نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن

(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)

وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ ٨٧ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ ٨٨

المعنى في ضوء التحليل اللغوي :

– 87 – وأُقْسِمُ على سبيل التوكيد لقد آتينا موسى الشريعةَ المُشتَمِلةَ على الفرائضِ والأحكامِ والوصايا (اسمها التوراة في لغة بني إسرائيل)، وأتْبَعْنا من بعدِهِ بالرُّسَلِ، رسولاً في أثرِ رسولٍ، فكذَّبَ أسلافُكم بطائفةٍ منهم، وقتلوا طائفةً منهم، وأُقْسِمُ على سبيل التوكيد لقد آتينا عيسى الموصوفَ بابنِ مريم الحُجَجَ الواضحاتِ الدّالّةَ على أنّهُ رسولُ الله أرْسَلَهُ إلى بني إسرائيل للعَمَلِ بالشريعةِ التي أنَزلْناها على موسى، وقَوّيناهُ بروحِ القُدُسِ (روح القُدُس هو جبرائيل الذي جَعَلَ اللهُ فيه قُوّةً من القُوّةِ التي يختصُّ بها الله سُبحانَهُ وتعالى، وتتَّصِفُ بها ذاتُهُ المُقَدّسة)، فكذَّبَ أسلافُكم به، وتآمروا على قَتْلِهِ، فهل كُلّما جاءكم رسولٌ بالذي لا تهواه أنفُسُكم امْتَنَعْتُم عن قبول الحقِّ مُعاندةً وتَكَبُّراً (يدلُّ السياقُ على أنّ الخِطاب مُوَجَّهٌ إلى بني إسرائيل الموجودين في المدينة زمن الرسول (ص) والمخصوصُ به منهم عُلماؤهم وأحبارُهم)، ففريقاً من الرُّسُلِ كذّبتم، وفريقاً منهم تُبْطِلونَ دَعْوتَهُم، ولا تَعْتَدُّون بمَشْهَدِهِم، ولا تقْبَلونَ لهُم قَوْلاً، ولا تُقيمونَ لهُم دَعْوَةً، وتَجْعَلُونَهُم كَمَنْ قد ماتَ، وصار ذلك عادةً لكم ؟ بِئْسَ ما تفعلون

– 88 – وقالوا (أي : أسلافُكم) لرُسُلِهم : قلوبُنا مُغطّاةٌ بأغشيةٍ خِلْقية لا تعي ما تقولُونَهُ، وما تدعونَنا إليه، والحقُّ ليس كما قالوا، بل أبْعَدَهم اللهُ من رحمتِهِ، وطَبَعَ على قلوبهم، بسبب جُحُودِهم وإنكارِهم نبوّةَ الرُّسُل الذين أُرْسِلوا إليهم، لأنَّهم تصديقاً قليلاً جِدَّاً يُصَدِّقون برُسُلِ اللهِ .

