نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن

(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)

سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١ وَءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلٗا ٢ ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا ٣ وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ٤ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا ٥ ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا ٦ إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُ‍ُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا ٧ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا ٨

المعنى في ضوء التحليل اللغوي :

1 – أقْرَأُ السُّورَةَ بالاسْتِعانَةِ باللهِ المَوْصُوفِ بأنّهُ الرَّحمنُ الذي أتْقَنَ برَحْمَتِهِ خَلْقَ كُلِّ شيءٍ لأداءِ وَظيفَتِهِ التي خَلَقَهُ لأدائِها، المَوْصُوفِ بأنَّهُ الرَّحِيمُ الذي جَعَلَ وَظيفةَ كُلِّ شيءٍ خَلَقَهُ في حُدُودِ قُدْرَتِهِ واسْتِطاعَتِهِ، تَنَزَّهَ تَنْزِيهاً عن كُلِّ نَقْصٍ اللهُ الذي جَعَلَ عَبْدَهُ مُحَمّداً يَسِيرُ ليلاً ابْتداءً من مكّةَ المُكرّمَةِ انتهاءً إلى المَسْجِدِ الأقصى، الموصوفِ بأنّهُ المكانُ الذي جَعَلْنا الأمْكِنَةَ المُحيطةَ بجِهاتِهِ مَحَالَّ للخيرِ الثّابِتِ الدّائِمِ بإرادَتِنا وعِنايتِنا، لكي نَجْعَلَهُ (أي : مُحَمَّداً) بتَدْبِيرٍ وعِنايَةٍ مِنّا يَعْلَمُ علاماتٍ ودلائِلَ كائِنةً من علاماتِنا ودلائِلِنا على أنّهُ الرَّسُولُ الذي خَتَمَ اللهُ بهِ الرُّسُلَ جميعاً، وعلى أنَّ وَعْدَ اللهِ بجَعْلِ الإسلامِ ظاهِراً على الأديان كلّها، غالباً عليها حَقٌّ لا شَكَّ فيه، يُؤكِّد أنّ هذا كائنٌ أنَّ اللهَ عظيمُ السَّمْعِ لكُلِّ قَوْلٍ يُقالُ في الأرضِ، وأنّهُ عظيمُ البَصَرِ يَرَى كُلَّ شيءٍ يَحْدُثُ في الأرض، فيُبطِلُ ما يُريدُهُ النّاسُ ويُحقّقُ إرادتَهُ فيها (يدلُّ قولُهُ : “من المسجِدِ الحرامِ إلى المسجِدِ الأقصى” على أنَّ المُسلمينَ سَيَمْلِكُونَ المنْطَقةَ الجغرافيةَ بين المَسْجِدِ الحَرامِ والمَسْجدِ الأقصى وما حولَهُ، وعلى أنّ الرسولَ مُحَمّداً وأُمّتَهُ أحقُّ بالمَسْجِدِ الأقصى بدلالةِ انْتِهاءِ الإسراءِ به إليه، كما أنَّهم أحَقُّ بالمَسْجِدِ الحَرامِ بدِلالة ابتداءِ الإسراء به منه، ويَدُلُّ قولُهُ : ” لنُريَهُ من آياتنا” على أنَّهُ تعالى يُعْلِمُهُ في رِحْلَتِهِ هذه الأحداثَ التي ستحدثُ في المنطقةِ الجغرافيةِ بينَ المَسْجِدِ الحَرامِ والمَسْجدِ الأقصى وما حولَهُ، وتَنْتَهِي بتَحْقيقِ وَعْدِ الله بجَعْلِ الإسلامِ ظاهراً على الأديان كلّها، غالباً عليها)

– 2 – وآتَيْنا موسى الشريعةَ من الفرائضِ والأحكامِ والوصايا التي تَضَمّنها كتابُ التّوراةِ، وجَعَلْناهُ هادياً لبني إسرائيل إلى دينِ التّوحيدِ، أي : قُلْنا لهم فيه : لا تَتّخِذوا سوايَ وكيلاً يقومُ مَقامِي في نفْعِكُم وضَرِّكم، ومُعْتمَداً تُفوِّضون أموركم إليه

