نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن

(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)

كٓهيعٓصٓ ١ ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِيَّآ ٢ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيّٗا ٣ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّي وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبٗا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّٗا ٤ وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا ٥ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا ٦ يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ ٱسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِيّٗا ٧ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا ٨ قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡ‍ٔٗا ٩ قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَ لَيَالٖ سَوِيّٗا ١٠ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ أَن سَبِّحُواْ بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا ١١ يَٰيَحۡيَىٰ خُذِ ٱلۡكِتَٰبَ بِقُوَّةٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحُكۡمَ صَبِيّٗا ١٢ وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا ١٣ وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَيۡهِ وَلَمۡ يَكُن جَبَّارًا عَصِيّٗا ١٤ وَسَلَٰمٌ عَلَيۡهِ يَوۡمَ وُلِدَ وَيَوۡمَ يَمُوتُ وَيَوۡمَ يُبۡعَثُ حَيّٗا ١٥

المعنى في ضوء التحليل اللغوي :

1 – أقْرَأُ السُّورَةَ بالاسْتِعانَةِ باللهِ المَوْصُوفِ بأنّهُ الرَّحمنُ الذي أتْقَنَ برَحْمَتِهِ خَلْقَ كُلِّ شيءٍ لأداءِ وَظيفَتِهِ التي خَلَقَهُ لأدائِها، المَوْصُوفِ بأنَّهُ الرَّحِيمُ الذي جَعَلَ وَظيفةَ كُلِّ شيءٍ خَلَقَهُ في حُدُودِ قُدْرَتِهِ واسْتِطاعَتِهِ، كاف ها يا عين صاد دِلالةٌ على إنْزالِ القرآنِ بعُلومٍ ومعارِفَ إلهِيَّةٍ، منها عُلومٌ ومعارِفُ إلهِيَّةٌ اخْتَصَّتْ بها آياتُ السُّورَةِ

– 2 – هذا ذِكْرُنا إجابةَ ربِّك دعاءَ عبدِهِ، أي : إجابةَ ربِّك دعاءَ زكريّا

– 3 – حين دعا رَبَّهُ دُعاءً خَفِيّاً (أي : بصوت خفيّ لم يَسْمَعْهُ الناسُ، لأنّهُ كان في خَلْوَة بينَهُ وبينَ ربِّهِ)

– 4 – قال : يا ربِّ، إنّي ضَعُفْتُ في الأمْرِ والعَمَلِ والبَدَن، وانْتَشَرَ الشيبُ في رأسي، وحالي أنّي لم أكنْ فيما مضى من الزمان إلى هذا الوقتِ خائباً بدعائي إيّاك، ولا محروماً من إجابتك دعائي، (أي : قد عَوَّدْتني حُسْنَ الإجابة في جميع ما أسألُكَ)

– 5 – وإنّي خِفْتُ على الدين بني عمومَتِي الذين يلون أمْرَ الدين من بَعْدِي، وأتَوَقَّعُ حصولَ ضَرَرٍ على الدين منهم من بعْدِي، وحالي أنّ امْرَأتي قد وُجِدَتْ حالةَ كونِها عقيماً لا تَلِدُ، وليس لي وَلَدٌ يتولّى أمْرَ الدين بعدي، فأسألك أنْ تُعْطيَني من رحْمَتِك الخاصّةِ وَلَداً ذَكَراً يليني في أمْرِ الدين عطاءً بلا عِوَض

– 6 – موصوفاً بأنّه يَرِثُني في الولايةِ على الدّين، ويتولّى جميعَ أموري بعد موتي، ويَرِثُ جميعَ ما آل إليّ وإلى امْرَأتي من إرْثِ آلِ يعقوب، وأسْألُك أنْ تَجْعَلَهُ – يا ربِّ – مَرْضِيّاً عندَك بالامْتِثالِ لأمْرِك

– 7 – فنادَتْهُ الملائكةُ بالبِشارَةِ بأمْرِ ربِّهِ حالةَ كونِهِ قائماً مُتلبِّساً بحال الصّلاة والدُّعاء والتّضَرُّعِ لله في المحرابِ قائلين : يا زكريا، قالَ ربُّكَ : إنّا نُبشِّرُكَ بوَلَدٍ ذَكَرٍ صفتُهُ أنّ اسْمَهُ يحيى، صفتُهُ أيضاً أنّا لم نُصَيِّرْ أحَداً من قَبْلِهِ مُوافقاً له في اسْمِهِ، (أي : لم يُسمَّ بهذا الاسم أحدٌ قبله، ولم نُصَيِّرْ أحَداً من قبلِهِ نظيراً له في إتْيانِهِ العِلْمَ والتَّفَقُّهَ في الدين حالةَ كونِهِ صَبيّاً)

