نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ ٩٥ فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ٩٦ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٩٧ وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ فَمُسۡتَقَرّٞ وَمُسۡتَوۡدَعٞۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَفۡقَهُونَ ٩٨ وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ٩٩
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
95 – إنّ اللهَ مُخْرِجُ النَّباتِ من الحَبِّ والنَّوَى بِشَقِّ الحَبَّةِ والنواةِ (أي : يَشُقُّ الحَبَّةَ فيُخْرِجُ منها وَرَقاً أخْضَرَ، ويَشُقُّ النواةَ فيُخْرِجُ منها شَجَرةً كبيرةً مُثْمِرةً، فيجعلُ رِزْقَكُم من الحَبَّةِ والنَّواةِ، وهذه العمليَّةُ بِشَقِّ الحَبِّ والنَّوَى، وإخراجِ الوَرَقِ والشَّجَرِ منهما ثابتةٌ للهِ، وجاريةٌ بقُدْرَتِهِ الآن، وفي كُلِّ زمانٍ في مُسْتَقْبَلِ حياةِ البَشَر)، إنَّهُ يُخْرِجُ الكائِنَ الحَيَّ الذي يَنْمُو ويَتَكاثَرُ من العناصِرِ المَيِّتَةِ (يَدُلّ الفِعُل المُضارع (يُخْرِجُ) على أنَّ اللهَ أرادَ أنْ يَجْعَلَنا نَتَصَوّرُ عمليةَ إخراجَ الحَيِّ من المَيِّتِ، أي : أرادَ أنْ يجعَلَنا نَتَصَوّرُ أنَّ اللهَ يُصَيّرُ العناصِرَ الميّتةَ التي يَتَناوَلُها الإنسانُ أو الحيوان مَنِيّاً في صُلْبِ الذّكَرِ، ويُصَيِّرُها بُوَيضةً في رَحِمِ الأنثى، وأنَّهُ يُخْرِجُ من مَنِيَّ الذَّكَرِ وبُوَيْضةِ الأنثى بعدَ اتِّصالِهما كائناً حَيَّاً، ونَتَصَوَّر أنّهُ يُخْرِجُ نباتاً حيّاً ينمو ويُورِقُ ويُثْمِرُ ويتكاثَر من عناصِرَ مَيِّتَةٍ في الأرض تُوضَعُ فيها حَبَّةٌ أو نواةٌ مَيِّتَةٌ، ونَتَصَوَّرُ أنّ عمليّةَ إخراجِ الحيِّ من الميّتِ في الإنسان والحيوان والنبات جاريةٌ بقُدْرَتِهِ الآن، وفي كلّ زمان في مُسْتَقْبَلِ حياةِ البَشَر)، وإنَّهُ مُخْرِجُ المَيَّتِ من الحَيّ (أي : إنَّ اللهُ مُخْرِجُ الأشياءَ المَيِّتَةَ مِثْلَ أنواعِ الثِّمارِ المُختلفةِ، وأنواعِ الزُّيوتِ وأنواعِ الخُبْزِ، وأنواعِ الأطْعِمَةِ الأخرى كالحليبِ والزُّبْدِ والسّمْنِ والجُبْنِ والألبانِ وغيرِها، وأنواعِ الألْبِسَةِ والجُلودِ والأغْطِيَةِ من النباتاتِ والحيواناتِ الحَيَّة، وإنَّ عمليّةَ إخراجِ العناصِرِ المَيِّتَةِ من الكائناتِ الحَيّةِ ثابِتَةٌ للهِ، وجاريةٌ بقُدْرَتِهِ الآن، وفي كُلِّ زمانٍ في مُسْتَقْبَلِ حياةِ البَشَر)، ذلكم (أي : الذي يُخْرِجُ الحَيَّ من المَيّتِ، والمَيَّتَ من الحَيّ) اللهُ الذي أُشيرُ إليه بالتعظيم، فإذا عَرَفْتُم قُدْرَةَ اللهِ فعَلَى أيِّ حالٍ من الأحوالِ يَصْرِفُونَكم عن توحيدِهِ وإخلاصِ العِبادَةِ له