– 3 – وخَصَصْنا بالهِدايةِ إلى دينِ التَّوْحِيدِ ذُرّيّةَ إبراهيمَ الذي حَمَلْنا آباءَهُ مع نُوحٍ، إنّهُ كانَ عَبْداً كثيرَ الشُّكْر للهِ بتَمْجِيدِهِ وتَعْظِيمِهِ وإخلاصِ العبادةِ له وَحْدَهُ (يدلُّ المعنى على أنّ ذُرّيّةَ إبراهيمَ الذين خَصَّهم اللهُ بالهدايةِ إلى دينِ التوحيد هم يعقوبُ بنُ إسحاق بنُ إبراهيم وذُرّيّتُهُ الذين اصطفاهم لحَمْلِ رسالةِ التوحيد، وإسماعيلُ بنُ إبراهيم وذُرّيّتُهُ الذين هداهم إلى دين التّوحيد، واصطفى منهم رسولَهُ مُحمّداً لحَمْلِ رسالةِ التَّوحيدِ إلى النّاسِ جميعاً)

– 4 – وأوْصَلْنا إلى بني إسرائيلَ شأنْهم الذي يكونُ مِنْهم حتْماً في المُستقبل، وأبْلَغْناهم إيّاهُ في الصُّحُفِ التي أوحيناها إلى أنبيائهم (أي : أسفارَ التَّوراة)، أي : قلنا لهم فيها : نُقْسِمُ قَسَمَاً مُؤكَّداً لتُفْسِدُنَّ في الأرضِ الواقعةِ بينَ المَسْجِدِ الحرامِ والمَسْجِدِ الأقْصَى مَرَّتَينِ (الفعلُ (لَتُفْسِدُنَّ) بهذه الصيغة فيه دلالتان، الأولى : توكيدُ حصولِ الفِعْلِ، والثاني : وُقُوعُهُ في المُسْتَقْبَلِ، وقد أفْسَدوا في المَرّةِ الأولى في أرْضِ مَهْجَرِ رسولِ الله مُحَمّدٍ (ص) التي سُمّيتْ بـ(أرضِ المدينة) بجُحودِ نُبوّتِهِ، وإنكارِ أنّ القرآنَ مُنْزَلٌ إليه من الله، ونقضِ العهود التي أخَذَها الرسولُ (ص) عليهم، وصَّدِّ النّاسِ عن الدّين الذي جاءّ به من الله، والإساءَةِ إلى الإسلام والمُسلمين، والتّحالُفِ مع مُشركي العرب ضدّهُ وضِدّ المُسلمين، وإثارةِ الفتَنِ والحُروبِ عليهم، وتَدْبِيرِ المُؤامراتِ لقتله (ص)، وأفْسَدوا في المرّةِ الثانية في أرض مَسْرَى رسولِ اللهِ مُحَمّدٍ، وهي أرضُ المسجدِ الأقصى وما حولَها)، ونُقْسِمُ قَسَمَاً مُؤكَّداً لتَتَكَبَّرُنَّ وتَتَجَبَّرُنَّ تَكَبُّراً وتَجَبُّراً كثيراً في إفسادِكم في المَرّةِ الثانية (الفعلُ (لَتَعْلُنَّ) بهذه الصيغة فيه دلالتان، الأولى : توكيدُ حُصُولِ الفِعْلِ، والثاني : وقوعُهُ في المُستقبل، وقد أفْسَدوا في المرّةِ الثانية في أرض مَسْرَى رسولِ اللهِ مُحَمَّدٍ، وهي أرضُ المسجدِ الأقْصَى وما حولَها ببَسْطِ سُلطانِهم على تلك الأرضِ باستعمال القُوّةِ والإرهابِ وإخْراجِ أهْلِها من ديارِهم، وقَتْلِ الرِّجالِ والنساءِ والأطفالِ، وتخريبِ الدِّيارِ و قَطْعِ الأشجارِ، والسَّيْطَرَةِ على مصادر المال العام ليكونَ النّاسُ مُحتاجين إليهم حتى وصَلَ بهم العُتُوّ إلى درجةَ التَّحَكُّمِ في مصائرِ النّاسِ وأموالِهم، فيخافُهم القاصي والدّانِي، ولا يأمَنُ شرَّهم ملوكُ الدُّولِ ورؤساؤها، فينقادون إليهم خوفاً على أنفُسِهم، وطَمَعاً في البقاءِ في كراسيهم، ويَصِلُ بهم العُلُوُّ إلى درجةِ أنّهم يستبيحون المَسْجِدَ الأقصى فيتَجَرَّؤون على الله ويتَعَرّضون إلى سَخَطِهِ)

