِصۡلَٰحٗاۚ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٢٢٨ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيًۡٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٢٢٩ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٢٣٠ وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗاۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ٢٣١ وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوۡاْ بَيۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٢٣٢ ۞وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَٰلِكَۗ فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّآ ءَاتَيۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ٢٣٣
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 226 – من اليمينِ التي تعقدون النّيَّةَ عليه أنْ يُقْسِمَ الرّجُلُ على امْرَأتِهِ أنْ لا يُجامِعَها، على الذين يُقْسِمونَ على نسائِهم أنْ لا يُجامعوهنّ، وأنْ يعتزلوهُنَّ في المضاجِعِ، عاقدين النِّيَّةَ والعَزْمَ على يمينِهم انتظارُ أربعةِ أشهرٍ قبلَ أنْ يقْرَبوهنّ، (يدلُّ المعنى على أنُّ الرّجُلَ الذي أقْسَمَ على امْرأتِهِ أنْ لا يُجامِعَها لا يجوزُ لهُ جُماعُها قبل انقضاء مُدّةِ أربعةِ أشْهُرٍ)، فإنْ كَفَّروا عن أيْمانِهم ورجَعوا إلى نسائِهم فإنّ اللهَ عظيمُ العفوِ عنهم لما أحدثُوهُ من الضرر في نسائِهم، وهو كثيرُ الرحمةِ يرحمهم بما يُشرّعُ لهم من الأحكام للتخفيف عليهم (يدلُّ معنى (فإنْ فاؤوا ..) على أنّ الرّجُلَ الذي أقْسَمَ على امْرأتِهِ أنْ لا يُجامِعَها، إذا كَفّرَ عن يمينِهِ ورجَعَ إلى امْرأتِهِ قبل انقضاءِ مُدّةِ أربعةِ أشْهُرٍ جازَ له أنْ يُجامِعَها، وكفّارةُ الإيلاء هي كفارةُ اليمين، وذَكَرَها اللهُ تعالى في سورة (المائدة، الآية :89) قال تعالى : “لا يُؤاخِذُكم اللهُ باللّغوِ في أيْمانكم ولكن يُؤاخِذُكم بما عَقَّدْتُم الأيْمانَ فكفّارتُهُ إطعامُ عَشَرَةِ مساكين من أوسَطِ ما تُطْعِمون أهليكم أو كِسْوَتُهم أو تحريرُ رَقَبَةٍ فمَنْ لم يجِدْ فصيامُ ثلاثةِ أيّامٍ ذلك كفارةُ أيْمانِكم إذا حَلَفْتُم واحْفَظوا أيْمانَكم”)
– 227 – وإنْ أرادوا الطلاقَ بعد انقضاءِ المُدّةِ المذكورةِ، وعَقَدوا النيَّةَ عليه فليُوقِعُوهُ على الوَجْهِ المشروعِ دونَ إضرارِ أحَدِهم بمُطَلَّقَتِهِ، لأنّ اللهَ عظيمُ السّمْعِ، يسمعُ ما يقولونَهُ في هذا الأمر، عليمٌ بنيّاتهم وبما عزموا عليه من أفعالهم (يدلّ عطف الآية على ما قبلها على أنّ الذي أقْسَمَ على امْرأتِهِ أنْ لا يُجامِعَها أمامَهُ ثلاثُ وسائل، الأولى : الانتظارُ أربعة أشهر، وبعدها يجوزُ له الرجوع إلى زوجته ومُقاربتها، الثانية : كفّارةُ اليمين المذكورة إذا أرادَ أنْ يرجعَ إلى زوجته قبل انقضاءِ مُدّةِ أربعةِ أشْهُرٍ، الثالثة : الطلاق الذي ذَكَرَتْهُ هذه الآية)
– 228 – والمُطلّقاتُ اللائي لم يكنَّ حواملَ الواجبُ عليهنّ أنْ ينتظِرْنَ بأنْفُسِهِنّ بعدَ الطلاقِ حصولَ حَمْلٍ في أرْحامِهِنَّ أو عَدَمَ حُصولِهِ مُدّةَ ثلاثةِ أطهار (أي : يمْنَعْنَ أنفُسَهن عن الرجال مُدَّةَ ثلاثةِ أطهار، (أي : يَحِضْنَ ثم يَطْهُرْنَ ثلاثةَ أطهار)، وإنْ كُنّ يُؤمِنَّ باللهِ واليومِ الآخر فلا يَحِلُّ لهنّ أنْ يَكْتُمْنَ الحَمْلَ الذي خَلَقَهُ اللهُ في أرحامِهنّ بعدَ طلاقِهنّ استعجالاً في انقضاء العِدّة، (لأنّ فيه ظُلْماً للزوج بنسبة وَلَدِهِ إلى غيره)، وإنْ أرادَ الأزواجُ الإصلاحَ مع زوجاتِهم لا الإضرارَ بهنّ فأزواجُهنّ أحقُّ من غيرِهم بمُراجَعَتِهنّ ورَدِّهنّ إلى رِباط الزوجية في مُدّةِ العِدّة، ولهنّ من الحقوقِ على أزواجهنَّ مثلُ الحُقوقِ التي لأزواجِهِنَّ عليهن حالةَ كونِها حقوقاً تعارفَ عليها الناس، وأدركوها بفطرتِهم، وأقرّتها الشريعةُ، وللرجالِ رُتْبَةٌ على النساء، (وهي حَقُّ الطّلاق، فالطلاقُ من حقِّ الرّجُل، وليس من حقِّ الزّوْجَةِ)، ويُؤكِّدُ أنّ ذلك حُكْمُ اللهِ، وأنّهُ يجبُ الالتزامُ به أنّ اللهَ قادرٌ على كُلِّ شيءٍ، لا يَغْلِبُهُ شيءٌ، ولا يَمْتَنِعُ من قُدْرَتِهِ شيءٌ، مُتْقِنٌ لما شَرَعَهُ لكم من أحكام
– 229 – الطلاقُ الذي سبق ذكره مرّتان، أي : إنْ طَلَّقْتُم النساءَ مَرَّتينِ فلكم في المرّتين أنْ تتعلّقوا بهنّ، وتأخذوهنّ إلى رباطِ الزَّوجيّةِ قبلَ انتهاءِ عِدّتِهِنّ بما تعارفَ عليه الناس، وأقرّهُ الشَّرْعُ من المُعاشرة الزوجية الطيّبة، لا بقَصْدِ الإضرارِ بها، أو لكم في المرّتين أنْ تُرْسِلوهن وتُهْمِلوهُنَّ حتى تَنْقَضِي عدّتُهنَّ مع الإحسانِ إليهنَّ بأداءِ حقوقِهنّ، وعدم الإضرار بهنَّ (يدلُّ المعنى على : أنّهُ إذا طَلّقَ الرَّجُلُ امرأتَهُ في طُهْرٍ لم يَقْرَبْها فيه بجُماعٍ فلهُ في هذه التطليقة أنْ يتعلّقَ بزوجتِهِ بإعادتِها إلى رباط الزوجيّة قبل انتهاءِ عِدّتِها بما تعارف عليه الناس، وأقرّهُ الشَّرْعُ من المُعاشرةِ الزوجيةِ الطيّبةِ، لا بقَصْدِ الإضرارِ بها، أو لهُ أنْ يُرْسِلَها ويُهْمِلَها حتى تنقضي عدّتها، فيُفارقَها مع الإحسانِ إليها بأداءِ حقوقِها، وعدمِ الإضرار بها، وإذا أعادَ الرجلُ زوجتَهُ بعد التطليقة الأولى إلى رباطِ الزوجية، ثم طلّقها تطليقة ثانية في طُهْرٍ لم يَقْرَبْها فيه بجُماعٍ، فلهُ في هذه التطليقة أنْ يتعلّقَ بزوجته بإعادتِها إلى رباط الزوجيّة قبل انتهاءِ عِدّتِها بما تعارف عليه الناس، وأقرّهُ الشَّرْعُ من المُعاشرةِ الزوجيةِ الطيّبةِ، لا بقَصْدِ الإضرارِ بها، أو لهُ أنْ يُرْسِلَها ويُهْمِلَها حتى تنقضي عدّتها، فيُفارقَها مع الإحسانِ إليها بأداءِ حقوقِها، وعدمِ الإضرار بها)، ولا يَحِلُّ لكم – أيُّها الأزواجُ – إذا طلّقتموهنّ أنْ تأخذوا من الذي أعطيتموهُنَّ إيّاهُ من المَهْرِ أو غيرِهِ شيئاً في أيِّ حالٍ من الأحوال إلاّ في حالِ أنْ يَتَوَقَّعَ الزوجُ والزوجةُ أنْ لا يُديما العَمَلَ بأحكامِ الله في العلاقة الزوجيّة التي حَدَّدها بأوامرِهِ ونواهِيهِ بسبب التباغُضِ الكائن بينهما، فإن تَوَقَّعْتُم (الخِطابُ إلى أولياء الزوج وأولياء الزوجة ومَنْ استعَانوا بهم من الحُكماء والعُقلاء) أنْ لا يُديما العَمَلَ بأحكامِ اللهِ في العلاقةِ الزوجيّةِ التي حَدَّدها بأوامرهِ ونواهيه بسبب التباغُضِ الكائن بينهما فلا إثمَ ولا حَرَجَ عليهما في الذي قَدَّمَتْهُ الزوجةُ لزوجِها من مالٍ أو غيرِهِ لتخليصِ نفسها من رباط الزوجيّة، (أي : لا إثمَ ولا حَرَجَ على الزوجةِ أنْ تتنازل للزوج عن المَهْرِ كلِّهِ أو بعضِهِ، مُقابلَ تخليصِ نفسِها من رباط الزوجيّة، ويدلّ المعنى على أنَّهُ لا إثمَ ولا حَرَجَ على الزّوْجِ أنْ يأخُذَ الفِدْيةَ منها)، يُؤكِّد وجوبَ الالتزامِ بما تقدّم من الأحكام أنّ تلك أحكامُ الله في العلاقة الزوجيّة التي حَدَّدها بأوامِرِهِ ونواهيه، فإذا عرفتَم ذلك فلا تتجاوزوها بمُخالَفَتِها، ويُؤكِّدُ ذلك أنَّ أيَّ إنسانٍ يتجاوَزْ أحكامَ اللهِ في العلاقةِ الزوجيّة التي حَدَّدها بأوامِرِهِ ونواهيه فأولئك هم المُتجاوزون حقَّ أزواجِهم، وهم المُتجاوزون حقَّ لى أنفُسِهم عليهم بعدم تعريضهم إيّاها لعقابِ الله