– 8 – قال زكريّا : يا ربِّ، على أيِّ حالٍ يُولَدُ لي غُلامٌ وحالي أنّ امْرَأتي قد وُجِدَتْ حالةَ كونِها عقيماً لا تَلِد، حالي أيضاً أنّي قد وَصَلْتُ بسَبَبِ الكِبَرِ في السّنِّ حَدَّ الشيخوخَةِ في ضَعْفِ العظام وتصلّبِ المفاصل

– 9 – قالتْ الملائكةُ : قال ربُّكَ : أمْرُ خَلْقِ وَلَدٍ من صُلْبِكَ كائنٌ على ذلك الذي أخْبَرْتُكَ به، يُؤكِّدُ ذلك أنَّ ربّكَ قال : خَلْقُ وَلَدٍ من صُلْبِكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ عليّ، ويُؤكِّدُ ذلك أنّي قد خَلَقْتُك من قبلِ أنْ أخْلُقَ وَلَداً من صُلْبك حالةَ كونِكَ لم تَكُنْ شيئاً موجوداً

– 10 – قال زكريّا : يا ربِّ، أسألك أنْ تَصْنَعَ لي علامةً على حَمْلِ امْرَأتي بالوَلَدِ، قالت الملائكةُ : قال ربُّك : علامَتُكَ على حَمْلِ امْرَأتِكَ بالوَلَدِ أنّك لا تَقْدِرُ أنْ تُكَلّمَ الناسَ مُدّةَ ثلاثِ ليال حالةَ كونِك صَحيحاً سليماً من غيرِ عِلّةٍ (يدلّ المعنى على أنّ العلامَةَ هي سَلْبُ القُدْرَةِ على الكلامِ مع النّاس، ولكنّهُ قادرٌ على التسبيح والذِّكْرِ)

– 11 – فبَرَزَ زكريّا على قومه من المِحْراب الذي يُصلّي فيه، فأشارَ وأومَأَ إليهم، أي : قال لهم بطريقةِ الرَّمْزِ والإشارة : صلّوا لله بتَنْزِيهِهِ وتقديسِهِ عن كُلِّ ما لا يليقُ بعظمتِهِ وربوبيّته، وتعظيمِهِ في الأوقاتِ من الفَجْرِ إلى طُلوعِ الشّمْسِ، وفي الأوقات من زوالِ الشمس إلى غروبها، ومن صلاةِ المغرب إلى العَتَمَة (يدلّ المعنى على أنّ الصلاة كانت مفروضة على بني إسرائيل في هذه الأوقات)

– 12 – فولدتْ امْرَأَتُهُ وَلَداً، وأسْماهُ يحيى، وأوْحَيْنا إليه قولَنا : يا يحيى، الْزَمْ التّوراةَ، وتَمَسَّكْ بها، واعْمَلْ بما جاءَ بها من أحكامٍ ومعارفَ إلهيةٍ حالةَ كونِكَ جادّاً على التَّمَسُّكِ به، قويّاً على العمَلِ به، وأعْطيناهُ العِلْمَ والتَّفَقُّهَ في الدين حالةَ كونِهِ صَبيّاً

– 13 – وأعطيناهُ رِقَّةَ قَلْبٍ ورَحْمَةً كائنةً من عِنْدنا، يفيضُ بها على النّاسِ، وأعطيناه نماءً حَسَناً في الجِسْمِ والعِلْمِ والخُلُقِ الحَسَن، وطهارةً في النفْسِ، وخُلوصاً من المعاصي والذنوب، ووُجِدَ حالةَ كونِهِ وَرِعاً عن محارمِ الله، حافظاً نفسَهُ من الذنوب والآثام

– 14 – ووُجِدَ في حياتِهِ حالةَ كونِهِ مُتَوَسّعاً في الإحسانِ إلى والديه، واصلاً لهما، ولم يُوجَدْ في حياتِهِ مُتَكبِّراً، مُسْتعلياً على الناس مُتَسَلّطاً عليهم،خارجاً عن طاعةِ الله، مُخالفاً لأوامرِِهِ