– 5 – فإذا حَدَثَ وَعْدُ المَرّةِ الأُولَى بوقوعِ الفسادِ منكم وتَحَقَّقَ سَلَّطْنا عليكم عباداً موصوفين بأنَّنا اخْتَصَصْناهم لنا، موصوفينَ بأنَّهم أصحابُ قوةٍ وبَطْشٍ شديدٍ في الحرب (يدلُّ المعنى على أنَّهم المُؤمنون برسولِ اللهِ مُحَمّدٍ، وبالكِتابِ الذي أنْزَلَهُ إليه)، وإرسلناهم ووَجَّهْناهم إليكم بتَدْبِيرِنا، فوَطِئُوا ديارَكُم ودَخَلُوها، فأخْرَجوا بعضَكم منها صاغرين، وقتلوا آخرين، وهذا الأمْرُ حاصِلٌ في المُستقبل حتماً، كأنّهُ أمْرٌ قد حَدَثَ في الماضي، فلا مجالَ للتشكيك به، ويُؤكِّد حصولَ هذا الأمْرِ أنّه وُجِدَ في قضاءِ اللهِ في اللّوحِ المحفوظ حالةَ كونِهِ وَعْداً نافذاً لا خُلْفَ فيه (لقد تحقّق ما أخبرتْ بهِ الآيات الكريمة في يهود بني قينقاع، وبني النضير، وبني قُريظة، ويهود خيبر)

– 6 – ثمَّ أعَدْنا لكم الدولةَ والغَلَبَةَ والقَهْرَ عليهم (أي : على المُؤمنين برسولِ اللهِ مُحمّدٍ، وبالكِتابِ الذي أنْزَلَهُ إليه) بَعدَ زَمَنٍ من إخراجِهم إيّاكم من ديارِكم في المدينة، وقَتْلِهم بعضَكم، وزِدْناكم بالأموال والرِّجال المُقاتلين، وصَيَّرْناكم أكثرَ أنصاراً، وهذا الأمْرُ حاصِلٌ في المُستقبل حتماً، كأنّهُ أمْرٌ قد حَدَثَ في الماضي، فلا مجالَ للتشكيك به (صدق اللهُ، لقد حَصَلَ ما أخبرتْ به الآيةُ بعد حوالي ألف وأربعمائة سنة على نُزولها، فبعدَ أنْ كانت الدولةُ والغَلَبَةُ لعبادِ اللهِ على بني إسرائيل في المدينة المُنَوَّرَةِ، عادتْ الدّولةُ والغَلَبَةُ لبني إسرائيل في أرضِ فلسطين وما حولها من بلاد الشّام عليهم، وصارُوا أصحابَ أموالٍ كثيرةٍ، حتى صارُوا يَتَحَكَّمُونَ في اقتصادِ العالم كيفما شاؤوا، وتَدَفَّقَ عليهم الرِّجالُ والأنصارُ من كُلِّ مكانٍ في العالَم، فصارَ لهم من المُقاتِلينَ والأنصارِ عددٌ كبيرٌ، إنّ هذا كُلَّهُ قد تَحَقَّقَ لبني إسرائيل على المُؤمنين برسولِ اللهِ مُحمّدٍ، وبالكِتابِ الذي أنْزَلَهُ إليه في عصرنا الحاضِرِ، ولم يَتَحَقَّقْ شيءٌ منه لهم على نبوخذنصّر وجيشِهِ، كما جاء في روايةِ ابنِ إسحاق، فلم يُحدثنا التّأريخ عن دولةٍ أو غَلَبَةٍ كانت لبني إسرائيل على البابليين)

– 7 – إنْ فَعَلْتُم إلى النّاسِ ما هو حَسَنٌ نافِعٌ فَعَلْتُم الحَسَنَ النافِعَ لأنفُسِكم، وإنْ فَعَلْتُم ما هو قبيحٌ ضارٌّ بالنّاسِ من أفعالِ الشَّرّ فعَمَلُكم القبيحَ الضّارَّ بالنّاسِ كائنٌ على أنْفُسِكُم، (أي : يُشينُها ويَضُرُّها)، فإذا حَدَثَ وَعْدُ المَرّةِ الآخِرة، (وهي المرةُ الثانيةُ لوقوعِ الفساد منهم) وتَحَقَّقَ سَلَّطْنا عليكم أولئك العِبادِ الذين سَلّطْناهم عليكم وَقْتَ وقوعِ الفسادِ منكم في المرّة الأولى، ووَجَّهْناهم إلى ديارِكم بإرادتنا وعنايتنا، وسيكونُ مصيرُ ومآلُ أفعالِهم أنْ يَجْعَلُوا السُّوءَ بادِياً في وجوهِكم في المرحلةِ الأولى من أفعالِهم، وأنْ يَدْخُلوا المَسْجِدَ الأقصى دخولاً مِثْلَ دُخُولِهم إيّاهُ أوّلَ مَرّةٍ، وأنْ يُدَمِّروا كُلَّ شيءٍ غلبوا عليه، ويُحِيلُونَهُ إلى حُطامٍ مُتكسِّرٍ في المرحلة الثالثة من أفعالهم (أي : يُحيلونه إلى حُطامٍ مُتَكَسِّرٍ بحَرْبٍ شديدةٍ لا تُبْقِي ولا تَذَر)

