نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
هذه الآيات موعِظَةٌ من اللهِ وذِكرى للشُّعوبِ المظلومةِ المُضْطَهَدَةِ بأنَّ عليهم أنْ يُقاوموا ظُلْمَ الحاكم الظّالم، ولا يَسْتَسْلِمُوا، ولا يَيَأسُوا، ويَصْبِروا على ما يتَعرّضون لَهُ من أنواعِ الظُّلمِ والأذى، ويَصْبِرُوا على مُقاومَتِهم ظُلْمَ الظّالمِ بما يَقْدِرُون عليه من المُقاومَةِ إلى أنْ يأتيهم نَصْرُ اللهِ
وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ ١٢٧ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ ١٢٨ قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ ١٢٩ وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ ١٣٠ فَإِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓۗ أَلَآ إِنَّمَا طَٰٓئِرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ١٣١ وَقَالُواْ مَهۡمَا تَأۡتِنَا بِهِۦ مِنۡ ءَايَةٖ لِّتَسۡحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ ١٣٢ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ ١٣٣ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيۡهِمُ ٱلرِّجۡزُ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَۖ لَئِن كَشَفۡتَ عَنَّا ٱلرِّجۡزَ لَنُؤۡمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرۡسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ١٣٤ فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلرِّجۡزَ إِلَىٰٓ أَجَلٍ هُم بَٰلِغُوهُ إِذَا هُمۡ يَنكُثُونَ ١٣٥ فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ ١٣٦ وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ ١٣٧
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 127 – وقال السادةُ والرؤساءُ حالةَ كونِهِم من قومِ فرعون : هل تَتْرُكُ موسى وقومَهُ بني إسرائيل من غيرِ عِقابٍ، لكي يُفْسِدُوا في أرضِ مِصْرَ بإثارةِ الاضطرابِ والفَوْضَى فيها، وشَقِّ وَحْدَتِكم، وتفريقِ جَمْعِكم، ولكي يَتْرُكَ طاعتَك ويَتْرُكَ عبادةَ آلهتِك التي أمَرْتَ قومَك بعبادتِها ؟ إنّ هذا أمْرٌ لا يجوزُ السكوتُ عليه، قال فرعونُ جواباً لهم : سنُكْثِرُ القَتْلَ في أبنائِهم، ونُذَلِّلُ بعْضَهم باستِعْمالِهم للسُّخْرَةِ والقيامِ بخِدْمَتِنا، ونستبقي نساءَهم لخدمتنا وإشباعِ رَغَباتِنا، وحالُنا أنّنا مُتسلِّطون عليهم بالقُوّةِ، وهم تحتَ سُلطَتِنا مقهورين
– 128 – قال موسى لقومِهِ : اطْلُبُوا العونَ من اللهِ على دَفْعِ بلاءِ فرعون، وعلى الثَّباتِ على المُطالبةِ بحَقِّكم في التَّحْريرِ والانْعِتاقِ من عبوديتِهِ، واصبروا على ما يفعلُهُ فرعونُ وقومُهُ فيكم، وعلى حَقِّكم في التحرير، لأنّ الأرضَ مَمْلُوكَةٌ لله، وليستْ مملوكةً لفرعون، ويُؤكِّدُ ذلك أنّهُ يجعلها تصيرُ للذين يختارُهم من عبادِهِ، ويَجْعَلُهم وارثينَ لها بعد أنْ يُهْلِكَ الظّالمينَ، والخاتمةُ الحَسَنَةُ كائنةٌ للذين يخافونَهُ، ويَسْتَعِينُونَ به، ويَصْبِرونَ على ما يُصيبهم لأجْلِهِ (من مصاديق الخاتمة الحَسَنة النّصْرُ وهلاكُ العَدوّ الظالم)