– 96 – هو مُبْدِئُ ضوءِ النّهارِ، ومُوْضِحُهُ من ظُلْمَةِ الليل (وهذا الفِعْلُ ثابتٌ لله، جارٍ بقُدْرَتِهِ الآنَ وفي كُلِّ زمان ِفي مُسْتَقْبَلِ حياةِ البَشَر، ولا يَقْدِرُ أحدٌ غيرُهُ أنْ يفعلَهُ)، وهو صَيَّرَ اللّيلَ راحةً لكم، تَسْتَرِيحونَ فيه من حركةِ العَمَلِ في النهار (وهذا الفِعْلُ ثابتٌ للهِ، جارٍ بقُدْرَتِهِ في كُلِّ يومٍ وفي كُلِّ زمان في مُستقبلِ حياة البَشَر، ولا يقْدرُ أحدٌ غيرُهُ أنْ يفعلَهُ) وهو خلَقَ الشّمْسَ والقَمَرَ بحِسابٍ وتدبيرٍ دقيق (وهذا الفِعْلُ ثابتٌ لله، جارٍ بقُدْرَتِهِ الآن وفي كُلِّ زمان في مُستقبلِ حياة البَشَر، ولا يقْدرُ أحدٌ غيرُهُ أنْ يفعلَهُ)، ذلك الذي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ تدبيرُ اللهِ الموصوفِ بأنَّهُ القادِرُ الذي لا يَغْلِبُهُ شيءٌ، ولا يَمْتَنِعُ من قُدْرَتِهِ شيءٌ، العليمُ الذي لا يغيبُ عن عِلْمِهِ شيءٌ في مُلْكِهِ (يدلُّ معنى (والشّمسَ والقمرَ حُسباناً) على أنّ اللهَ تعالى خَلَقَ الشَّمْسَ والأرضَ التي نعيشُ عليها والقمرَ بحِسابٍ وتدبيرٍ دقيقٍ، وهذا الحِسابُ والتدبيرُ الدقيقُ يَتَجَلَّى في المسافةِ التي بين الشَّمْسِ والأرضِ، وبينَ الشَّمْسِ والقَمَرِ، والمسافَةِ بين القَمَرِ والأرضِ، ويتجلّى في دَوَرانِ الأرضِ حولَ الشَّمسِ، وفي دَوَرانِها حولَ مِحْوِرِها لتكوين اللّيل والنّهار، ويتجلَّى في دَوَرانِ القَمَرِ حولَ الأرضِ أمامَ الشّمس في منازلَ مُقدّرةٍ لنَعْلَمَ حِسابَ أيامِ الشّهرِ القمري، فنُوّقِّتَ بهذا الحِسابِ عباداتِنا التي تَعْتَمِدُ على بدايةِ الشهرِ القَمَري ونهايتِهِ مثل عبادةِ الحَجِّ والصوم، ونُوّقّتَ بهذا الحِسابِ مُعاملاتِنا ومعاهداتِنا وكافّةَ شؤونِ حياتِنا التي نجعلُ لها أوقاتاً مُعيّنةً من الشَّهْرِ القَمَرِي)
– 97 – وهو الذي صَيَّرَ لأجْلِكم النجومَ علاماتٍ، لكي تَهْتَدُوا بها حالةَ كونِكم في ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ (أي : صَيَّرها علاماتٍ بجَعْلِ بعضِها صغيراً، وبعضِها كبيراً، وبعضِها قريباً من الأرضِ، وبعضِها بعيداً عنها، وبعضِها مُتفرّقاً، وبعضِها مجموعاً، وجَعْلِها في أماكنَ مُختلفةٍ، فبعضُها في جهةِ الشّرق، وبعضُها في جهةِ الغَرْبِ، وبعضُها في جهةِ شمالِ الأرضِ، وبعضُها في جهةِ جنوب الأرض، وجَعَل بعضَها سائراً مُتحرّكاً، وبعضَها ثابتا، لكي يَهْتَدُوا بها في سَفَرِهم وتَنَقُّلاتهم ليلاً في البّرِّ والبحر)، نُؤكِّدُ أنّنا قد بيَّنا العلاماتِ الدّالةَ على قُدرتِنا في النِّظامِ الكونِي للشَّمسِ والقَمَرِ والكواكِبِ والنُّجومِ لقومٍ صِفَتُهُم أنَّهم يَتَفَكَّرونَ فيها فيُدْرِكُونَ حقيقةَ قُدْرَةِ الله