– 230 – فإنْ طلّقَ الرَّجُلُ امرأتَهُ تطليقةً ثالثةً (أي : بعدَ إعادتِهِ إيّاها إلى رباط الزوجية قبل انقضاءِ عِدّتها في التطليقة الثانية) فلا تَحِلُّ له من بعدِ التطليقةِ الثالثةِ حتى تَتَزَوَّجَ زوجاً صفتُهُ أنّهُ غيرُ زوجِها الأوّل بعَقْدٍ ونِكاحٍ ، (أي : لا يحلّ للزوج الذي طلّقَ زوجتَهُ تطليقةً ثالثةً مُراجَعَةَ زوجتِهِ قبلَ انقضاءِ العِدّة، ولا يَحِلُّ لهُ العَقْدُ عليها بعد انتهائها إلى أنْ تتزوج زوجاً غيرَهُ بعقدٍ ونكاحٍ)، فإنْ طَلّقها الزوجُ الآخَرُ فلا إثمَ ولا حَرَجَ على الزوج الأول، ولا عليها أنْ يرجِعَ كُلٌّ منهما إلى حالةِ الزوجية بالعَقْدِ المُوجِبِ حصولَ الرضا والتوافق من الطرفين، بشَرْطِ أنْ يعتقدا إدامةَ العَمَلِ بأحكامِ اللهِ في العلاقة الزوجيّة التي حَدَّدها بأوامِرِهِ ونواهيه، ويُؤكِّدُ وجوبَ الالتزام بما بيَّنّهُ اللهُ لكم من الأحكام أنّ تلكَ أحكامُ الله في العلاقةِ الزوجيّة التي حَدَّدها بأوامِرِهِ حالةَ كونِها يُبَيّنُها لقومٍ صفتهم أنَّهم يعلمون أنّها حقٌّ واجبٌ عليهم من الله
– 231 – وإذا طلقتُم النساءَ تطليقةً واحدةً أو تطليقتين، فقاربْنَ نهايةَ عِدّتهنَّ المُوقّتة بالمُدّة المُعيّنة فلكم في المرّتين أنْ تتعلّقوا بهنّ، وتأخذوهنّ إلى رباطِ الزوجيّة قبلَ انتهاءِ عِدّتِهِنّ بما تعارفَ عليه الناس، وأقرّهُ الشرع من المُعاشرة الزوجية الطيّبة، لا بقَصْدِ الإضرارِ بها، أو لكم في المرّتين أنْ تُرْسِلوهن وتُهْمِلوهُنَّ حتى تنقضي عدّتُهنَّ مع الإحسانِ إليهنَّ بأداءِ حقوقهنّ، وعدم الإضرار بهنَّ (يدلُّ المعنى على أنَّ الاختيارَ بالإمساك او بالتسريحِ بيد الزوج)، ولا تتعلّقوا بهنّ، وتأخذوهنّ إلى رباطِ الزوجيّة لأجْلِ الإضرارِ بهنّ بالتضْييق عليهنِّ وإذلالِهنَّ، لكي تظلموهنَّ (يكونُ ظُلْمُهنّ بحرمانِهنّ من حقوقِهنّ الزوجية، أو بإجبارِهنّ على إعطاءِ الفِدية) – وأيُّ إنسانٍ منكم يفعلْ ذلك فقد ظَلَمَ نفسَهُ بتعريضها لعقاب الله – وأنهاكم عن أنْ تُصَيِّروا أحكامَ الله سُخْرِيَةً واستخفافاً بها بتَرْكِكُم العملَ بها استهزاءً واستخفافاً، واذكروا مِنَّةَ اللهِ وفَضْلَهُ عليكم بتشريعِهِ لكم أحكامَ حياتِكم، واذكروا الذي أنْزَلَهُ اللهُ عليكم حالةَ كونِهِ كتاباً مُشتملاً على الفرائضِ والأحكام والوصايا، وحالةَ كونِهِ إرْشاداتٍ ووصايا ومعارفَ إلهيةً تُهَذّبُ أخلاقَكم، وتعلّمُكم حُسْنَ التصرّف في المُعاملة، وتعلّمُكم المعرفةَ في التصرّف بالأشياء على الوجه المُطابق لما جاء في االكتاب، ذلكم يأمُرُكُم الله به ويُوصيكم بالعَمَلِ به – وخافوا الله في مُخالفة أحكامِهِ وتشريعاتِهِ وإرشاداتِهِ، واحفظوا أنفسكم من عقابِهِ، واعلموا أنّ اللهَ عليمٌ بكلّ شيءٍ، فلا تفعلوا شيئاً مُخالفاً لأحكامِهِ وتشريعاته، فتتعَرَّضوا لعقابه
