نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن

(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)

۞ وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلّٞ فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ٦ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ٧ وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعۡدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُۥٓۗ أَلَا يَوۡمَ يَأۡتِيهِمۡ لَيۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٨

المعنى في ضوء التحليل اللغوي :

6 – وما أيُّ كائنٍ حيٍّ يَدُبُّ في الأرضِ من إنسانٍ وحيَوانٍ إلاّ رِزْقُهُ كائنٌ على اللهِ وَحْدَهُ، وما أيُّ كائِنٍ حيٍّ يَدُبُّ في الأرض من إنسانٍ وحَيَوانٍ إلاّ يعلمُ اللهُ مكانَهُ الذي يسْكُنُ ويَسْتقرّ فيه، فيرزُقُهُ فيه، (مثل الكائناتِ البَرّيّةِ التي تستقِرُّ في الجبال والصُّخُورِ والمَغاراتِ والجُحُورِ والسُّهولِ والأدْغالِ والغاباتِ)، ويَعْلَمُ مكانَهُ الذي يَسْتَقِرُّ فيه مُدّةً من الزَّمَنِ، ثم يَترُكُهُ ويُفارِقُهُ إلى مكانِ اسْتِقْرارهِ الدَّائم، فيرزُقُهُ فيه، يُؤكِّدُ ذلك أنَّ كلَّ كائنٍ حيٍّ يَدُبُّ في الأرض مُثْبَتٌ في سِجِلٍّ صِفَتُهُ أنَّهُ يُوَضِّحُ كُلَّ شيءٍ عنه من يومِ خلْقِهِ إلى يومِ مَوْتِهِ

– 7 – وهو الذي خَلَقَ السَّماواتِ والأرضَ في سِتَّةِ أيّامٍ – ووُجِدَ مُلكُهُ قَبْلَ وجودِ السّماواتِ والآرض حالةَ كونِهِ على السَّحابِ – لكي يختبرَكم بالطَّاعةِ له فيما يأمُرُكم به، وبالطّاعة لَهُ فيما ينهاكم عنه الاخْتِبارَ الذي يُجازِيكُم عليه، فيَتَبَيَّنَ بالاختبارِ أيُّ إنسانٍ منكم أحْسَنُ في العمل بالطّاعةِ له فيما أمَرَهُ به، وبالطّاعةِ له فيما نهاهُ عنه، وأيُّ إنسانٍ عصاهُ فيما أمَرَهُ به، وفيما نهاهُ عنه، فيجْزِي كُلَّ إنسانٍ بأفعالِهِ التي صَدَرَتْ منهُ فيما اخْتَبَرَهُ به لا على عِلْمِهِ فيه (يَدُلُّ ذِكْرُ القُرآنِ خَلْقَ السماواتِ والأرض في ستّةِ أيّام على إقامةِ الدّليل على أنّ القرآنَ الكريمَ الذي أُنْزِلَ إلى الرَّسولِ مُحَمَّدٍ (ص) كتابُ اللهِ الذي أنْزَلَهُ إلى رسولِهِ، فهومِثْلُ التّوراة التي انْزَلَها على رسولِهِ موسى، لأنّ قولَهُ بخَلْقِ السَّماواتِ والأرضِ في سِتَّةِ أيّامٍ مذكورٌ في التّوراةِ أيضاً)، (ويَدُلُّ قولُهُ : “وكان عَرْشُهُ على الماء” على أنَّ مُلْكَ اللهِ الذي هو السَّماواتُ والأرضُ وُجِدِ أوَّلاً قبلَ خَلْقِ السّماواتِ والأرضِ على السَّحابِ الذي هو (السَّديم) الذي خَلَقَ اللهُ منه السّماواتِ والآرضَ، ويَدُلُّ هذا المعنى وتعلُّقِ اللام في (ليَبْلُوكَم) بـ(خَلَقَ) على أنَّ المُرادَ بـ(السَّماواتِ والأرضِ) المجموعةُ الشَّمْسِيّة في مجَرَّتِنا، وليس المُرادُ بها المَجَرَاتِ الأخرى، لأنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ المجموعة الشّمسيّة لأجْلِ خَلْقِ الإنسانِ، ويدُلُّ قولُهُ : “ليَبْلُوَكُم) على أنَّ اللهَ تعالى قد يَمتَحِنُ إنساناً قد عَلِمَ ما في نفسِهِ من الإيمانِ أو النِّفاقِ أو الكُفْر أو الاستعلاءِ والاستكبار على اللهِ بأمْرٍ من الأمورِ، فيقومُ ذلك الإنسانُ في الامتحانِ بأفعالٍ ناشِئةٍ عمّا في نفسِهِ، فيكونُ ثوابُ اللهِ وعقابُهُ على أفعالِهِ التي أظهرتْ ما في نفسِهِ، فالثوابُ والعقابُ يكون على أفعالِ الإنسانِ الناشئة عمّا في نفسِهِ، ولا يكونُ الثوابُ والعقاب على ما في نفسِ الإنسان، ولا على عِلْمِ اللهِ بما في نَفْسِهِ قَبْلَ أنْ يُظْهِرَهُ الإنسانُ في صورةِ أفعالٍ)، وأُقْسِمُ على سبيلِ التَّوكيدِ لَئِنْ قلتَ : إنّكُم مبعوثون من قبورِكم من بعدِ المَوْتِ للحسابِ والجزاءِ ليقولَنّ الذينَ جَحَدُوا وحدانيَّةَ اللهَ ونُبُوَّةَ رسولِهِ والقرآنَ الذي أنْزَلَهُ إليه، وجَحَدُوا البَعْثَ بعدَ الموتِ يومَ القيامةِ للحسابِ والجزاء : ما هذا القرآن الذي يُخْبِرُنا بذلك إلا سِحْرٌ ظاهِرٌ (أي : ما هذا القرآن الذي يُخْبِرُنا بذلك إلا كلامٌ باطِلٌ، لأنَّ السِّحْرَ باطِلٌ عِنْدَهُم)