– 15 – وأمانٌ عليه منّا يومَ وُلِدَ، وأمانٌ عليه مِنَا يومَ يموتُ، وأمانٌ عليه منّا يومَ يُبْعَث إلى الحياةِ الآخرةِ حالةَ كونِهِ شهيداً وشاهداً (بَيَّنْتُ في التّحليل اللغوي أنَّ (يحْيَى) اسْمٌ عَلَمٌ ذَكَرَهُ القرآنُ بلغة العَرَب، وذَكُرُ القُرآنُ أنَّ اللهَ تعالى هو الذي سَمَّى ابْنَ زَكَرِيّا (يَحْيَى) أي : ذو الحياة، ويَذكُرُ القُرآنُ أنَّهُ أوَّلُ رجُلٍ سُمِّيَ بهذا الاسم، فلم يُسَمَّ رَجُلٌ قَبْلَهُ (يَحْيى)، قال تعالى : (لم نَجْعَلْ لَهُ من قَبْلُ سَمِيّاً)، وإنّما ذَكَرَ القرآنُ اسْمَ (يَحْيى) بلغة العَرَبِ ولم يذكُرْهُ باسْمِهِ في اللّغاتِ السّاميَّةِ والأوربيّة للدّلالة على معنى يُريدُهُ اللهُ تعالى، وهو الرَّجُلُ الذي يُبْقِيهِ اللهُ حَيّاً، أمّا ما ذَكَرَتْهُ الرّواياتُ الإسلاميّةُ من أنَّ يَحْيى قُتِلَ بقَطْعِ رأسِهِ تنفيذاً لرغبة هيروديا من قِبَلِ المَلِك هيرودس فهو مأخوذٌ من الروايات الإسرائيلية، والقُرآنُ لا يُؤَيِّدُهُ، ومن الجدير بالذِّكْرِ أمورٌ تتَعَلّقُ بـ(يحيى)، الأوّل : أنَّ الله تعالى سَمّاهُ (يحيى) بمعنى : ذو الحياة، أي : الرَّجُلُ الذي يُبقِيه اللهُ حَيّاً، الثاني : أنَّهُ أوَّلُ رجُلٍ سُمِّيَ بهذا الاسم، فلم يُسَمَّ رَجُلٌ قَبْلَهُ (يَحْيى)، قال تعالى : (لم نَجْعَلْ لَهُ من قَبْلُ سَمِيّاً)، الثالث : أنَّ يَحيى وعيسى (عليهما السلام) وُلِدا في سنةٍ واحِدة، الرابع : أنَّ اللهَ تعالى بَشّرَ زَكَرِيا بولادةِ يحيى، وبَشَّرَ مريمَ بولادة عيسى، جاء في (لوقا : 1 : 13 – 15) أنَّ المَلَكَ بَشَّر زَكريّا قائلاً : (وزوجتُكَ إليصابات ستَلِدُ لك ابْنا، وتٌسَمِيه (يوحَنّا)، وسوف يكون عظيماً أمام الربّ ولا يشربُ خمراً ولا مسكراً ويمتليء بالرّوحِ القُدُس وهو بَعد في بَطْنِ أمِّهِ)، وبَشَّرَ المَلاكُ مَرْيَمَ بولادةِ المسيح عيسى بن مريم  في لوقا 1: 31-32 : (و ها أنتِ سَتَحْبَلِينَ وتَلِدِينَ ابناً وتَسَمِّينَهُ يسوع إنهُ يكونُ عظيماً)، وقال الملاك لمريم في بشارته : في لوقا 1: 36 : (وهاهي نَسِيبَتُكِ أليصابات أيضاً قد حَبَلَتْ بابنٍ في سِنِّها المُتَقَدِّمَةٍ وها هو الشَّهْرُ السّادِسُ لتلك التي كانت تُدْعَى عاقْراً، فليس لدى الله وَعْدٌ يَسْتَحِيُل إتمامُهُ)، وهذا يعني أنَّ ولادة يحيى مُعْجِزة، وولادة عيسى مُعْجِزة، الخامسُ : ذَكَرَ القرآنُ أنَّ اللهَ تعالى هو الذي سَمَّى (يحيى) وسَمَّى (عيسى)، السّادسُ : أنَّ اللهَ تعالى بعثَ يحيى وعيسى إلى بني إسرائيل، أحدُهما وهو يحيى في مملكة بني إسرائيل الشّمالية، والآخر وهو عيسى في مملكة إسرائيل الجنوبية، السّابِعُ : أنَّ يحيى وعيسى قد ادّعى بنو إسرائيل فيهما أنّهما قُتِلا، الثّامن : قال تعالى (الآية : 85 من سورة الأنعام : “وزكَرِيّا ويَحْيى وعيسى وإلياس كُلٌّ من الصَالحين” ذَكَرَ مُفَسِّرو الكِتابِ المُقدّس أنَّ (إلياسَ) الذي في القُرآنِ هو (إليَّا) المذكور في أسفارِ التّوراة، وذَكَرَ المُفَسّرون المُسلمونَ قِصّةَ إلياس بما يلي : إنَّ اللهَ سبحانه بَعَثَهُ في بني إسرائيل بعد النبي حزقيل عليه السلام، وكانوا قد عبدوا صنماً يقال له: (بَعْل)، فدعاهم إلى الله، ونَهاهم عن عبادة ما سواه، وكان قد آمَنَ به مَلِكُهم، ثم ارْتَدَّ، واسْتَمَرُّوا على ضلالتهم، ولم يُؤْمِنْ به منهم أحد، فدعا الله عليهم، فحُبِسَ عنهم المطر ثلاث سنين، ثم سألوه أنْ يَكْشِفَ ذلك عنهم، ووعَدُوهُ الإيمانَ به إنْ هم أصابَهُم المَطَر، فدعا الله لهم، فجاءهم الغيثُ، فاسْتَمَرُّوا على أخْبَثِ ما كانوا عليه من الكُفْرِ، فسألَ اللهَ أنْ يَقْبِضَهُ إليه، وكان قد نشأ على يديه (اليسع بن أخطوب) عليه السلام، فأمَرَ إلياسَ أن يَذْهَبَ إلى مكان كذا وكذا، فأيُّ شيءٍ جاءَهُ فلْيَرْكَبْهُ، فجاءته فَرَسٌ من نارٍ، فرَكِبَ، وألْبَسَهُ اللهُ النُّورَ، وكساهُ الرِّيشَ، وكان يَطِيرُ مع الملائكة مَلَكاً إنسيًّا، سماويًّا أرْضيًّا . هذه قِصَّةُ النبي إلياس عليه السلام، رواها ابنُ كثير عن وَهَب بن مُنَبِّه مُخْتَصَرَةً، ورواها الطبري بسياقٍ أطول، وقد عَقَّبَ ابنُ كثير عليها بقوله : هكذا حكاه وَهَبُ عن أهلِ الكتاب، والله أعلم بصَحَّتِهِ، وهذه القِصّة مروية عن أهلِ الكِتاب، ومهما يكُنْ من أمْرِ صِحَّتِها فإنّ اليهود كانوا يعتقدون أنَّ (إليّا) هو يحيى (يوحَنّا)، فقد جاءهُ اليهودُ وسألوه : (مَنْ أنتَ ؟ المسيحُ أم إليّا أم النَّبِيُّ ؟ فاليهودُ كانوا ينتظرون ثلاثة : إليّا والمسيح والنّبيّ، التاسِعُ : أنّ الله تعالى قال في (يحيى) : “وسلامٌ عليه يومَ وُلِدَ ويومَ يموتُ ويومَ يموتُ ويومَ يُبْعَثُ حَيَّاً”، وقال عيسى : “والسّلامُ عليَّ يومَ وُلِدْتُ ويوم أموتُ ويومَ أُبْعَثُ حَيّاً” وهذا دليلٌ على أنَّهما لم يُقْتَلا، أنَّ القرآنَ ذكَرَ أنَّ عيسى بن مريم لم يُقْتَلْ ولم يُصْلَبْ بل رَفعَهُ اللهُ إليه، وهذا يعني حَسَبَ المُقارنَة بين يحيى وعيسى أنَّ يَحْيى لم يُقْتَلْ بل رَفَعَهُ اللهُ إليه، ويَصِلُ المُتَأمِّلُ فيما تَقَدّمَ ذِكْرُهُ أنّ اللهَ تعالى حين يأذَنُ بعودةِ المسيحِ إلى الأرضِ سيكونُ مَعَهُ يحيى بن زكريّا، ليُقيما دولةَ العَدْلِ الإلهي في الأرض) .

