نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ ٤٢ فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٤٣ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ ٤٤ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٥
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 42 – وأُقْسِمُ على سبيل التوكيد لقد أرْسَلْنا رُسُلاً إلى أمَمٍ مَضَتْ من قبلِكَ فدَعَوْهُم إلى توحيدِ اللهِ وإخلاصِ العِبادةِ له، فأعْرَضُوا عن دعْوَةِ الحَقّ، فعاقبناهم بالفَقْرِ والمَجاعاتِ وأنواعِ الأمْراضِ، وأنواعِ الشّدائِدِ، لكي يَخْضَعُوا للهِ ويَخْشَوْهُ، ويَسْتَجِيبُوا لدعوةِ الرُّسُلِ، وهذا هو المطلوب منهم (يدلّ المعنى على أنّ الفقرَ والمجاعاتِ والأمراضَ والشَّدائِدَ والبلايا التي تُصيب النّاس هي لَفْتُ نَظَرٍ لهم إلى أنَّ ما أصابَهم كائنٌ بسَبَبِ شِرْكِهم بالله، أو عِصْيانِ أحكامِهِ وأوامِرِهِ ونواهيه، لكي يَتَفَكَّروا في ذلك، فيعرفوا سببَ ما أصابَهم، فيدعوا اللهَ لكَشْفِ الضُّرِّ عنهم، فيعودوا إلى طاعَتِهِ، والخُضُوعِ لَهُ، والخَشْيَةِ من عِقابِهِ)
– 43 – فهلاّ خَضَعُوا للهِ وخافُوهُ وتَذَلَّلُوا إليه حين جاءَهم عذابُنا الشديدُ بالفقرِ والمجاعاتِ وأنواعِ الأمراضِ، وأنواع الشَّدائِدِ، فاسْتجابُوا لرُسُلِهم، وآمَنُوا باللهِ إلهاً واحِداً، وأخْلَصُوا له العِبادة، ولكنْ اشْتَدَّتْ قلوبُهم وصَلُبَتْ فذَهَبَتْ منها الرَّحْمَةُ واللِّينُ والخُشوعُ (أي : لم يُخَوِّفْهم تحذيرُ اللهِ إيّاهم بتوجيهِ عذابِهِ إليهم بالفقرِ والمجاعاتِ وأنواعِ الأمراضِ، وأنواعِ الشَّدائِدِ بسَبَبِ قَسْوَةِ قلوبِهم)، وحَسَّنَ الشيطانُ في أنْفُسِهم عَمَلَهم الذي كانوا يعملونَهُ من الشِّرْكِ بالله، وعِصيانِ أحكامِهِ وأوامِرِهِ ونواهيه، وتكذيبِ رُسُلِهِ (الشيطانُ : كُلُّ مُتَمَرِّدٍ مُفْسِدٍ مُغْوٍ، سواءٌ أكانَ من الجِنِّ أم الإنس، وتزيينُ الشيطانِ عَمَلَهم لهم هو جَعْلُهم يَعْتَقِدُون أنّ ما يفعلونَهُ هو الصَّحيحُ، وأنّ ما يفعلُهُ المُؤمنونَ باللهِ هو الخَطَأ)
– 44 – وبسَبَبِ قساوةِ قلوبِهم تَرَكُوا على عَمْدٍ ما وُعِظوا به، وأُمِرُوا به، فلمّا تَرَكُوا على عَمْدٍ ما وَعَظَهم به رُسُلُهم، وذَكّروهم به، ولم يَخْضَعُوا ولم يخافوا ويَتَذَلَّلوا حين جاءَهم عذابُنا الشديدُ بالفقرِ والمجاعاتِ وأنواعِ الأمراضِ، وأنواعِ الشَّدائِدِ أعطيناهم كُلَّ شيءٍ من النِّعَمِ والمَلذّاتِ التي يتنافَسُ النّاسُ على الحصول عليها، كما لو كانت تلك النِّعَمُ والمَلَذّاتُ مَحْبُوسَةً في خزائنَ لهاَ أبوابٌ مُغْلَقة، ففَتَحْنا جميعَ أبوابِ تلك الخزائنِ عليهم، فلم نُبْقِ نِعْمَةً في الدُّنيا إلا أعطيناهم إيّاها وفَرِحوا بما أعْطَيْناهم، وإذا فَرِحوا بما أعْطَيْناهم، واطْمَأنّوا إلى الدُّنيا عاقَبْناهُم بإحلالِ العذابِ بهم حالةَ كونِنا مُفاجئين لهم بهذا العذاب، فالمُفاجأةُ هم آيسونَ من النجاة (يدلّ معنى الآية وما قبلها على أنّ اللهَ يُحَذِّرُ الذين يُشركون به، أو يَعْصُونَ أحكامَهُ وأوامرَهُ ونواهيه بابْتِلائهم بالفَقْرِ والمجاعاتِ والأمراضِ والشّدائدِ والبلايا أولاً، فإنْ لم يَخْضَعُوا، ولم يخافوا ويَتَذَلَّلوا، ولم يعودوا إلى طاعتِهِ، والخضوعِ له، والخَشْيَةِ من عقابِهِ اسْتَدْرَجَهم اللهُ بإعْطائِهم أنواعَ النِّعَم، ثمّ يُفاجِئُهم اللهُ بإنزالِ عذابِهِ عليهم)
– 45 – فأهْلَكَ اللهُ القومَ الذين تجاوزوا دعوةَ رُسُلِهم إيّاهم إلى توحيدِ اللهِ وإخلاصِ العبادةِ له، وأصَرّوا على الإشراكِ به، فلم يُبْقِ منهم عيناً ولا أثراً، والمَجْدُ والعظمةُ ثابتان للهِ الموصوف بأنَّهُ ربُّ العالمين جميعاً .