– 8 – وأُقْسِمُ على سبيلِ التّوكيدِ لَئِنْ أخَّرْنا عنهم العذابَ إلى مُدّةٍ مُقدّرَةٍ من الزّمَنِ لَيقولَنّ الذين جَحَدُوا وحدانيَّةَ اللهِ ونُبُوَّةَ رسولِهِ والقرآنَ الذي أنْزَلَهُ إليه، وجَحَدُوا البَعْثَ بعدَ الموتِ يومَ القيامةِ للحسابِ والجزاءِ مُسْتَهْزِئينَ : أيُّ شيءٍ يَمْنَعُ العذابَ الذي وَعَدَنا الله به ؟ انْتَبِهُوا، ليس العذابُ الذي وَعَدَهم اللهُ بهِ مَمْنُوعاً ومُحَوَّلاً عنهم يومَ يأتيهم في الوقْتِ المُقدّرِ المَعْلُوم، فلا أحَدَ قادِرٌ على مَنْعِ عذابِ الله، ولا تَنْحِيَتِهِ عنهم يومَ يأتيهم، وواقِعُ الحالِ أنّهُ قد أحاطَ بهم العذابُ الذي كانوا يستَهْزِئون به من كُلِّ مكانٍ

معاني القرآن

Photo by Mukhtar Shuaib Mukhtar from Pexels

6 – (وما من … رزقها) مرتبطة بما قبلها بالواو، (ما) نافية، (دابّةٍ) مجرور لفظاً بـ(من) الزائدة لتوكيد عموم النفي، في محلّ رفع مُبتدأ، و(الدابّةُ) : كُلُّ ما يَدُبُّ على الأرضِ من إنسانٍ أو حيوان، (في الآرض) مُتعلّقان بمُقدّر صفة لـ(دابّة)، (إلا) أداة حصر، (على الله رزقُها) جملة اسمية خبر المبتدأ، (على الله) مُتعلّقان بمُقدّر خبر مُقدّم، (رزقُها) مُبتدأ مُؤخَّر، (ويعلم .. ومُستودعها) عطف على الجملة الاسمية التي قبلها، (يعلمُ) مُضارع مرفوع، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (الله)، (مُستَقَرَّها) مفعول به، و(المُستقَرُّ) : السَّكَنُ والقرارُ والثُّبوتُ، (ومُسْتَودَعها) عطف عليه، و(المُسْتَوْدَع) : المكان الذي يستقرُّ فيه الشيءُ مُدّةً من الزّمَن، ثم يترُكُهُ ويُفارقه إلى مكان استقراره الدائم، وقيل للجَنّةِ التي وَضَعَ اللهُ فيها آدمَ وحوّاءَ : مُستودَع، لأنّها مَحَلُّ استقرارٍ مُؤَقّتٍ، ومنه قولُ العبّاس :

                          من قَبْلِها طِبْتَ في الظِّلال وفي                       مُسْتَوْدَعٍ حيثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ

(كلٌّ .. مُبين) توكيد لمضمون ما قبلها، (كُلٌّ) مُبتدأ، والتنوين عِوَض عن مُضافٍ إليه مُقدّر، (في كتابٍ) مُتعلّقان بمُقدّر خبر المُبتدأ، و(الكتاب) هنا : السِّجِلُّ الذي يُدَوَّنُ فيه كُلُّ شيءٍ عن الكائنِ الحيّ الذي يَدُبُّ في الأرض