Reading Quran

– 87 – (ولقد آتينا .. الكتاب) مرتبطة بسياق ما تقدّم بالواو لتذكير بني إسرائيل المُعاصرين للنبيّ (ص) بحقيقة ما كان يفعله أسلافهم، واللام في (لقد) واقعة في جواب قَسَم مُقدّر، (آتينا) فعلٌ ماض، وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، (موسى) مفعول به أوّل، (الكتابَ) مفعول به ثانٍ، و(الكتاب) : الشريعةُ المُشتملةُ على الفرائض والأحكام والوصايا التي أنَزَلها اللهُ على موسى، واسمُها (التوراة) في لغةِ بني إسرائيل، (وقفَّينا .. بالرسل) عطف على ما قبلها، (قَفَّيْنا) مثل (آتينا)، (من بعدِ) مُتعلّقان بـ(قَفّينا)، و(بعد) مُضاف إلى (الهاء) العائد إلى (موسى)، و(قفَّيْنا) بمعنى : أتْبَعْنا، (بالرُّسُل) مُتعلّقان به أيضاً، ويدلّ النّظم على جُملة مُقدّرة بعدها، وحُذِفت اختصاراً، ويُمكن تقديرها : (فكذَّبْتُم بطائفةٍ منهم، وقتلتم طائفةً منهم)، (وآتينا … البيّنات) عطف على (آتينا ..)، (عيسى) مفعول به أوّل، (ابْنَ) صفة لـ(عيسى)، وهو مُضاف إلى (مريم)، (البّيّنات) مفعول به ثانٍ، و(البيّنة) : الحُجّةُ الواضحة، والبيّنات التي آتاها اللهُ عيسى ابن مريم هي : الحُجَجُ الواضحاتُ الدّالّةُ على أنّهُ رسولُ الله أرْسَلَهُ إلى بني إسرائيل للعَمَلِ بالشريعةِ التي أنَزلَها اللهُ على موسى (وأيّدناه .. القدس) عطف على ما قبلها، (أيَّدْناهُ) فعل ماضٍ، وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، و(الهاء) مفعول به، (بروح) مُتعلّقان بـ(أيَّدْناهُ)، و(روح) مُضاف إلى (القُدْس)، و(أيَّدْناهُ) : قَوَّيْناهُ، و(روح القُدُس) : جبرائيل، (أفكلّما … استكبرتم) مرتبطة بما قبلها بالفاء، والهمزة استفهام بمعنى الإنكار والتوبيخ، (كلّما) ظرف فيه معنى الشرط، (جاءكم رسولٌ) جملة الشرط بـ(كُلَّما)، (جاءكم) فعل ماضٍ، والضمير (كم) مفعول به، وهو عائد إلى بني إسرائيل الموجودين في المدينة زمن الرسول (ص)، (رسولٌ) فاعلُهُ، (استكبرتم) جواب (كلّما)، (استكبرتم) فعل ماضٍ وضمير المُخاطبين (تُم) فاعلُهُ، و(اسْتكبرَ) امْتَنَعَ عن قبول الحقّ مُعاندةً وتكبُّراً، (ففريقاً كَذّبتم) عطف على (استكبرتم)، (فريقاً) مفعول به مُقدّم، (كَذّبتم) فعل ماضٍ والضمير (تُم) فاعله، (وفريقاً تقتلون) عطف على ما قبلها، (فريقاً) مفعول به مُقدّم، (تقتلون) مُضارع مرفوع بثبوت النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، وتقّدَّمَ ذِكْرُ معاني (قَتَلَ) في (الآية : 85)، وما يُوافِقُ قولَهُ تعالى (تَقْتُلونَ) في هذه الآية من تلك المعاني معنى (تُبْطِلونَ دَعْوتَهُ، ولا تَعْتَدُّون بمَشْهَدِهِ، ولا تقْبَلونَ لهُ قَوْلاً، ولا تُقيمونَ لهُ دَعْوَةً، وتَجْعَلُونَهُ كَمَنْ قد ماتَ، وجاء (تقتلون) في صيغة المضارع لبيان أنّهُ صار قَتْلُ الأنبياء والرُّسُل عادةً لهم

– 88 – (وقالوا .. غلف) مرتبطة بما قبلها بالواو، (قالوا) فعل ماضٍ، (واو الجماعة) فاعلُهُ، وهو عائد إلى (أسلافهم)، ويدلّ السياق على مُتعلّق بـ(قالوا) مُقدّر، والتقدير : (لِرُسُلِهم)، (قلوبنا غُلْفٌ) مقول القول، (قلوبُنا) مبتدأ، (غُلْفٌ) خبر، و(غُلْف) جمع (أغلف)، و(الأغلف) الذي عليه غِلاف، أي : غِشاء، (بل .. بكفرهم) مرتبطة بما قبلها بـ(بل) التي بمعنى الإضراب، (لعَنَهم) فعل ماضٍ، والضمير (هم) مفعول به، (اللهُ) فاعلُهُ، (بكفرِهم) متعلّقان بـ(لعنهم) والباء للسببية، (فقليلاً ما يؤمنون) مرتبطة بما قبلها بالفاء التي بمعنى التعليل، (قليلاً) صفة لمفعول مُطلَق مُقدّر، والعاملُ فيه (يُؤمنون)، و(ما) زائدة للإيغال في توكيد القِلّة، (يُؤمنون) مُضارع مرفوع بثبوت النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ .