نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ ٥ يُجَٰدِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ ٦ وَإِذۡ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّآئِفَتَيۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٧ لِيُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَيُبۡطِلَ ٱلۡبَٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٨ إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ ٩ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ١٠ إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ ١١ إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانٖ ١٢ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ١٣ ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ ١٤
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 5 – أخْرَجَكَ ربُّكَ من بيتِكَ إلى بَدْرٍ بالصِّدْقِ المُطابقِ للمَصْلَحَةِ التي يَعْلَمُها ربُّكَ إخراجاً مِثْلَ الإخْراجِ الذي أخْرَجَكَ به من بيتِكَ في مَكّةَ إلى المدينةِ، (يدلُّ المعنى على أنَّهُ ليس في إخراجِك وإخراجِ المُؤمنين إلى بَدْرٍ أيُّ فسادٍ لا يُحقّق المَصْلَحَةَ من هذا الإخراج)، ويُؤكِّدُ أنَّ ربّكَ هو الذي أخرَجَكَ من بيتِكَ وأخرجَ المُؤمنين من بيوتِهم إلى بَدْرٍ انَّ جماعةً من المُؤمنين كارهون الخُروجَ إلى مُلاقاةِ قريش، لما يَعْلَمُونَهُ من قِلّةِ العُدَّة والعَدَدِ في المُسلمين وكَثْرَةِ قُريش وبَأْسِهم وشُهْرَتِهم في القتالِ
– 6 – وحالُهم أنّهم يُناقِشونَك في الحَقّ الذي هو أمْرُ اللهِ لهم بالخُروجِ إلى مُلاقاةِ قُريش بعد تَبْيِينِ اللهِ لهم أنّهُ أمْرٌ صِدْقٌ مُطابقٌ للمَصْلَحَةِ التي يَعْلَمُها، وحالُهم حين يُناقشونَك أنّهم يُشْبِهونَ حالَ قومٍ شَرَعُوا في نَزْعِ الرُّوحِ حالةَ كونِهم يَنْظُرُونَ إلى أسبابِ الموتِ التي اقْتَرَبَتْ منهم
– 7 – واذكروا حين مَنَّاكُم اللهُ بإحدَى الطائفتين، إي : أنّ إحدى الطائفتين تصيرُ لكم، (الطائفةُ الأولى عِيرُ قُرَيش، أي : قافِلَتُهم المُحمّلةُ بالطَّعامِ وأنواعِ التِّجارةِ منّاهم بالاستيلاء عليها، والطائفةُ الثانيةُ جماعةُ قُريش القادمونَ إلى بدر منّاهم بغَلَبَتِهم عليهم بالقتل والأسْر)، وحالكم أنّكم تَتَمَنَّونَ أنَّ غيرَ جماعةِ قُريش صاحبةِ القُوَّةِ والبأسِ القادمين إلى بدرٍ تصيرُ لكم، لِما تَعْلَمُونَهُ من قُوّةِ قريش وشدّةِ بَأْسِهم وشُهْرَتِهم في القتال (أي : تُحبّون