– 98 – وهو الذي أحْدَثَكم وأوجدَكم من ذاتٍ واحِدةٍ (هي ذاتُ التُّرابِ التي صَنَعَ مِنْها ذاتَ آدَمَ، وجَعَلَ فيها الرُّوحَ، وجَعَلَها بَشَراً ذا رُوحٍ)، وصَنَعَ مِنْ ذاتِ التُّرابِ التي صَنَعَ مِنْها ذاتَ آدَمَ قَرينةً ومَثِيلةً لَهُ في الخِلْقَةِ، وجَعَلَ فيها الرُّوحَ، وجَعَلَها بَشَراً ذا رُوحٍ ليكونا اثنين من ذاتٍ واحِدَةٍ، فأحدُهما (أي : آدمُ، وهو اوَّلُ ذَكَرٍ خَلَقَهُ الله) موضِعُ اسْتِقْرارِ للمادةِ المَنَوِيّةِ في صُلْبِهِ، والآخرُ (أي : زوجُهُ، وهي أوَّلُ أُنثى خَلَقَها اللهُ) موضِعُ حِفْظٍ للنُّطْفَةِ (وهي بُويضةِ الأُنثى المُلَقّحَةُ بمَنِيّ الذّكَر) في رَحِمِ الأُنْثى، نُؤكِّدُ أنّنا قد بيّنّا الحُجَجَ الواضِحةَ الدّالّةَ على قُدْرَتِنا لقومٍ صِفَتُهم أنّهم يُحْسِنون إدراكَ قُدْرَةِ اللهِ، (يَدُلّ معنى التعريض في قوله : (لقومٍ يفقهون) على معنى : والذين يَجْحَدُونَ وجودَ اللهِ وقُدْرَتَهُ لا يُحْسِنونَ إدراكَ آياتِ اللهِ الدّالّةَ على قُدْرَتِهِ)
– 99 – وهو الذي أنْزَلَ من السَّحابِ ماءً إلى الأرضِ، فأخْرَجْنا بهذا الماءِ بعنايتِنا وتَدْبِيرِنا وقُدْرَتِنا نباتَ كُلِّ شيءٍ يَتَغَذّى عليه الإنسانُ والحيوانُ (لأنَّ النباتَ هو مصدرُ غذاءِ الإنسانِ والحَيَوَان)، فأخْرَجْنا بعِنايَتِنا وتَدْبِيرِنا وقُدْرَتِنا من هذا النباتِ أوراقاً وأغصاناً خَضْراءَ غَضَّةً نُخرِجُ منها حبّاً مُتُرَاكباً بعضُهُ فوقَ بعضٍ مثل سنابلِ الحِنْطَةِ والشَّعيرِ والسّمْسِم (وهذا الفِعْلُ ثابتٌ لله، جارٍ بقُدْرَتِهِ الآنَ وفي كُلِّ زمان في مُستقبلِ حياةِ البَشَر، ولا يقْدرُ أحدٌ غيرُهُ أنْ يفعلَهُ) – ومِنَ النَّخْلِ، أي من طَلْعِها (الذي هو أوَّلُ شيءٍ خارجٍ منها، وهو غلافٌ يُشْبِهُ الكُوزَ، ينفَتِحُ عن حَبٍّ منضودٍ فيه مادّةُ إخصابِ النّخْلة) أعْذاقٌ قريبةٌ من القاطِفِ، سَهْلَةُ الجَنْي – وأخْرَجْنا بذلك الماءِ بساتينَ كائنةً من أعنابٍ، وأخرَجْنا بِهِ الزَّيتونَ والرُّمّانَ حالةَ كونِ تلك الثّمارِ مُتَشابهةً في اللّونِ والحَجْمِ والشّكْلِ، وغيرَ مُتشابِهَةٍ في الطّعْمِ، انظروا إلى ثَمَرِ تلك الأشجارِ (أي : ثمَرِ شَجَرِ النَخْلِ والزيتون والرُمّان) حينَ يَظْهَرُ، وانظروا إلى نُضْجِهِ واسْتوائِهِ، وتأمّلوا وتَفَكَّروا وتَدَبَّروا في ظُهورِ ثَمَرِهِ حين يُثْمِرُ قَبْلَ نُضُوجِهِ، وإلى نُضْجِهِ واستوائِهِ (أي تَأمّلُوا وتَفَكَّرُوا وتَدَبَّرُوا في مراحلِ تَطَوّرِ الثَّمَرةِ من ثَمَرَةٍ صغيرةٍ غيرِ مُستساغَةِ الأكْلِ إلى ثَمَرَةٍ ناضجةٍ لذيذةِ الأكْلِ)، لأنّ في ذلكم الذي تقدّمَ ذِكْرُهُ دلالاتٍ واضحاتٍ على قُدْرَةِ اللهِ لقومٍ صِفَتُهم أنَّهم مُصَدّقون بما يُخْبِرُهُم اللهُ به، ولا يَنْتَفِعُ بتِلكَ الدِّلالاتِ القومُ الذين يَجْحَدُونَ قُدْرَةَ اللهِ دونَ دليلٍ ولا بُرْهان