– 129 – قال بنو إسرائيل ردّاً على كلامِهِ : يا موسى، آذانا فرعونُ وقومُهُ بأنواعِ الأذى من قبلِ إتيانِك إلينا برسالةِ ربِّكَ، ومن بعدِ مَجيئِكَ بها إلى فِرْعَونَ وقومِهِ، فلم يَنْفَعْنا مَجيؤك، ولم يَتَغَيَّرْ حالُنا به، (يَدُلُّ قولُهم على أنّهم يائِسُونَ من التَّخَلُّصِ من فِرْعونَ وقومِهِ)، قال موسى ردّاً عليهم : الرجاءُ المُتَحَقِّقُ من رَبِّكم أنْ يُهْلِكَ عدوَّكم ويَجْعَلَكم خُلفاءَ في الأرضِ من بعدِهِم، فينظرَ أيَّ عَمَلٍ تعملونَهُ من بعدهم (يدلّ معنى هذه الآية، والآية التي قبلها على أنّهُ إذا تَعَرَّضَ المُسلمون في بَلَدٍ من البُلدان الإسلامية إلى ظُلْمٍ واضطهادٍ وأذى من حاكمٍ ظالمٍ وأعوانِهِ، فعليهم أنْ يُقاوموا ظُلْمَ الحاكم الظالم، ولا يَسْتَسْلِمُوا، ولا يَيَأسُوا، ويَصْبِروا على ما يتَعرّضون لَهُ من أنواعِ الظُّلمِ والأذى، ويَصْبِرُوا على مُقاومَتِهم ظُلْمَ الظّالمِ بما يَقْدِرُون عليه من المُقاومَةِ، لأنَّ الرَّجاءَ المُتَحَقِّقَ من الله أنْ يُهْلِكَ عَدُوَّهم الظّالِمَ، وتَوْقِيتُ إهلاكِهِ راجعٌ إليه وحْدَهُ من دُونِ أنْ يَسْتَعِينُوا بأعداءِ الإسلام المُحاربين له، ليُخلِّصُوهُم من ظُلْمِ ذلك الحاكم، ويدلّ جوابُ موسى لبني إسرائيل بالاستعانَةِ بالله والصّبْرِ على ما يَتَعَرَّضُونَ له من أذىً على يَدِ فِرْعَونَ وأعوانِهِ على أنّهُ يحْرُمُ على المُسلمين أنْ يَطْلُبُوا العونَ من أعداءِ الإسلام المُحاربين له، لِتَخْليصِهم من ظُلمِ حاكمِهم وأذاه، لأنّهم لو فعلوا ذلك لجاءَ عَدُوُّهم إلى بلادِهم، ولَتَمَكّنَ منهم ومن بلادهم، ولأدّى ذلك إلى مفاسِدَ عظيمةٍ تُصيبُهم، وتُصيبُ دينَهم، ولَتَضَرَّرَ غيرُهم من المُسلمين في البلدان الأخرى، ويُستفادُ من جوابِ موسى أنَّ الاستعانَةَ بعَدُوِّ الإسلامِ والمُسلمين ذَنْبٌ يُعاقِبُ اللهُ عليه طالبي الاستعانةِ من عَدُوِّ الإسلامِ والمُسلمين، ويكونُ مِقدارُ هذا الذَّنْبِ والعِقابِ عليه بمقدارِ الضَّرَرِ الذي يُصيبُ مصلحةَ المُسلمين، ومصلحةَ الإسلامِ في كُلِّ مكان)
– 130– وأُقْسِمُ على سبيلِ التّوكيدِ لقد عاقَبْنا قومَ فرعونَ الذين آزَرُوهُ على باطِلِهِ بالقَحْطِ والجَدْبِ وقِلّةِ الأمطار والمِياهِ، وبنَقْصِ في طَعامِهم ابتداءً من الثَّمراتِ إلى كُلِّ شيءٍ في طعامِهم بسبب إتلافِهِ بالآفات المُختلفة، لكي يَتَذَكَّروا أنَّ ما أصابَهم بسَبَبِ مُؤازَرَتِهم فرعونَ على تَكْذيبِ موسى، وعَدَمِ الإيمانِ بما جاء به إليهم، ويَتَذكّروا أنَّ اللهَ قادِرٌ على مُعاقَبَتِهم، فيخافوا منه، ويُصَدِّقوا بموسى، وهذا هو المطلوب منهم
– 131 – فإذا جاءتْهم النِّعْمَةُ والخِصْبُ والخيرُ بعد القَحْطِ والجَدْبِ ونَقْصِ الثّمراتِ قالوا : هذه النِّعمةُ لنا وَحْدَنا، نستحقُّها لكونِنا أهلَ مِصْرَ وقومَ فرعون، وإنْ تُصبْهم نِقْمَةٌ من قَحْطٍ وجَدْبٍ وجُوعٍ ونَقْصٍ في الثّمرات يَتشاءَمُوا بموسى والذين آمنوا معه، (أي : يَعُدُّون وجودَهم بينَهم شُؤْماً عليهم)، انْتَبِهُوا، إنّما أسبابُ شُؤْمِهم عندَ الله، لأنّ شُؤْمَهم بسببِ تكذيبِهم بموسى، وليس بسببِ موسى والذين معه، ولكنَّ أكثرَهم لا يَعْلَمُون هذه الحقيقة