– 8 – إنْ تَكُفُّوا عن الإفسادِ، وتُحْسِنُوا إلى النَّاسِ بأفعالِ الخير فالرجاءُ المُتحقّقُ من ربّكم أنْ يرْحَمَكُم بقبولِ توبتكم، وتوفيقِكم إلى الاستقامةِ في أعمالِكم، وإنْ تَعُودُوا إلى الإفسادِ نَعُدْ إلى عِقابكم بتَسْلِيطِ أولئك العِبادِ الذين سَلّطْناهم عليكم وقتَ وقوعِ الفساد منكم في المرة الأولى والثانية، وصَيَّرْنا جَهَنّمَ في الآخِرَةِ للذين يَجْحَدُونَ نعمةَ الله، ويكفُرونَ برسولِهِ مُحَمّدٍ، وبما أُنزِل إليه حابِساً لهم مانِعاً من الحَرَكة .

إلى المسجد الأقصى

1 – (سبحان … آياتنا) ابتدائية لبيان أمْرٍ يتعلّق بحالِ المُسلمين ومُسْتقبلِهم مع اليهود، (سُبْحانَ) مفعول مطلق بمعنى (تنزيهاً)، وفعلُهُ محذوف في كلام العرب، وهو مضاف إلى (الذي) من إضافة المصدر إلى فاعله، و(الذي) في الأصل صفة للفظ الجلالة قامتْ مقامَهُ، أي : (سُبحانَ اللهِ الذي)، (أسْرى بعبدِهِ ليلاً ..) صلة (الذي)، (أسْرَى وسَرَى) بمعنى واحد، يُقال : (سَرى وأسْرى به ليلاً) : جَعَلَهُ يسيرُ فيه، (بعبده) متعلقان بـ(أسرى)، والمُراد بـ(عبده) : (مُحَمّدٌ) (ص)، (ليلاً) ظرف يدلّ على زمان حصول الفعل، وهو متعلق بـ(أسرى) أيضاً، (من المسجد) متعلّقان بـ(أسرى) أيضاً، و(من) بمعنى ابتداء الغاية، (الحرام) صفة لـ(المسجد)، والمُراد بـ(المسجد الحرام) : (مكّة)، (إلى المسجد) مُتعلّقان بـ(أسرى) أيضاً، و(إلى) تدل على انتهاء الغاية، (الأقصى) صفة لـ(المسجد)، والمُراد بـ(المسجد الأقْصى) : (بيتُ المَقدس)، (الذي) موصول صفة لـ(المسجد الأقصى)، (باركنا حولَهُ) صلة (الذي)، (بارَكْنا) فعلٌ ماضٍ، وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، (حولَهُ) ظرف مكان مُتعلّق بـ(باركنا) بمعنى : الأمكنة المحيطة بجهاته، والبركة اسم عامٌّ للخير الثابت الدائم، ولام التعليل في (لنُرِيَهُ) متعلّق بـ(أسرى)، (نُرِيَهُ) مُضارع منصوب بعد لام التعليل، وفاعلُهُ ضميرُ المُتكلّمين مُستتراً، والهاء ضمير مُتَّصِل في محلّ نصب مفعول به، و(لنُرِيَهُ) : لنَجْعَلَهُ يَعْلَمُ، (من آياتنا) مُتعلّقان بمُقدّر صفة للمفعول به الثاني لـ(نُرِيَهُ) قامتْ مقامه، والتقدير : (آياتٍ كائنةً من آياتنا)، وانتقلَ السياقُ من أسلوب الغَيْبة إلى التكلم للدلالة على أنّ البركة حصلت في هذه الأمكنة بعناية الله وتدبيره، وأنّ رؤيةَ الآيات كانت بتدبير اللهِ نفسِهِ لغَرَضٍ مُهِمٍّ يرتبط ُبالإسلامِ وأمّتِهِ، وذكرَ مكان ابتداء الإسراء ومكان انتهائه ليُحقّق معنى عظيماً يرتبط بالنبيّ محمد (ص) وأمّتِهِ، (إنّه .. البصير) توكيد لمضمون ما قبلها