أنَّ قافلةَ قريش المُحمّلةَ بالطعامِ ووأنواعِ التِّجارَةِ تصيرُ لكم)، وواقعُ الحالِ أنّ اللهَ يُريدُ أنْ يُثَبِّتَ الحقَّ الذي لا شكَّ فيه (وهو دينُ الإسلام) ويُظْهِرَهُ بكلماتِهِ التي قضى فيها أنْ يجعلَ الإسلامَ ظاهراً، ويُريدُ أنْ يُفْنِيَ الكافرين ويستأصِلَهم عن آخرهم (يَدُلّ المعنى على أنّ معركةَ بَدْرٍ التي أرادَ اللهُ حُصُولَها كانتْ بدايةَ تحقيقِ إرادةِ اللهِ في جَعْلِ الإسلام ظاهراً على الأديانِ كُلّها، واستئصالِ شَأْفَةِ الكُفْر، ويدلّ الفِعْل المُضارع (يُريدُ) على أنَّ إرادتَهُ تعالى بإحقاقِ الحَقّ وإفْناءِ الكافرين مُستمرّةٌ ما دامت الدّنيا)
– 8 – قَضى اللهُ أنْ يُفنِيَ الكافرين ويَسْتأصِلَهم لكي يُثبِّتَ الحَقَّ، ويُظْهِرَهُ، ويُبْطِلَ الباطلَ، ويُؤكِّدُ أنّ هذا حاصِلٌ أنّهُ لو كَرِهَ المُجرمون الذين ارْتَكَبُوا جريمةَ الشِّرْكِ بالله وجحودَ نُبُوّةِ الرسولِ مُحمّدٍ والقرآنِ الذي انْزَلَهُ اللهُ إليه أنْ يَثْبُتَ دينُ الإسلام في الأرضِ ويَظْهَرَ على الأديان لَثَبَّتَهُ الله وأظْهَرَهُ (يُمكن أنْ نستنتِجَ من هذا المعنى أنّهُ حينَ يأتي الوقتُ الذي يُثبِّتُ اللهُ فيه الحقَّ في الأرضِ، ويُظْهِرَهُ، ويُبْطِلَ الباطلَ فإنّهُ تعالى سيُسَبِّبُ الأسبابَ لتدميرِ القوّة المُتكبّرة التي يخضَعُ جميعُ العالم لسُلطانها وكبريائِها، كي يُثبِّتَ الحقَّ، ويُظْهِرَهُ، ويُبْطِلَ الباطلَ الذي ترعاهُ هذه القوّة، وتُسْنِدُهُ)
– 9 – اذكروا حين كنتم تَسْتَنْصِرونَ ربَّكُم، وتَسْتَعِينُونَ به على أعدائِكم يومَ بَدْرٍ برَفْعِ أيديكم والتّضَرُّعِ إليه، ليكشفَ عنكم ما فيكم من الضُّرِّ والضَّعْفِ، فاسْتَجابَ لكم ربُّكم بقبولِ دُعائكم بأنّي مُقوِّيكم ومُعينُكم بألفِ مُقاتلٍ كائنين من الملائكةِ حالة كونهم مُتْبِعَاً بعضُهم بعضاً
– 10 – وما صَنَعَ اللهُ الإمدادَ بالملائكةِ وفَعَلَهُ إلا لأجْلِ البِشارةِ لكم بالنّصْرِ على أعدائِكم، ولأجْلِ أنْ تَسْكُنَ قلوبُكم بعدَ الهَلَعِ والخَوْفِ، ولا تَقْلَق (يَدُلُّ المعنى على أنَّ اللهَ تعالى قد أنْزلَ ألفَ مُقاتلٍ من الملائكة فِعْلاً، لأجْلِ أنْ يكونوا سبباً للنّصْرِ، وذَكَرَ من أسباب النصْرِ : بشارةَ المُقاتلين بالنصّر، وسَكَنَ القلوب وزوالَ الخوفِ والهَلَعَ والقَلَق)، وواقعُ الحالِ ما النّصْرُ إلا من عِنْدِ الله، فاللهُ وَحْدَهُ يَمْلِكُ أسْبابَ النّصْرِ، لأنّ اللهَ قويٌّ قادِرٌ على كلّ شيء، لا يَغْلِبُهُ أحَدٌ، ولا يَمْنَعُهُ أحَدٌ من تحقيق إرادتِهِ، حكيمٌ مُتقنٌ لأفعالِهِ