المخلص المنتظر

1 – (كهيعص) في محل رفع مبتدأ، والخبر مُقدّر، تقديره : (دِلالةٌ على إنْزالِ القرآنِ بعُلومٍ ومعارِفَ إلهِيَّةٍ، منها عُلومٌ ومعارِفُ إلهِيَّةٌ اخْتَصَّتْ بها آياتُ السُّورَةِ)

– 2 – (ذكرُ) خبر مبتدأ مُقدّر، تقديره : (هذا ذِكْرُ ..)، و(ذِكرُ) مضاف إلى (رحمةِ) من إضافة المصدر إلى مفعوله، وفاعلُهُ مُقدّر، والتقدير : (ذِكْرُنا رَحْمَةَ ..)، والمُراد بـ(رحمة) هنا : إجابةُ الدعاء، فهي من المجاز المُرْسَل، والعلاقة السببيّة، فالرّحمَةُ سببُ إجابة الدعاء، و(رحمة) مضاف إلى (ربّك) من إضافة المصدر إلى فاعلِهِ، و(عبدَه) مفعول به، وهو في الأصل مضاف إليه قام مقام مضاف مُقدّر، وتقدير الكلام : (ذِكرُنا رحمةَ ربِّك إجابةَ دعاءِ عبدِهِ زكريا)، و(زكريا) بدل من (عبده)، والجُملة مُستأنفة لإخبار النبي (ص) بقصّة زكريا

– 3 – (إذْ) ظرف لما مضى من الزمان متعلّق بـ(رحمة)، و(إذْ) مُضاف إلى الجملة (نادى .. خفيّاً)، (نادى) فعل ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (زكريا)، (ربَّهُ) مفعول به، و(نادى) : دعا، (نداءً) مفعول مطلق، (خفياً) صفة له

– 4 – (قال … منّي) مستأنفة في سياق إخبار النبي (ص) بقصّة زكريا، (ربِّ … منّي) مقول القول، (ربِّ) منادى مُضاف إلى ياء المُتكلّم المحذوفة تخفيفاً، وأداة النداء مُقدّرة، (إنّي .. منّي) ما نُودِيَ لأجْلِهِ، (إنّي) (إنَّ) واسمها، (وَهَنَ العظمُ مني) خبر (إنّ)، (وَهَنَ) فعلٌ ماضٍ، (العظمُ) فاعلُهُ، (منّي) مُتعلّقان بمُقدّر حال من (العظم)، ومعنى (وَهَنَ العظمُ مني) : ضَعُفْتُ في الأمْرِ والعَمَلِ والبَدَن، (واشتعلَ .. شيباً) عطف على ما قبلها، (اشتعلَ) فعل ماضٍ، (الرأسُ) فاعلُهُ، (شيباً) تمييز نسبة محوّل عن الفاعل، والجملة كناية عن انتشار الشيب في الرأس، (ولم أكن .. شقياً) حال من ياء المتكلّم في (منّي)، (أكُنْ) مُضارع ناقص مجزوم بـ(لم)، (بدُعائك) مُتعلّقان بـ(شقيّاً)، و(دُعاء) مُضاف إلى الكاف من إضافة المصدر إلى مفعوله وفاعلُهُ مُقدّر، أي : (بدعائي إيّاك) والجار والمجرور متعلقان بـ(شقيّاً) الآتي بعدهما، و(شقياً) خبر (كان) بمعنى (خائباً)

– 5 – (وإنّي … عاقراً) عطف على (إنّي وَهَنَ ..) فهي ضمن مقول القول، (خِفْتُ الموالي ..) خبر (إنَّ)، (خِفْتُ) فعل ماضٍ، والتاء ضمير المُتكلّم فاعلُهُ، (المَوالي) مفعول به، و(خافَ فلاناً، ومنه) : تَوَقَّعَ حصول الشَّرّ منه، و(الموالي) : جمعُ (مَوْلى)، و(المَوْلَى) : مَنْ وَلِيَ أمراً، ومَنْ وَلِيَ شخصاُ في النسَب كبني العم، (من ورائي) متعلقان بما تضمّنه (الموالي) من معنى الفعل، فإنّ المعنى : (الذين يلون أمرَ الدين من بعدي)، (وكانت .. عاقراً) حال من ياء المتكلّم بتقدير (قد)، و(كان) فعل ماضٍ تام، (امرأتي) فاعلُهُ،(عاقراً) حال من (امرأتي)، (فهب .. وليّاً) مرتبطة بما قبلها بالفاء ضمن مقول القول، (هبْ) أمر معناه الدعاء، وفاعلُهُ ضمير المُخاطب مُستتراً، و(وَهَبَهُ الشيءَ) : أعطاهُ إيّاهُ بلا عِوَض، (لي) مُتعلّقان بـ(هبْ)، (من لَدُنْكَ) مُتعلّقان بـ(هَبْ) أيضاً، و(لَدُنْ) ظرف مكان أخصُّ من (عِنْدَ)، (ولياً) مفعول به

– 6 – (يرثني) صفة لـ(ولياً)، (يَرِثُ) مُضارع مرفوع، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (وليّاً)، والنون للوقاية، و(ياء المُتكلّم) مفعول به، وإذا قيل : (وَرِثَ فلانٌ أباه) فالمعنى : وراثَتُهُ في جميع ما تركه أبوهُ، (ويرثُ .. يعقوب) عطف على ما قبلها، (من آل) مُتعلّقان بمُقدّر، والتقدير : (ويَرِثُ جميعَ ما آلَ إليَّ وإلى امْرَأتي من آلِ يعقوب)، والأصل (من إرْثِ آلِ) فحذف المُضاف وأقام المُضاف إليه مقامَه، و(آل) مُضاف إلى (يعقوب)، (واجعله .. رضيّاً) عطف على (هبْ ..)، (اجْعَلْهُ) أمْرٌ بمعنى الدّعاء، وفاعلُهُ ضمير المُخاطب مُستتراً، والهاء مفعول به أوّل، (ربِّ) مُنادى مُضاف إلى (ياء المُتكلّم) المحذوفة تخفيفاً، وأداة النداء مُقدّرة، وجملة النداء مُعترضة، (رضيّاً) مفعول به ثانٍ بمعنى (مرضيّاً)

