نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن

(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)

وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَٰهُمۡ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ٦٥ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ ٦٦

المعنى في ضوء التحليل اللغوي :

65 – ولو ثَبَتَ أنَّ أهلَ الكتابِ (أي : اليهودِ والنصارى) صَدَّقوا بنُبُوّةِ رسولِ الله مُحَمّدٍ، وبالقرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه، وخافوا اللهَ في إنكارِ نُبوَّتِه، وإنكارِ ما أُنْزِلَ إليه لَعفَوْنا عنهم، وغَفَرْنا لهم سيئاتِهم، ولأدْخَلْناهم جناتِ النّعيم

– 66 – ولو ثَبَتَ أنّ أهلَ الكتابِ عَمِلُوا بالتّوراةِ والإنجيلِ، وعَمِلوا بما أُنْزِلَ إليهم من ربِّهم بواسطةِ أنبيائِهم من الوصايا والمواعِظِ والمعارِفِ الإلهيّةِ التي تُهَذِّبُ نفوسَهم، وتُطَهِّرُهم من سوءِ الأخلاق لانتفعوا بخيراتِ السماءِ والأرض (أي : بالمَطَرِ النازِلِ من السّماء، الذي يتسَبّبُ في إخراجِ خيراتِ الأرضِ، وبأنواع الخيراتِ الخارجَةِ من الأرضِ بسَبَبِ المَطَرِ، ويَدُلُّ المعنى على أنَّهُ لو صَدّقَ أهلُ الكتابِ من اليهود والنصارى برسولِ الله مُحَمّدٍ، وبالقُرآنِ الذي أُنْزِلَ إليه، وعِمِلوا بالتوراةِ والإنجيل، وعملوا بما أُنْزِلَ إليهم من ربّهم بواسطةِ أنبيائهم لزالتِ الحُروبُ الدّامِيَةُ المُدَمّرةُ بين أُمّة الإسلام وأُمَم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وبزوالِ الحُروبِ التي تُدَمِّرُ الإنسانَ والحيوانَ والزرعَ والمصانِعَ والمساكِنَ والبِنَى التَّحْتِيَّةَ يَعُمُّ الخيرُ في بُلْدان الطرفين، وتزدادُ أصنافُ الأرزاق فيها، وتَتَوَسّعُ الخيراتُ، ويَعُمُّ الرّخاءُ فيها، ولا يبقى فقيرٌ أو مُحتاجٌ فيها، ولتوقّفَتْ المُؤامراتُ بين الطّرفَيْنِ، وتوقَّفَ مَكْرُ وكَيْدُ كُلِّ طَرَفٍ بالآخر، وحُلَّتْ طوابيرُ الجواسيس في كُلِّ طَرَفٍ لانتفاءِ الحاجَةِ إليها، فتتوفّر بذلك أموالٌ كثيرةٌ كانتْ تُنْفَقُ على ذلك، ويَنْتَفِعُ بها شعوبُ الطَّرَفَيْنِ، ولزالَ الظُّلْمُ من أحدِ الطرفين لآخر، وبزوالِ الظُّلْمِ الذي يَمْقُتُهُ اللهُ تعالى يجعلُ اللهُ السَّماءَ والأرضَ تزيدُ خيراتِها للنّاسِ والحَيَوَان)، من  اليهودِ والنصارى جماعةٌ مُعْتَدِلةٌ، تُؤْمنُ بنُبُوّةِ رسولِ اللهِ مُحَمّدٍ، وتُؤمِنُ بأنّ القرآنَ كتابُ اللهِ أنزلَهُ إلى رسولِهِ مُحَمّدٍ مُصدّقاً للتوراة والإنجيل، وكثيرٌ منهم مذمومٌ كُلُّ الذّم الذي يَعْمَلُونَهُ .

المسجد النبوي

65 – (ولو … النعيم) مرتبطة بالواو بسياق ما تقدّم للالتفات إلى أهل الكتاب بأمْرٍ لم يذكره تعالى في هذه السورة، (أنَّ) حرف توكيد ونصب ومصدر، (أهلَ) اسم (أنَّ)، وهو مُضاف إلى (الكتاب)، (آمنوا) خبر (أنَّ)، والمصدر المُؤوّل (أنَّ أهل الكتاب آمنوا) في محلّ رفع فاعل لفعل مُقدّر بعد (لو)، والتقدير : (ولو ثَبَتَ أنّ ..)، (واتَّقوا) عطف على (آمنوا)، (لكفَّرنا .. سيِّئاتهم) جواب (لو)، (كفّرْنا) فعل ماضٍ، وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، (عنهم) مُتعلّقان بـ(كفّرنا)، (سيّئاتهم) مفعول به، و(كفَّرَ اللهُ عنه الذنب) : غفرَ له، (ولأدخلناهم .. النعيم) عطف على جواب (لو)، (أدْخَلْناهم) فعل ماضٍ وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، والضمير (هم) مفعول به أوّل، (جنّاتِ) مفعول به ثانٍ مُضاف إلى (النعيم)

– 66 – (ولو … أرجلهم) عطف على (ولو ..)، (أنّهم) (أنَّ) واسمها، وضمير الغائبين عائدٌ إلى (أهل الكتاب من اليهود والنصارى)، (أقاموا التوراة) خبر (أنّ)، (والإنجيلَ) عطف على (التوراة)، والمصدر المُؤوّل (أنَّهم أقاموا ..) في محلّ رفع فاعل لفعل مُقدّر بعد (لو)، والتقدير : (ولو ثَبَتَ أنّهم ..)،  ويُقال : (أقام الشرع أو الدين) : عَمِلَ بأحكامِهِ، (وما) موصول عطف على (التوراة والإنجيل)، (أُنْزِلَ .. ربّهم) صلة (ما)، (أُنْزِلَ) فعل ماضٍ مبني للجهول، ونائب الفاعل ضمير عائد إلى (ما)، (إليهم) مُتعلّقان بـ(أُنْزِلَ)، (من ربّهم) مُتعلّقان بـ(أُنْزِلَ) أيضاً، والمُراد بـ(ما أُنْزِلَ ..) : البِشارةُ بخاتم الرُّسُل مُحَمَّدٍ، والعَهْدُ الذي أخَذَهُ اللهُ عليهم بواسطة أنبيائهم بالتصديق بنُبُوّةِ خاتم الرُّسُلِ وبالكتابِ الذي يُنْزِلُهُ إليه حين يَبْعَثُهُ، (لأكلوا .. أرجلهم) جواب (لو)، (أكلوا) فعل ماضٍ، (واو الجماعة) فاعلُهُ، (من فوقِهم) مُتعلّقان بمُقدّر صفة قامت مقام المفعول به المُقدّر، (ومن تحتِ) مُتعلّقان بمُقدّر عطف على (من فوقهم) و(تحت) مُضاف إلى (أرْجُلهم)، والمُراد بـ(أكلوا من فوقهم ومن تحتِ أرجلهم) : انتفعوا بخيراتِ السماءِ والأرض، (منهم .. مُقتصدة) مستأنفة في سياق ما قبلها، (منهم) مُتعلّقان بمُقدّر خبر مُقدّم، (أُمّةٌ) مبتدأ مؤخّر، (مُقتصدة) صفة لـ(أمة)، و(مُقتصدة) : (مُعتدلة)، (وكثيرٌ .. يعملون) عطف على (منهم أمة)، (كثيرٌ) مبتدأ، (منهم) مُتعلّقان بـ(كثير)، (ساء ما يعملون) خبر المُبتدأ، وتقدّمَ القولُ في مثلها .