– 232 – وإذا طلقتم النساءَ تطليقةً واحدةً أو تطليقتين، فقاربْنَ نهايةَ عِدّتهنَّ بعد استيفائِهنّ المُدّةَ المُعيّنةَ في عِدّة المُطلّقة فلا تَمْنعوهُنّ أنتُم أو أولياؤهنّ أنْ يَتَزَوْجْنَ قُرَناءَهُنَّ من الرِّجالِ بعد انتهاءِ عِدّتهنّ إذا تَوافَقَ الأزواجُ والزوجاتُ على الزواجِ، وعلى أمورِ الحياة الزوجية بما تعارفَ عليه الناس وأقرّتْهُ الشريعةُ، ذلك الذي تقدّمَ من الأحكامُ في العلاقةِ الزوجية يأمُرُ اللهُ به الذي وُجِدَ منكم حالةَ كونِهِ يُؤْمِنُ باللهِ وباليومِ الآخر، ويُوصيه بالعَمَلِ به (يدلُّ المعنى على أنَّ الذي يُؤمِنُ بأنّ اللهَ حكيمٌ لا يصدرُ منه تشريعٌ إلا في صالحِ النّاس، ويُؤمِنُ باليوم الآخر الذي يعودُ فيه إلى الله ليُحاسِبَهُ على ما فَعَلَهُ من الالتزام بأحكامِهِ، أو مخالفتها هو الذي يمتثلُ لما أمَرَهُ اللهُ به، وما نهاهُ عنه، وينتفع بأحكامِهِ وإرشاداتِه)، ذلكم الحُكْمُ بالنَّهْي عن مَنْعِ المُطلّقات أنْ يَتَزَوْجْنَ قُرَناءَهُنَّ من الرجال بعد انتهاءِ عِدّتهنّ أصْلَحُ لكم، وانْقى لنفوسِكم، ويُؤكِّدُ وجوبَ الالتزام بأحكامِ اللهِ أنّ اللهَ يعلمُ ما يُصْلِحُكم ويُسْعِدُكم في الدنيا والآخرة، وأنّكم لا تعلمون ذلك (ضَمِنَ اللهُ حقوقَ النساءِ في الآيتين السابقتين في مسألةِ الطلاق، ويدلّ المعنى على أنَّ الحاكمَ المسؤولَ عن تطبيقِ الشريعةِ عليه أنْ يَضْمَنَ حقوقَ المُطلّقاتِ بما بيّنَهُ اللهُ في الآيتين، ولم يَضْمَنْ أيُّ قانونٍ من القوانين الوَضْعية في العالم حقوقَ المُطلّقات كما ضمنَهُ اللهُ في القرآن)
– 233 – وممّا يتفرَّعُ عن أحكامِ الطلاق إرضاعُ الأولاد، الوالداتُ المُطلّقاتُ يُرضِعْنَ أولادَهن عامين كاملين (أرْبعاً وعشرين شهراً)، لأجْل الذي أرادَ إكمالَ الرَّضاعةِ (وهو الذي وُلِدَ له الوَلَد، ويدلُّ المعنى على أنَّ الذي وُلِدَ له الوَلَد إنْ لم يُرِدْ إكمالَ الرَّضاعة عامين كاملين فليس من حقّ الوالدة إكمالَ رضاعَتِهِ عامين كاملين، كما لا يدلُّ المعنى على أنّ الرّضاعَ غيرُ واجب مُستحقّ على الأم كما ذهبَ إلى ذلك بعضُ المُفسّرين، لأنّ هذا الحُكمَ خاصٌّ بالوالدات المُطلّقات، أمّا الوالداتُ اللاتي في عصمةِ الزّوج فالرّضاعُ واجبٌ مُستحقّ عليهنّ، لأنّهُ جزءٌ من وظيفةِ الأمومة)، وعلى الذي