نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ٥٥ ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ ٥٦ فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ ٥٧ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ ٥٨ وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ ٥٩ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ ٦٠ ۞ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٦١ وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٢ وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٦٣ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٤
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 55 – إنّ أكثرَ الدَّوابِّ شَرَّاً (أي : ما يَدُبُّ على الأرضِ من النّاسِ) في حُكْمِ اللهِ وقضائِهِ الذين جَحَدوا نُبُوّةَ رسولِ اللهِ مُحَمّدٍ، والقرآنَ الذي أنْزَلَهُ اللهُ إليه من أحبارِ اليهودِ وعُلمائِهم ورُؤسائِهم، فهم لا يُصَدِّقونَ بأنّهُ رسولُ اللهِ، ولا يُصَدِّقونَ بالقرآنَ الذي أنْزَلَهُ اللهُ إليه مَعَ وُضُوحِ الحُجَجِ والدِّلالاتِ عندَهُم على أنّهُ الرسولُ الذي بَشَّرَ به أنبياؤهم
– 56 – أي : الذينَ أخَذْتَ من بعْضِهم عَهْداً، (يَدُلُّ المعنى على أنَّ المُرادَ بهم اليهودُ الموجودون في المدينة، أخَذَ النبيُّ (ص) من عُلمائهم وأحبارِهم ومن رؤسائهم عَهْداً بأنْ لا يَضُرّوا المُسلمين، وأنْ لا يتحالَفُوا مع الكُفّارِ عليهم)، ثم ينكثونَ عهدَهم في كُلِّ مَرّةٍ، وحالُهم أنّهم لا يخافونَ عقابَ الله (عاهَدَ الرسولُ (ص) يهودَ بني النضير، فنَقَضُوا عهدَهم مَعَهُ، وعاهَدَ يهودَ بني قَيْنُقاع، فنَقَضُوا العَهْدَ مَعَهُ، وعاهَدَ يهودَ بني قُرَيظَةَ، فنَقَضُوا العَهْدَ مَعَهُ)
– 57 – فأُؤَكّْدُ عليك إنْ تُدْرِكْ بعضَهُم، وتَظْفَرْ بهم في الحَرْبِ فَشَرِّدْ بهم الذين يأتونَ بَعْدَهم (أي : إنْ تُدْرِكْ جماعةً منهم، وتَظْفَرْ بهم في الحَرْبِ ففَرِّقْهُم بقوّةٍ وقَسْوَةٍ بأسْرِهم وقَتْلِ بعضِهم، لكي تخافَ الجماعةُ الذين يأتونَ بعْدَهم، فلا يُقاتلوكُم)، لكي يَتَّعِظَ الآخرون من اليهودِ الموجودين في المدينة بما فَعَلْتُم ببعضِهم، فيخافوكم، ولا يَنْقُضُوا عَهْدَهم معكم، ولا يتحالفوا مع عدوِّكم
– 58 – وأُؤَكِّدُ عليك إنْ تَخَفْ من جماعةٍ منهم غَدْراً فأعْلِمْهم بأنَّكَ طَرَحْتَ عَهْدَهم مَعَك، ونَقَضْتَهُ حالةَ كونِكَ وكونِهم متساوِينَ في العِلْمِ بنَقْضِ العَهْدِ، ولا تَبْدَأْهم بقتالٍ قبلَ أنْ تُعلِمَهم بنَقْضِ العهد، فيَنْسُبُوكَ إلى الغَدْرِ والخيانَةِ، لأنّ اللهَ لا يُحبّ الخائنين (تُعَدُّ هذه الآية أساساً للمُشَرِّع الإسلامي في استنباط أحكامِ علاقاتِ الدولة الإسلامية بغيرِها من الدُّولِ الأخرى)
– 59 – وأنْهى الذين جَحَدوا نُبُوّةَ رسولِ اللهِ مُحَمّدٍ، والقرآنَ الذي أنْزَلَهُ اللهُ إليه من اليهودِ والمُشركينَ نَهْياً مُؤَكَّداً عن أنْ يَظُنُّوا أنْفُسَهم فاتونا في أمْرِنا بتمكينِكَ منهم، ونَصْرِكَ عليهم، لأنّهم لا يفوتونَنا