– 7 – (يا زكريا ..) هذا نداء الملائكة لإبلاغ زكريّا إجابةَ ربِّه دُعاءَهُ، وقبله كلامٌ مُقدّر بما ذُكِرَ في (سورة آل عمران، الآية : 39، وهو قوله تعالى : ” فنادته الملائكة وهو قائم يُصَلّي في المحراب”، وسيتَبَيّنً تقديره في المعنى، (إنّا … سميّاً) مقول قول مُقدّر، تقديره : (قال ربُّكَ : إنّا ..)، (إنّا) (إنَّ) واسمُها، (نُبَشّرُكَ بغُلام ..) خبر (إنَّ)، (نُبَشّرُك) مُضارع مرفوع، وفاعلُهُ ضمير المُتكلّمين مُستتراً، والكاف ضمير المُخاطب مفعول به، (بغُلامٍ) مُتعلّقان بـ(نُبشّرك)، (اسْمُهُ يحيى) جملة اسمية صفة لـ(غلام)، (لم نجعل .. سميّاً) صفة ثانية لـ(غلام)، (لم) حرف جزم ونفي وقلْب، (نجعلْ) مُضارع مجزوم، وفاعلُهُ ضمير المُتكلّمين مُستتراً، (له) مُتعلّقان بـ(سَمِيّاً)، (من قبلُ) مُتعلّقان بـ(نجعل)، وبُنِيَ (قبلُ) على الضّمّ لقَطْعِهِ عن المُضاف إليه مع إرادةِ معناه، ومفعول (نجعل) الأوّل مُقدّر، تقديرُهُ : (أحَداً)، (سَمِيّاً) مفعول به ثانٍ، و(سَمِيُّ الشيء) : مُوافِقُهُ في اسْمِهِ، أو نظيرُهُ

– 8 – (قال … عِتيّاً) مستأنفة ضمن إخبار النبيّ مُحَمّدٍ (ص) بقصّة زكريّا، (ربِّ … عِتِيّاً) مقول القول، وتقدّمَ القولُ في (ربِّ)، (أنّى … عاقراً) ما نُودِيَ لأجلِهِ، (أنَّى) اسم استفهام بمعنى (كيف)، وهو في موضع نصب حال مُقدّم، (يكونُ) فعل مُضارع تام مرفوع، (لي) مُتعلّقان بـ(يكون)، (غلامٌ) فاعلُهُ، (وكانت .. عاقراً) حال من ياء المتكلّم في (لي) على تقدير (قد)، (كانتْ) فعل ماضٍ تام، والتاء الساكنة للتأنيث، (امرأتي) فاعلُهُ، (عاقِراً) حال من فاعل (كان)، (وقد .. عِتيّاً) حال ثانية من ياء المتكلّم في (لي)، (قد) حرف تحقيق يُقرِّبُ الماضي من الحال، (بلغْتُ) فعل ماضٍ، والتاء ضمير المُتكلّم فاعلُهُ، (من الكبر) متعلّقان بـ(بلغْتُ)، و(من) بمعنى التعليل، (عِتيّاً) مفعول به، و(العُتُوّ) هو مُجاوزة الحدّ في الطغيان والاستكبار، وهو هنا بمعنى : تجاوز الحدّ في كبر السنّ، أي : بلوغ حَدِّ ضعف العظام وتصلّب المفاصل

– 9 – (قال كذلك) مستأنفة في سياق إخبار النبي (ص) بقصّة زكريا، وهي بمنزلة الجواب عن سؤال زكريا، وفاعلُ (قال) ضمير عائد إلى (ربّك)، (كذلك) الكاف حرف جر بمعنى (على)، ذَكَرَ هذا المعنى للكاف الأخفش والكوفيّون وابنُ مالك، و(ذلك) اسم إشارة مجرور بالكاف، والجار والمجرور مُتعلّقان بمُقدّر خبر لمبتدأ مُقدّر يدلّ عليه السياق، والتقدير : (أمْرُ خَلْقِ وَلَدٍ من صُلْبك كائنٌ كذلك)، والجملة مقول القول، (قال … هيّن) توكيد لمضمون ما قبلها، (هو) مُبتدأ عائد إلى (أمْرِ خلْقِ وَلَد)، (عليَّ) مُتعلّقان بـ(هَيِّنٌ)، (هَيِّنٌ) خبر، والجملة مقول القول، و(الهَيِّن) : (السّهْلُ اليسير)، (وقد .. قبلُ) مُرتبطة بما قبلها بالواو لتوكيد مضمونها، وهي من مقول القول، وهذا أوْفَق للمعنى من كونها حالاً، (خلَقْتُك) فعل ماضٍ، والتاء ضمير المُتكلّم فاعلُهُ، والكاف مفعول به، (من قبلُ) مُتعلّقان بـ(خلقْتُك)، وبُنِيَ (قبلُ) على الضّمّ لقَطْعِهِ عن المُضاف إليه مع إرادةِ معناه، (ولم .. شيئاً) حال من الكاف في (خلقتك)، (تَكُ) أصله (تكونْ) مُضارع مجزوم بـ(لم)، وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة تخفيفاً، وحُذِفت الواو لالتقاء الساكنين، واسمُهُ ضمير المُخاطب مُستتراً، (شيئاً) خبره