– 132 – وقالوا لموسى : أيُّ شيءٍ تأتِنا به حالةَ كونِهِ علامةً وحُجَّةً على نُبُوَّتِك، لكي تُمَوِّهَ علينا وتَخْدَعَنا بها فلسْنا بمُصدِّقين لك
– 133 – فبِسَبَبِ تَكْذِيبِهم بموسى، وإصرارِهم على جُحُودِ نُبُوّتِهِ سَلَّطْنا عليهم الفيَضانَ العظيمَ الذي أغْرَقَهم، وأهلَكَ كثيراً منهم، (يجوز أنْ يكونَ المُرادُ به فَيَضانُ نهرِ النِّيل)، وسَلَّطْنا عليهم الجرادَ الذي أتْلَفَ مزروعاتِهم، والقُمَّلَ الذي يَلْتَصِقُ بأجسادِهم ويَمْتَصُّ دماءَهم، والضَّفادِعَ التي مَلأت بيوتَهم وطُرُقاتِهم وشاركَتْهم طعامَهم ومضاجِعَهم، والدّمَ الذي يرونَهُ في طعامِهم وشرابِهم، حالةَ كون ذلك كُلّهِ علاماتٍ وحُجَجَاً واضحاتٍ، مفصولاً بعضُها عن بعضٍ، تدلُّ على أنَّ ما أصابَهم بسَبَبِ مُؤازَرَتِهم فرعونَ على تكذيبِ موسى، وعدم الإيمانِ بما جاءَ به إليهم، وعلى أنَّ اللهَ قادِرٌ على مُعاقَبَتِهم، فامْتَنعوا عن قَبُولِ الحَقِّ الذي جاءهم به موسى مُعانَدَةً وتَكَبُّراً، وكانوا قوماً مُقترفين جنايةَ تكذيبِ رسولِ اللهِ إليهم، وجحودِ نُبُوّتِهِ
– 134 – ولمّا وَجَبَ عليهم العذابُ واسْتَحَقَّ، ونَزَلَ بهم (المُرادُ بـ(العذاب) : الطّوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم)، قالوا : يا موسى، نسألُكَ انْ تَدْعُوَ لأجْلنا ربَّكَ بالذي ألقاهُ عليك من العهْدِ وأوصاكَ بحفْظِهِ ليَكْشِفَ عنا العذابَ، نُقْسِمُ لك على سبيلِ التّوكيدِ لئنْ كَشَفَ عنا العذابَ لَنُصَدِّقنَّ بك، ولَنُطْلِقَنَّ معك بني إسرائيل من نِيرِ الاسْتِخْدامِ وذُلِّ العُبُودِيَّةِ
– 135 – فدعانا موسى لكَشْفِ العذابِ عنهم، فكَشَفْناهُ، فلمّا كَشَفْنا عنهم العذابَ إلى مَوْعِدٍ هم واصلون إليه فالمفاجأةُ هم ينقُضُون عَهْدَهم الذي عاهَدُوا موسى عليه بالتَّصْدِيقِ به، وتَحْريرِ بني إسرائيل وإرسالِهم مَعَهُ
– 136 – فلمّا نَكَثُوا عَهْدَهم عاقبْناهم، فأغْرَقْناهُم في البَحْرِ بسَبَبِ تَكْذِيبِهم بحُجَجِنا وعلاماتِنا التي أيّدْنا بها موسى، وبسَبَبِ كونِهم تاركين لها إهمالاً من غيرِ نِسْيانٍ لِعَدَمِ الاهْتِمامِ بها
– 137 – وجَعَلْنا القومَ الموصوفين بأنّهم الذين كان فرعونُ وقومُهُ يُذِلّونَهم ويُسَخِّرونَهم لقضاءِ مصالِحِهم يَرِثون المُدُنَ والأمْكِنَةَ التي تَقَعُ إلى شَرْقِ أرضِ بيتِ المقدس وغَرْبِها التي جَعَلْنا فيها الخيرَ والبَرَكةَ بعد هلاكِ فرعونَ والذين آزَروه من قومِهِ (يُرادُ بها فلسطين وبلادُ الشّامِ، ويَدُلّ النَّظْمُ على أنّ هذه البُلدان والأماكنَ كانت تحتَ سيطرةِ فِرْعَونَ)، وكَمُلَ وتَحقَّقَ وَعْدُ ربِّك لموسى الذي هو إحْدى الحُسْنَيين، وهو الظّفَرُ والنَّصْرُ على عدوِّهم، ووَصَلَ وعْدُهُ إلى غايتِهِ بإهلاكِ فرعونَ والذين آزَرُوهُ من قومِهِ بسَبَبِ صَبْرِهم على أذى فِرعونَ وقومِهِ، وأبَدْنا وخَرَّبْنا كلَّ شَيءٍ يَصْنَعُهُ فرعونُ وقومُهُ فيما مَضَى إلى وَقْتِ هلاكِهم، وكُلَّ شيءٍ كانوا يَرْفُعُونَهُ على عُرُشٍ من الخَشَبِ من بساتينِ الكُرُومِ وأصْنافِ الأعنابِ، والذي كانوا يَرْفَعُونَهُ من الأبْنِيَةِ والقُصُورِ ذاتِ السُّقُفِ المرفوعَةِ .