– 60 – وهيِّئوا وجَهِّزوا لأعدائِكم كُلَّ شيءٍ صِفَتُهُ أنّكم تَقْدِرون على إعدادِهِ وتهيئتِهِ حالةَ كونِهِ من مُسْتَلْزَماتِ القُوَّةِ، مِثْلَ جميعِ أنواع السّلاح والعَتادِ، وجميعِ أنواعِ الإعدادِ البَدَنِي والنَّفْسِي، وحالةَ كونِهِ من الخيلِ المُهيّأةِ في مرابِطِها، أو جميعِ أنواعِ الآلات التي يَرْكَبُها الجُنْدُ لقتالِ أعدائهم، وابْذُلُوا في إعدادِهِ جهدَكم الذي تستطيعون عليه، لأنَّكم تُخوِّفون به أعداءَ اللهِ وأعداءَكم تخويفاً يَرْدَعُهم عن التفكير بالتَّعَرُّضِ إليكم بغزوٍ أو أيِّ نوعٍ من أنواعِ الضّرَرِ، وتُخوّفون به آخرين صفتُهم أنَّهم كائنون من غيرِ أعدائِكم المعروفين المُعْتادِينَ، صِفَتُهم أيضاً أنّكُم لا تَعْرِفُونَهم، لأنّهم لم يُظْهِروا أنْفُسَهم لكم بالعَداوةِ، ولكنَّهم يُضْمِرونَ العداوةَ لكم، ويتحيّنون الفُرَصَ للنَّيْلِ منكم – أُؤكِّد لكم أنّ اللهَ يعرِفُهُم – وأيَّ نفقةٍ تُنفقوا في القتالِ من أجلِ الدِّفاعِ عن مُجْتَمَعِكم المُسلم، وعن دينِ اللهِ حالةَ كونِها شيئاً تَقْدِرُونَ عليه يُعْطِكُمُ اللهُ جزاءَهُ وافياً في الدُّنيا بحِفْظِ أولادِكم وأهليكم، وحِفْظِ مصالحِ مُجْتَمَعِكم وثرواتِهِ من أعدائِكم، وفي الآخرةِ بإدخالِكم جنّاتِ النّعيم خالدين فيها، وحالُكُم أنّ اللهَ لا يَظْلِمُكم شيئاً ممّا قدّمْتُموهُ في الدنيا والآخرة (تُعَدُّ هذه الآية أكمل قانون في الدِّفاعِ عن المجتمع المُسلِمِ ضِدَّ الأخطار الخارجية التي تُهدّده)
– 61 – وإنْ مالَ أعداؤكم إلى الصُّلْحِ والمُسالَمَةِ، وتَرْكِ الحَرْبِ، والتَّخَلّي عن إلْحاقِ الضّرَرِ بكم فمِلْ – يا مُحَمَّدُ – إلى الصُّلْحِ والمُسالَمَةِ، واسْتَسْلِمْ إلى الله، واعْتَمِدْ عليه بجعلِهِ وكيلاً ومُدافعاً عنك وعن المُؤمنين، لأنّ اللهَ هو السَّميعُ الذي يَسْمَعُ ما يَتَسارُّ به أعداؤكم، وهو العليمُ الذي يَعْلَمُ ما يفعلونَهُ وما يَنْوُونَ فِعْلَهُ
– 62 – وإنْ يُريدوا أنْ يخدعوك بطَلَبِهم الصُّلْحَ والمُسالَمَةَ فلا تخَفْ خِداعَهم، لأنّ كافيَك اللهُ أمْرَ خِداعِهم، يُؤكِّد ذلك أنّهُ هو الذي قَوَّاك بنَصْرِهِ إيّاك عليهم، وقوّاك بالمؤمنين الذين آمنوا بك، وقاتلوا بين يديك
– 63 – وهو الذي جَمَعَ بين المؤمنين من الأوس والخزرج في المدينةِ بانْتزاعِهِ ما في قُلُوبِهم من بُغْضٍ وعداوَةٍ وكُرْهٍ بعد أنْ كانوا حيَّيْنِ مُتباغِضَيْنِ مُتعادِيَيْنِ، يُؤكِّد أنّ ذلك تَمَّ بفَضْلِ اللهِ أنّك لو أنْفَقْتَ كُلَّ شيءٍ كائنٍ في الأرض حالةَ كونِهِ مُجْتَمِعاً من أجْلِ جَمْعِهم لَما أمكنك أنْ تجمَعَ بينهَم بانتزاعِ ما في قلوبِهم من بُغْضٍ وعداوَةٍ وكُرْهٍ، ولكنّ اللهَ جَمَعَ بينَهم، لأنّهُ قادِرٌ على كُلِّ شيءٍ، ولا يَمْتَنِعُ من قُدْرَتِهِ شيءٌ، حكيمٌ مُتْقِنٌ لجميع أفعاله
– 64 – يا أيّها النَّبِيُّ، كافيكَ اللهُ وكافي الذين اتّبعوكَ من المؤمنين بنُبُوّتِكَ وبما أُنْزِلَ إليكَ أمْرَ الجاحدين نُبُوّتَكَ وما أُنْزِلَ إليكَ من اليهودِ والمُشركين .
Photo credit: © by Safa Kadhim