– 11 – واذكروا حينَ جَعَلَ اللهُ النّعاسَ يَهْبِطُ عليكم، ويشْتَمِلُ عليكم، لأجْلِ الاطْمِئنانِ الذي يَزُولُ به الخوفُ بسَبَبِ النُّعاسِ، فتَسْتَسْلِمُوا له غيرَ مُكترثين بكثرةِ عَدوّكم وقُوّةِ سلاحِهم، واذكروا حينَ يُنَزِّلُ اللهُ عليكم من السّماءِ ماءَ المَطَرِ، لكي يُزيلَ عنكم به الوَسَخَ المادّي الذي لَحِقَ بأبْدانكم بسبب النوم على الأرض، ويُزيلَ عن قلوبِكم به الخوفَ والقَلَقَ وحُبَّ الدّنيا، ولكي يُزيلَ عنكم وَسْوَسَةَ الشيطانِ وتخويفَهُ إيّاكم (وهو حديثُ النَّفْسِ الذي يُلقي الشّيطانُ فِكْرَتَهُ في النّفْسِ، فتَبْدأُ النّفْسُ تُحَدِّثُ صاحِبها، وتُخَيِّلُ لها ما سيَحْدُثُ لهُ)، ولكي يُلْهِمَكم اللهُ بهِ الصَّبْرَ والثّقَةَ بالنّصْرِ، ويُقوّيَ قلوبكم ويُثَبِّتَها في مواجهةِ أعدائِكم، ولكي يُثَبِّتَ به أقدامَكم في أرضِ المعرَكةِ، فَتَقْوَى بذلكَ عزائمُكم في مُواجهةِ عَدوّكم (يدلُّ المعنى على أنَّ اللهَ تعالى قد هَيَّأَ أسبابَ النصر للمسلمين في بَدْر، فكانَ النّعاسُ ونزولُ ماءِ المطرِ سَبَباً من تلك الأسباب، ويَدُلّ المعنى على أنّ ماءَ المطرِ كان مُلْهماً لهم بأنّهُ علامةٌ من اللهِ لهم بنَصْرِهم على أعدائِهم)
– 12 – واذكروا حينَ أعْلَمَ ربُّكَ الملائكةَ بطريقةٍ لا يَعْرِفُها غيرُهم بأنّي مَعَكم في المَعونَةِ والنُّصْرَةِ على الكافرين، فإذا عَلِمْتُم ذلك فثبّتوا المُؤمنين بما أعطيتُكم من قُدُراتٍ، يُؤكِّد كوني مَعَكُم أنّي سأقْذِفُ في قلوبِ الكافرين الخَوْفَ والفَزَعَ، فإذا بَدَأت المعركةُ فأفْسِدُوا عقولَ الكافرين بخَلْطِ الأمورِ عليهم، ومَنْعِهم من القُدرةِ على تقدير الأمور، وأمْسكوا منهم أيديَهم التي تقبضُ على السلاح بمَنْعِها عن القُدْرَةِ في إمساك السُّيوفِ والرِّماحِ وأدواتِ القتال الأخرى (يَدُلُّ المَعنى على أنّ دَوْرَ الملائكة المُنزَلين كان كما تقدّم ذِكْرُهُ، فلم تُشارِكْ الملائكةُ في قَتْلِ المُشركين)
– 13 – ذلك الأمْرُ الذي أمَرَ اللهُ االملائكةَ به كائنٌ بسَبَبِ كونِ المُشركين من قُرَيش عادوا اللهَ ورسولَهُ، وخالفوهما وحاربوهما، وأيُّ إنسانٍ يُخالفْ اللهَ ورسولَهُ ويُعادِهما ويُحاربْهما يُعاقبْهُ اللهُ، لأنَّ اللهَ شديدُ العقاب
– 14 – ذلكم العِقابُ بالقَتْلِ والأسْرِ تَسْتَحِقّونَهُ، فقاسُوا مرارَتَهُ في الدنيا، وقَضاءُ ربِّك في الآخرةِ أنّ للكافرين عذابَ النّار (يدلُّ النَّظْمُ على أنّ هذه الآية نزلَتْ بعد انتصارِ المُسلمين على المُشركين في معركة بَدْر) .