نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرٗا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُمٞۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ ٣٦ إِنَّمَا ٱلنَّسِيٓءُ زِيَادَةٞ فِي ٱلۡكُفۡرِۖ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُۥ عَامٗا وَيُحَرِّمُونَهُۥ عَامٗا لِّيُوَاطُِٔواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُيِّنَ لَهُمۡ سُوٓءُ أَعۡمَٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٧
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 36 – وقالوا حينَ أمَرْتَهم بالخُروج إلى تَبوك لقتالِ الروم : لولا أجّلْتَ الخُروجَ إلى تَبُوك إلى فَصْلٍ يَعْتَدِلُ فيه الجَوُّ، قُلْ : إنّ مِقدارَ عَدَدِ الشُهورِ القَمَرِيَّةِ في حُكْمِ اللهِ وقضائِهِ اثنا عشر شهراً، صِفَتُها أنَّها ثابِتَةٌ في نِظامِ اللهِ وتقديرِهِ في الكونِ يومَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرضَ، صِفَتُها أيضاً أنّ منها أربعةَ أشْهُرٍ حُرُمَاً، حَرَّمَ اللهُ فيهِنَّ أنْ يُقاتِلَ بعْضُكم بعضاً (الأشْهُرُ الحُرُمُ في أصَحّ الأقوال هي : ذو القعدة، وذو الحجة، والمُحرّم، ورجب)، ذلك الذي ذكرتُهُ من عَدَدِ الشُّهورِ القمَريّةِ، وعَدَدِ الأشهر الحُرُمِ هو الحِسابُ المُستقيمُ الذي ليس فيه أدْنَى خَطَأ، فإذا عَرَفْتُم ذلك فلا تَحْمِلوا أنْفُسَكم على تجاوُزِ نظامِ اللهِ وتقديرِهِ في الكونِ، فتُعَرِّضُوا أنْفُسَكم لعقابِ الله (يدلُّ المعنى على أنّهم يُعرِّضون أنفُسَهم لعقابِ اللهِ بسَبَبِ عَدَمِ اسْتجابَتِهم للرَّسولِ بالخُروجِ إلى تَبُوك، وطَلَبِهِم تأخيرَ الخُروجِ إلى تَبُوك إلى فَصْلٍ يعْتَدِل فيه الجو، ويَدُلُّ المعنى أيضاً على أنّ اللهَ قَدّرَ أنْ تكونَ أشهرُ السَّنَةِ القَمَرِيّةِ تدورُ، فيقعُ الحَجُّ أو الصومُ تارَةً في الصَّيفِ، وتارةً في الرَّبيعِ، وتارةً في الشِّتاءِ، هذا هو نظامُ اللهِ وتقديرُهُ في الكون، فلا يُوَقّتُ اللهُ أحكامَهُ حين يأتي الشَّهْرُ في فصلٍ مُعَيّن، فلا يُوَقِّتُ اللهُ الصومَ مثلاً حين يأتي شهرُ الصومِ في فصل مُعتدل)، وقاتِلوا المُشركين الذين يُقاتلونكم حالةَ كونِكم مُجتمعينَ غيرَ مُتَفَرِّقِينَ قِتالاً مِثْلَ قِتالِهم لكم حالةَ كونِهم مجتمعين غير متفرقين، واعلموا أنّ اللهَ يكونُ مع الذين يخافونَهُ بطاعتِهِ وطاعةِ رسولِهِ بالنُّصْرَةِ والغَلَبَةِ والظَّفَر (يدلّ معنى الآية على أنّ بعضَ الفرائضِ مُوَقّتة بأشْهرٍ قِمِرِيَّةٍ، وهذا يَدُلُّ على أنّ توقيتَها يكونُ واحداً لكُلِّ المُسلمين، وهذا يَقْتَضِي أنْ تكون بدايةُ الشَّهْرِ القَمَرِيّ واحدةً لكُلِّ المُسلمين في جميعِ أنحاءِ الأرضِ، لأنّ اللهَ وَصَفَ عددَ الأشْهرِ القَمَرِيَّةِ، ونظامَها بأنّهُ هو الحِسابُ المُستقيمُ الذي لا خطأ فيه، وقد جَعَلَ اللهُ نظامَ الأشْهُرِ القَمَرِيَّةِ حساباً لا خطأَ فيه، لكي تُضْبَطَ بالتأريخ القمري الفرائضُ، والمُعاملاتُ الاقتصاديةُ والمُعاهداتُ والاتّفاقاتُ التجاريةُ والسياسيةُ، والأحداثُ السّياسيةُ والاجتماعيةُ، والمُناسباتُ الدّينيةُ والأعيادُ في جميع أنحاءِ الأرض، وهذا يعني أنّ هِلالَ أولِ الشهر القمري يكون واحداً لجميع المُسلمين في الأرض، ليكون التأريخُ واحداً للمسلمين ولغيرهم حيثُما وُجِدوا، وما يعْمَلُ به المُسلمون اليوم من جَعْلِ بعضِهم لنفسِهِ بدايةَ الشهرِ القمري مُختلفةً عن بقيّةِ المُسلمين مُخالفٌ لنظام الله وتقديرِهِ في الأشْهُرِ القَمَرِيَّةِ، وفيه ترْكٌ لحسابِ اللهِ المُستقيم الذي لا خَطأ فيه إلى الحساب البشري الذي يحتملُ الخطأ، تعالى الله وتَنَزّهَ عمّا يفعلون)
– 37 – إنّما تأخيرُ الشَّهْرِ الحرامِ الذي يَحْرُمُ فيه القِتالُ إلى شَهْرٍ ليس من الأشْهُرِ الحُرُمِ يَجعلونَهُ بَدَلاً من الشَّهْرِ الحَرامِ زِيادَةٌ في الجُحُودِ للهِ ونظامِهِ وتقديرِهِ في الكونِ بجَعْلِهِ عدَدَ شهور السَّنَةِ القَمَرِيَّةِ اثني عشَرَ شهراً، وجَعْلِهِ إيّاها ثابتَةً في نظامِهِ وتقديرِهِ، وجَعْلِهِ أرْبَعةَ أشْهُرٍ منها حُرُماً بتَعْيِينِها وتَسْمِيَتِها لهم، لأنّ كُبراءَ الكافرين ورؤساءَهم وأشرافَهم الذين كفروا باللهِ يَجْعَلُونَ الذين كَفَرُوا ضالّينَ عن نظامِ اللهِ وتقديرِهِ في الأشْهرِ القمَريّةِ الذي هو الحِسابُ المُستقيمُ الثابتُ في حُكْمِ اللهِ وقضائِهِ، لأنَّ كُبراءَهم ورُؤساءَهم وأشرافَهم يُحِلّونَ لهم تأخيرَ الشَّهْرِ الحَرامِ الذي يَحْرُمُ فيه القتالُ إلى شَهْرٍ ليس من الأشهرِ الحُرُم في عام، ويُحَرِّمونَهُ عليهم في عامٍ آخر، لكي يَتَوافَقُوا على عَدَدِ الأشْهُرِ الأربعة التي جَعَلَها اللهُ حُرُماً في السّنة القَمَريّة، فيُحِلّوا القتالَ لذي حَرَّمَهُ اللهُ في الشّهْرِ الحرام (أي : كان كُفّارُ قُريش إذا احتاجوا إلى القتالِ في شهرٍ حرامٍ لا يحِلُّ لهم فيه القتالُ أخّروا الشَّهرَ الحرامَ إلى شهْرٍ آخر من أشْهُرِ السّنة القمريّة ليس من الأشهر الحُرُم، وجعلوه بَدَلَ الشّهْرِ الحرام، فيُحِلّون القتالَ في الشَّهرِ الحرامِ، ويُحِرّمونَه في الشهْرٍ الذي جعلوه بدلاً منه، ويقولون : شهرٌ بشهرٍ، يفعلون ذلك في عام، ويُحَرّمون في عامٍ آخر تأخيرَ الشَهْرِ الحرام الذي أحلّوا تأخيرَهُ في العام الذي قبله، فمثلاً : يُؤخّرون المُحَرّم الذي هو من الأشهُرِ الحُرم إلى شَهْرِ صَفَر، فيُحلّونَ القتالَ في المُحَرّم، ويُحرّمونه في صَفَر، ويقولون شهرُ صَفَر بدَلَ المُحَرّم، يفعلونَ ذلك في عام، ويُحِرّمونَ تأخيرَ المُحَرّم في عامٍ آخر، ويُؤخّرون شهر رَجَب الذي هو من الأشْهُرِ الحُرُم إلى شهرِ شعبان في عام، فيُحِلّون القتال في رَجَب، ويُحِرّمونَهُ في شعبان، ويُحرّمون تأخيرَ رَجَب في عامٍ آخر، ويُؤخّرون شهرَ ذي القِعْدَة الذي هو من الأشْهُرِ الحُرُم إلى شهرٍ ليس من الأشْهُرِ الحُرُم في عام، فيُحِلّون القتال في ذي القِعْدة، ويُحِرّمونَهُ في الشهرِ الذي يجعلونه بدلاً من شهر ذي القِعْدة، ويُحرّمون تأخيرَ ذي القِعْدة في عامٍ آخر، ويُؤخّرون شهرَ ذي الحِجّة الذي هو من الأشْهُرِ الحُرُم إلى شهرٍ ليس من الأشْهُرِ الحُرُم في عام، فيُحِلّون القتال في ذي الحِجّة، ويُحِرّمونَهُ في الشهرِ الذي يجعلونه بدلاً من شهر ذي الحِجّة، ويُحرّمون تأخيرَ ذي الحِجّة في عامٍ آخر، يفعلون ذلك ليَتوافقوا على عدد الأشْهُرِ الأربعة التي جَعَلَها اللهُ حُرُماً، وإنّما كان هذا الفعلُ زيادةً في الجُحودِ لله، لأنّهم أوّلاً جَحَدوا وَحدانيّةَ الله، وجعلوا له شُركاء، ثُمّ زادوا على ذلك جحودَهم نظامَ اللهِ وتقديره في الكون، ويدلُّ المعنى على أنّ اللهَ تعالى أراد بذكر النَّسِيءِ أنْ يُبَيّن للمُسلمين أنّ تأخيرَ الطّاعةِ أو العبادةِ المفروضةِ المُوَقَّتَةِ في شهرٍ من الأشْهُرِ القَمَرِيّة إلى شهْرٍ آخر، أو طَلَبَ تأخيرِ أمْرٍ من اللهِ ورسولِهِ بالقيام بطاعةٍ أو عبادةٍ أو جهادٍ في شَهْرٍ من الأشْهُرِ القمرية إلى شهْرٍ آخر زِيادةٌ في الجُحودِ لنظامِ الله، أي : إذا قضَى اللهُ طاعةً أو عبادةً أو تكليفاً واجباً في شهْرٍ من أشْهُرِ السّنةِ القَمَريّةِ، فلا يجوزُ لهم تأخيرُ ذلك إلى شهرٍ يجعلونه بدلاً من الشّهْرِ الذي قضى فيه ذلك، ولأنّ بعضَ المُسلمين جَحَدوا أولَ الأمْرِ أمْرَ اللهِ ورسولِهِ بالخروج إلى قتالِ الروم في تبوك، فيكونُ طَلَبُهم تأخيرَ الخروجِ إلى قتالِ الرّوم في تبوك إلى شهرٍ يكونُ فيه الجوّ مُعتدلاً زيادةً في الجحودِ لنظامِ الله وتقديره في الكون)، زَيَّنَ لهم شياطينُ الإنسِ من رُؤسائهم وكَهَنَتِهم الذين تَمَرّسوا في الإفسادِ والإغواء أعمالَهم السّيّئةَ في النسيء، وَجَعَلوها حَسَنَةً لهم، فأزلّوهم عن نظامِ اللهِ وتقديرِهِ وحُكْمِهِ، واللهُ لا يهدي القومَ الجاحدين وحدانيّتَهُ ونظامَهُ في الكون .
Photo by Jose Aragones from Pexels