نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ ٢٤٣ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٢٤٤ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٢٤٥
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 243 – ألم يَصِلْ عِلْمُكَ – أيُّها الرسولُ – إلى قِصّةِ الذين خَرَجُوا من بُيوتِهم حالةَ كونِهم ألوفاً، لأجْلِ أنْ يَحْذَروا الموتَ، فقال لهم اللهُ : موتوا، فماتوا، ثم أحياهم، فتَعْجَبُ ممّا جرى لهم ؟ إنّ اللهَ صاحبُ فَضْلٍ على النّاسِ بتفضُّلِهِ عليهم بالحياةِ، ولكنَّ أكثرَ الناس لا يشكرون فَضْلَهُ ؟ (يدلُّ معنى الاستفهام على معنى : بلى، نُعْلِمُك بقصّتِهم، لكي تتفكّروا فيها، فتعلموا أنّ الموتَ والحياةَ بيدِ اللهِ، وأنّ الأمّةَ التي تَخْشَى الموتَ حين تتعرَّضُ إلى هجومِ الأعداء، فتُخْلِي ديارَها وأموالَها لهم هي أُمّةٌ قد كَتَبَ اللهُ عليها الموتَ بإذلالِ الأعداءِ لها، ونَهْبِ أموالِها وخيراتِها، وأنّ الأمةَ التي تُقاتلُ دفاعاً عن حَقّها ونَفْسِها وخيراتِها أمّةٌ قد كتب الله لها الحياة، ويدلُّ معنى الآية على أنّ اللهَ تعالى يحكي للرسول (ص) ولأمّتِهِ قِصَّةَ قومٍ هجروا ديارَهم، وأخلوها للذين هاجموهم خوفاً من الموت، فأماتَهم اللهُ بطاعونٍ أو غَرَقٍ أو بغيرِ ذلك من أسباب الموت، ثمَّ أحياهم ليعلموا أنّ الذي كتَبَ اللهُ عليه الموتَ بسَبَبٍ من الأسباب يموتُ حَتْمَاً، وأنّ الذي كتَبَ له الحياةَ يَحْيَى حَتْمَاً وإنْ أحاطتْ به أسبابُ الموتِ، وليعلموا أنّ خروجهم من ديارِهم بمنزلةِ كونِهم ميّتين وإنْ كانوا أحياءً، وأنّ بقاءَهم في ديارِهم، ودفاعَهم عن أنفُسِهم وديارِهم وأبنائِهم ونسائهم يعني كونَهم قوماً صنعوا الحياةَ لأبنائِهم ونسائِهم وإنْ ماتَ عددٌ منهم، وقَصَصُ القرآنِ أخبارٌ يُخبرُنا اللهُ بها لنأخُذَ منها العِبْرَةَ، وأخبارُ القرآن كُلُّها حقيقيّةٌ)
– 244 – وآمُرُكم – أيها المُؤمنون – بأنْ تُقاتلوا الذين يُقاتلونَكم لأجْلِ دينِ اللهِ الذي أرْسَلَ بهِ رسولَهُ مُحَمَّداً، ودعاكم إليه، واعلموا أنّ اللهَ سميعٌ، يسْمَعُ كُلَّ قولٍ تقولونَهُ، عليمٌ، يعلَمُ ما في نفوسِكم من النيّات، (يدلُّ ارتباطُ الآيةِ بما قبلها على معنى الأمْرِ بقتالِ الذين يُقاتلونَ المُسلمين ليحتَلُّوا ديارَهم، وينهبوا أموالَهم وثرواتِهم، ويُذِلّوا نساءَهم وأبناءَهم، ليكونوا أمّةً حيّةً، ويُورِثوا الحياةَ لأبنائهم ولأجيالهم، فلا يحذروا الموتَ في سبيل الله)
– 245 – أيُّ إنسانٍ هذا، أي : الذي يُعْطِي اللهَ نفْسَهُ خالصاً لوَجْهِ الله ليَلْتَمِسَ مِنْهُ الجزاءَ على ذلك يومَ القيامة ؟ إنَّهُ إنسانٌ ممدوحٌ عندَ الله، وأيُّ إنسانٍ هذا، أي : الذي يُعْطِي اللهَ مالَهُ خالصاً لوَجْهِ اللهِ ليَلْتَمِسَ منه الجزاءَ على ذلك يومَ القيامة ؟ إنَّهُ إنسانٌ ممدوحٌ عندَ الله، فبسَبَبِ ذلك يجعلُ اللهُ لهُ جزاءَ ماأعطاهُ اللهَ أمثالاً كثيرةً من الجزاء، واللهُ يَمْلِكُ أرواحَ خَلْقِهِ وأموالَهم، فهو يَقْبِضُ أرواحَهم، ويأخُذَها إليه متى شاء، ويُضيِّقُ الرّزْقَ عليهم متى شاء، ويُكَثِّرُ الرِّزْقَ ويُوَسِّعُهُ عليهم متى شاء، وإليه وَحْدَهُ تُرجَعون يوم القيامة للحساب والجزاء، (يدلُّ معنى الآية وارتباطها بسياقِ ما قبلها على أنّ الإنسانَ الممدوحَ عندَ الله هو الذي يستجيبُ لأمْرِ اللهِ بقتالِ الذينِ يُقاتلونَ المُسلمين ليحتَلُّوا ديارَهم، وينهبُوا أموالَهم وثرواتِهم، ويُذِلّوا نساءَهم وأبناءَهم، فيُعطي نفسَهُ خالصاً لوَجْهِ الله للدفاعِ عن دينِ اللهِ وعن ديارِهِ وأموالِ المسلمين، وعن نسائِهِ وأبنائِهِ، ليَلْتَمِسَ منه الجزاءَ على ذلك يومَ القيامة، أويُعْطِي اللهَ مالَهُ خالصاً لوَجْهِ الله لتجهيزِ المؤمنين المُقاتلينَ، وتوفيرِ العدّة وأسباب القوة لهم، ليَلْتَمِسَ منه الجزاءَ على ذلك يومَ القيامة، ويدلُّ المعنى على أنَّ أرواحَ المُؤمنين وأموالَهم مُلْكٌ لله، ولكنّ اللهَ يُعامِلُ مَنْ يُقدِّمُها لأجْلِهِ مُعاملةَ مَنْ يَمْلِكُ روحَهُ ومالَهُ، فيُعطيهما اللهَ ليَلْتَمِسَ منه الجزاءَ على ذلك يومَ القيامة) .
Photo credit: © by Safa Kadhim