وَلَدَتْ مُطلَّقَتُهُ له الولَدَ (أي : يجبُ عليه) رزقُهُنّ بتوفير ما يُنْتَفَعُ به من الطعام والشراب حالةَ كونِهِ مُتعارَفاً بينَ الناس، وعليه كسوتهنّ (أي : يجبُ عليه) بتوفيرِ ما تلبَسُهُ النساءُ من الثياب وغيرها حالةَ كونِهِ مُتعارَفاً بينَ الناس، لا يُكَلِّفُ المولودُ له الوالدةَ إلّا أمْراً قَدَرَ طاقتها وقُدْرَتَها، ولا تُكَلِّفُ الوالدةُ المولودَ له إلّا أمْراً قَدَرَ طاقته وقُدْرَتَه (أي : لا يَفْرُضُ المولودُ له أمْراً ذا مَشَقّةٍ على الوالدةِ إلا قَدَرَ طاقتها وقُدْرَتِها ولا تَفْرُضُ الوالدةُ أمْراً ذا مَشَقَّةٍ على المولود له إلا قَدَرَ طاقتِهِ وقُدْرَتِه)، أي : لا يُلْحِقْ مولودٌ له مكروهاً أو أذىً بوالدةٍ بسبب وَلَدِها، ولا تُلْحِقْ والدةٌ مكروهاً أو أذىً بمولودٍ له بسبب وَلَدِهِ (يدلُّ المعنى على النّهي عن أنْ يَحْرِمَ المولودُ له والدةَ الوَلَد من وَلَدِها بأخْذِهِ منها، ويَحْرمَها من حضانتِهِ وإرْضاعِهِ، فيُسَبّبُ لها الأذى، وعن أنْ تَحْرِمَ والدةُ الوَلَدِ المولودَ له، بأخْذِهِ منه، وحِرْمانِهِ من رُؤيتِهِ ومُلاعبتِهِ، وهذا النّهْيُ يدلّ على التحريم)، وعلى الوارثِ (أي : يجبُ عليه) الذي يَرِثُ المولودَ له إذا ماتَ مِثْلُ ذلك الحكم (أي : يجبُ على الوارِثِ رِزْقُ الوالدةِ مُطلّقةِ الذي وَرِثَهُ بعد موتِهِ بتوفير ما يُنْتَفَعُ به من الطعام والشراب حالةَ كونِهِ مُتعارَفاً بينَ الناس، ويجبُ عليه كسوتُها بتوفير ما تلبَسُهُ النساء من الثياب وغيرها حالةَ كونِهِ مُتعارَفاً بينَ الناس مُدّةَ الرّضاعة)، فإنْ أرادَ المولودُ له، ووالدةُ الوَلَدِ (أو الوارثُ ووالدةُ الولَدِ) فِطاماً كائناً عن توافقِ وتشاوُرٍ بينهما في أمْرِ فِطام الولَدِ قبلَ عامين فلا حَرَجَ عليهما ولا إثْمَ في ذلك، وإنْ أردتم أنْ تطلبوا مُرْضِعَةً أجْنبيّةً لأولادِكم فلا حَرَجَ عليكم ولا إثْمَ بشَرْطِ أنْ تُوصِلوا إلى المُرضعاتِ الذي توافَقْتُم معهنَّ عليه من الرِّزْقِ والكُسْوَةِ حالةَ كونِهِ مُتعارَفاً بينَ الناس، وخافوا اللهَ في مُخالفَةِ أحكامِهِ وتشريعاتِهِ وإرشاداتِهِ، واحفظوا أنفسَكم من عقابِهِ، واعْلَمُوا أنّ اللهَ عليمٌ بالذي تَعْمَلونَهُ، كَمَنْ يُبْصِرُ الشيءَ من جميعِ جهاتِهِ فيُحيطُ به علماً، فلا تفعلوا شيئاً مُخالفاً لأحكامِهِ وتشريعاتِهِ، فتتعَرَّضوا لعقابه .
د . عبد الكريم الزبيدي
Image by Mücahit Yıldız from Pixabay