–  10 – (قال .. آية)، مستأنفة في سياق إخبار النبي (ص) بقصّة زكريا، (ربِّ .. آية) مقول القول، وتقدّمَ القولُ في (ربِّ)، (اجْعلْ .. آية) ما نُودِيَ لأجلِهِ، (اجْعَلْ) أمْرٌ بمعنى الدُّعاء، وفاعلُهُ ضمير المُخاطب مُستتراً، ومعنى (اجعلْ) هنا : اصْنَعْ أو أنْشِئْ، (قال … سويّاً) مستأنفة في سياق إخبار النبي (ص) بقصّة زكريا، (آيتُك … سويّاً) مقول القول، (آيتُك) مبتدأ والمصدر المُؤوّل المنفي : (أنْ لا تُكلّمَ ..) خبر المبتدأ، (الناسَ) مفعول به، (ثلاثَ ليال) ظرف زمان مُتعلّق بـ(تُكلّم)، (سَوياً) حال من فاعل (تُكلّم)، و(السَّوِيّ) : الصّحيح الذي لا شذوذَ فيه

– 11 – (فخرج .. المِحراب) مرتبطة بالفاء بسياق إخبار النبي (ص) بقصّة زكريا، وفاعل (خرج) ضمير مُستتر عائد إلى (زكريا)، (على قومِهِ) مُتعلّقان بـ(خرجَ)، (من المحراب) مُتعلّقان بـ(خرجَ) أيضاً، (فأوحى … وعشيّاً) عطف على ما قبلها، (أوحى) فعل ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (زكريا)، و(أوْحى) : أشارَ وأوْمأ، (إليهم) مُتعلّقان بـ(أوحى)، (أنْ) حرف تفسير، (سبحوا .. وعشيّاً) مُفسِّرة لقوله (أوحى)، (سَبَحوا) أمْرٌ مبني على حذف النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، ومفعوله مُقدّر، التقدير : (سبّحوا اللهَ)، والمراد بـ(التسبيح) إذا اقترن بذكر الأوقات : الصلاة، لأنّها تمجيد وتعظيم وتنزيه لله، وكذلك التسبيح، (بُكْرةً) ظرف زمان مُتعلّق بـ(سبّحوا)، و(البُكْرة) : أوّل النهار من الفجر إلى طلوع الشمس، و(العِشاء) : أوّل ظلام الليل، و(العَشِيّ) : الوقت من زوال الشمس إلى المغرب، و(العشيّ) أيضاً : الوقت من صلاة المغرب إلى العَتَمَة

– 12 – (يا يحيى … بقوّة) يدلّ السياق على كلام مُقدّر معطوف على (فخَرَجَ على قومِهِ ..)، وحُذِفَ اختصاراً، والتقدير : (فولدتْ امرأتُهُ ولداً، وأسْماهُ يحيى)، (يا يحيى ..) مقول قولٍ مُقدّر، والتقدير : (وأوْحَيْنا إليه قولَنا : يا يحيى ..)، وهذا الكلام ضمن إخبارِ النبيّ مُحَمّدٍ (ص) بقصّة زكريا، (خُذْ ..) ما نُودِيَ لأجْلِهِ، (خُذْ) أمْرٌ، وفاعلُهُ ضمير المُخاطب مُستتراً، (الكتابَ) مفعول به، والمراد بـ(الكتاب) : التوراة، و(أخَذَ الشيءَ) : لَزِمَهُ وتَمَسَّكَ به، (بقُوّةٍ) مُتعلّقان بمُقدّر حال من فاعل (خُذْ)، أي : (حالةَ كونِكَ جادّاً على التَّمَسُّكِ به، قويّاً على العمَلِ به)، (وآتيناه .. صبياً) عطف على (وأوحينا إليه قولّنا ..)، فهي ضمنَ إخبارِ النبيّ مُحَمّدٍ (ص)، بقصّة زكريا، (آتيناه) فعل ماضٍ، وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، والهاء ضمير مفعول به أوّل عائد إلى (يحيى)، (الحُكْمَ) مفعول به ثانٍ، و(الحُكْمُ) : العِلْمُ والتَّفَقُّهُ في الدين، (صبيّاً) حال من مفعول (آتيناه)