– 7 – (وهو … أيام) مرتبطة بسياق ما قبلها بالواو، (هو) مبتدأ، (الذي) موصول خبر، (خَلَقَ ..) صلة (الذي)، (خَلَقَ) فعل ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (الذي)، (السماواتِ) مفعول به، (والأرض) عطف على (السماوات)، (في ستّةِ) مُتعلّقان بـ(خلقَ)، (وكان .. الماء) مرتبطة بما قبلها بالواو، (كان) فعل ماضٍ تام، (عرشُهُ) فاعلُهُ، و(العَرْش) : المُلْك، (على الماء) مُتعلّقان بمُقدّر حال من فاعل (كان)، و(الماء) : السائل المعروف، وقد يُطْلَقُ (الماءُ) ويُرادُ به : السحاب، قال تعالى (السّجْدة : 27) : “أوَ لم يَروا أنَّا نسوقُ الماءَ إلى الأرضِ الجُرُز”، و(يَدُلُّ “وكان عرشُهُ على الماء” على أنَّ العَرْشَ والماء كانا قبل السّماوات والأرض)، ولام التعليل في (ليبلوكم) مُتعلّق بـ(خلق)، (يبلوَكم) مُضارع منصوب بعد لام التعليل، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (هو) العائد إلى (الله)، والضمير (كم) في (ليبلوكم) مفعول به، و(بلاهُ) : اختبرَهُ، (أيّكم .. عملاً) (أيُّ) اسم استفهام مبتدأ مُضاف إلى الضمير (كم)، (أحْسَنُ) خبرُهُ، (عَمَلاً) تمييز، والجملة الاسميّة في موضع مفعولي فعْلٍ مُقدّر بدلالة السياق، مُعَلَّق عن العَمَل بالاستفهام، معطوف على (ليبلوكم)، وتقديره : (فيعلَمَ أيُّكم أحْسَنُ عملاً)، (ولئِنْ … مُبين) مرتبطة بما قبلها بالواو، واللام موطئة للقسم، و(إنْ) شرطية، (قُلْتَ … الموت) جملة الشرط، (إنَّكم … الموت) مقول القول، (إنَّكم) (إنّ) واسمها، (مبعوثون) خبر (إنّ)، (من بعْدِ) مُتعلّقان بـ(مبعوثون)، و(بعد) مُضاف إلى (الموت)، (ليقولَنَّ … مبين) جواب القسم، وقد أغنى عن جواب الشرط، اللام واقعة في جواب القسم، (يقولَنّ) مُضارع مبني على الفتح، لاتّصاله بنون التوكيد الثقيلة، (الذين) موصول فاعلُهُ، (كفروا) صلة (الذين)، (إنْ .. مُبين) مقول القول، (إنْ) نافيه، (هذا) اسم إشارة مبتدأ، (إلا) أداة حصر، (سِحْرٌ) خبر، (مُبين) صفة له

– 8 – (ولئنْ … ما يحبسه) مرتبطة بما قبلها بالواو، وتقدّم القول في (لَئنْ)، (أخَّرْنا … معدودة) جملة الشرط، (أخَّرْنا) فعل ماضٍ وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، (عنهم) مُتعلّقان بـ(أخّرْنا)، (العذابَ) مفعول به، (إلى أُمَّةٍ) مُتعلّقان بـ(أخّرْنا)، و(الأُمّة) : الحين والمُدَّة، (معدودة) صفة لـ(أُمّة)، (ليقولُنّ .. يحبسه) جواب القَسَم، وقد أغنى عن جواب الشرط، (يقولُنّ) مُضارع من الأفعال الخمسة مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال، و(واو الجماعة) المحذوفة لالتقاء الساكنين المدلول عليها بالضمّة فوق اللام فاعلُهُ، والنون الثقيلة للتوكيد، (ما يحبسه) مقول القول، (ما) اسم استفهام مبتدأ، والاستفهام بمعنى الاستهزاء، و(يَحْبِسُهُ) خبر المبتدأ، (يحبسُهُ) مُضارع مرفوع، وفاعلُهُ ضميرٌ عائد إلى (ما)، والهاء مفعول به عائد إلى (العذاب)، و(حَبَسَ الشيءَ) : مَنَعَهُ، (ألا … عنهم) مستأنفة في سياق ما قبلها للردّ عليهم، (ألا) حرف استفتاح وتنبيه، (يومَ) ظرف زمان متعلّق بـ(مصروفاً)، و(مصروفاً) خبر (ليس)، واسمُها ضمير عائد إلى (العذاب)، (وحاق … يستهزئون) مرتبطة بما قبلها بالواو لبيان واقع الحال، (حاقَ) فعل ماضٍ، (بهم) مُتعلّقان بـ(حاقَ)، (ما) موصول فاعلُهُ، و(حاق به الشيءُ) : لَزِمَهُ، وأحاطَ به، (كانوا .. يستهزئون) صلة (ما)، (كانوا) (كان) واسمُها، (به) مُتعلّقان بـ(يستهزئون)، (يستهزئون به) خبر (كان)