– 13 – (وحناناً) عطف على (الحكمَ)، (من لدنّا) مُتعلّقان بمُقدّر صفة لـ(حنان)، والحنان : رِقَّةُ القَلْبِ والرَّحْمَة، (وزكاةً) عطف على (حناناً)، والزكاة : النماء، والطهارة، والصلاح، والخلوص من الشوائب، (وكان تقيّاً) عطف على (آتَيْناهُ ..)، (كان) فعل ماضٍ تام، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (يحيى)، (تقيّاً) حال من فاعل (كان)

– 14 – (وبَرّاً) عطف على (تقياً)، (بوالديه) مُتعلّقان بـ(بَرّاً)، و(برّاً) بمعنى : (بارّاً)، و(بَرَّ بوالديه) : تَوَسَّعَ في الإحسان إليهما، ووَصَلَهما، (ولم .. عصيّاً) عطف على (وكان ..) (يكنْ) مُضارع تام مجزوم بـ(لم)، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (يحيى)، (جباراً) حال من فاعل (يكن)، (عصيّاً) حال ثانية، و(الجبّار) : المُتكبّر المُتَسَلّط، و(العَصِيّ) : الخارج عن طاعة الله، المُخالف لأوامره

– 15 – (وسلام …  حيّاً) مُرتبطة بـ(إنا نُبَشِّرُك بغلامٍ اسمُهُ يحيى) بالواو ضمن البشارة، (سلام) مبتدأ، وسوّغ الابتداء بالنكرة أنّ فيها معنى الدعاء، و(السلام) هو الأمان، (عليه) مُتعلّقان بمُقدّر خبر المُبتدأ، (يومَ) ظرف زمان متعلّق بما تعلّقَ به (عليه)، وهو مُضاف إلى الجملة (وُلِدَ)، (وُلِدَ) فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير عائد إلى (يَحيى)، وجاء بالفعل في صيغة الماضي لمعنى أنّهُ حاصِلٌ حَتْماً، كأنّهُ إخبارٌ عن حَدَثٍ حاصِلٍ في الزمان الماضي، (ويومَ يموتُ)) عطف على (يومَ وُلِدَ)، (ويومَ يُبْعَثُ حيّاً) عطف على (يومَ وُلِدَ)، (حيّاً) حال من نائب الفاعل، وقد استعمل القرآن (الحياة) لموتِ الشهداء، و(يحْيَى) اسْمٌ عَلَمٌ ذَكَرَهُ القرآنُ بلغة العَرَب، وهو في لُغِتِهم مُحَوَّلٌ من الفِعْلِ المُضارع (يَحْيى) إلى العَلَمِيّة، فهو في لغة العرب ممنوعٌ من الصّرْف للعلميَّة ووزن الفعل المُضارع مِثل (يَشْكُر) عَلَم على رجُل، و(يَسْلَم) عَلَم على رَجُل، وليس اسْمُ (يَحْيَى) أعْجَمِيّاً كما ذَهَبَ إلى ذلك بعضُ اللغويين، وهو في لغات شِبه الجزيرة العربية (اللغات السّاميّة) بهذا الوزن (يَهْيا)، و(يَغْيا)، و(يَوْهَنّا)، وفي الأناجيل (يوحَنّا)، وحُوِّلَ (يَوْهَنّا) إلى (Jone) على اعتبار أنَّ (J) في اللغات الأوربية تُلْفَظُ (ياء)، و(يَحْيَى) في العربيّة ضِدّ (يموت)، فهو من (الحياة) ضِدّ (المَوْت)، فـ(يحيى) عَلَم على رَجُل بمعنى (ذو الحياة)، وهو في اللغات السّامية بهذا المعنى، ويذكُرُ القُرآنُ أنَّ اللهَ تعالى هو الذي سَمَّى ابْنَ زَكَرِيّا (يَحْيَى) أي : ذو الحياة، ويَذكُرُ القُرآنُ أنَّهُ أوَّلُ رجُلٍ سُمِّيَ بهذا الاسم، فلم يُسَمَّ رَجُلٌ قبلَهُ (يَحْيى)، قال تعالى : (لم نَجْعَلْ لَهُ من قَبْلُ سَمِيّاً)، وإنّما ذَكَرَ القرآنُ اسْمَ (يَحْيى) بلغة العَرَبِ ولم يذكُرْهُ باسْمِهِ في اللغاتِ السّاميَّةِ والأوربيّة للدّلالة على معنى مقصود، وهو الرَّجُلُ الذي يُبقِيه اللهُ حَيّاً .