– 2 – (وآتينا .. الكتاب) مرتبطة بسياق ما قبلها بالواو، (آتينا) فعل ماضٍ وضميرُ المُتكلّمين فاعلُهُ، (موسى) مفعول به أوَّل، (الكتابَ) مفعول به ثان، والمُرادُ به : الشريعةُ من الفرائضِ والأحكامِ والوصايا التي تَضَمّنها كتابُ التوراة، (وجعلناه .. إسرائيل) عطف على ما قبلها و(جَعَلَ) يتعدى إلى مفعولين، الهاء مفعوله الأوّل، و(هُدىً) مفعوله الثاني، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، كما يقال : هذا رجلٌ عدلٌ أي عادل، (لبني) مُتعلّقان بـ(هُدى)، و(بني) مجرور بالياء لأنَّه مُلْحَق بجمع المُذكّر السالم، وهو مُضاف إلى (إسرائيل)، وحُذِفت نون (بنين) لأضافته، (ألاّ … وكيلاً)، (أنْ) مُفسِّرة، (لا تتّخذوا .. وكيلاً) تفسير لما قبلها، و(لا) ناهية جازمة، (تتّخذوا) مُضارع مجزوم بحذف النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، (من دوني) مُتعلّقان بـ(تتّخذوا)، (وكيلاً) مفعول به، و(الوكيل) هنا الذي ينوب عن غيرهِ في أداءِ عَمَلِهِ

– 3 – (ذريةَ) منصوب على الاختصاص، فهو مفعول به لفعل مُقدّر، تقديره : (وخصَصْنا بالهدايةِ إلى دين التوحيد ذُرّيّةَ ..)، (مَنْ) موصول مضاف إليه، وكنّى به عن (إبراهيم)، (حَمَلْنا) صلة الموصول، ومفعولُهُ محذوف مع العائد إلى الموصول بدلالة السياق، وتقديره : (آباءه)، ( إنّهُ .. شكوراً) مستأنفة في سياق ما قبلها، والضمير في (إنّه) عائد إلى (مَنْ)

– 4 – (وقضينا … مَرَّتَيْنِ) مرتبطة بما قبلها بالواو، (قضينا) فعل ماضٍ وضميرُ المُتكلّمين فاعلُهُ، (إلى بني) مُتعلّقان بـ(قضينا)، و(بني) مُضاف إلى (إسرائيل)، و(قَضَى إليه) : أنْهى إليه امْرَهُ، أي : أوْصَلَ إليه شأنَهُ الذي يكون عليه، وأبْلَغَهُ إيّاه، وإسنادُ (قَضَى) إلى الله تعالى يعني : إبلاغهم بالوحي إلى أنبيائِهم، (في الكتاب) جار ومجرور متعلقان بـ(قضينا)، و(الكتاب) : الصُّحُف التي أوحاها اللهُ إلى أنبيائهم، والمُرادُ : أسفارُ التوراة، (لتُفسِدُنّ .. مرّتين) تفسير لـ(قضينا ..)، واللام في (لَتُفْسِدُنَّ) واقعة في جواب قَسَمٍ مُقدّر، (تُفْسِدُنَّ) مُضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال، (واو الجماعة) المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعلُهُ، والضمّةُ فوقَ الدال دليلٌ على (واو الجماعة) المحذوفة، و(النون المُشدّدة) نون التوكيد الثقيلة، والفعل مُؤكد بتوكيدين : لام القَسَم في أوّلِهِ والنون الثقيلة في آخرِهِ، والفعل بهذه الصيغة فيه دلالتان، الأولى : توكيدُ حصولِ الفِعْل، والثاني : وقوعُهُ في المستقبل، (في الأرض) مُتعلّقان بـ(تُفْسِدُنَّ)، والألف واللام في (الأرض) للتعريف، أي : الأرض الواقعة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، (مرّتين) مفعول مطلق مُبيّن لعدد مرّات حصول الفعل قبله، وهو قرينة على أنّ الفسادَ يقعُ منهم مرّتين في هذه الأرض، وفي زَمَنَيْنِ، (ولَتَعْلُنَّ) عطف على (لَتُفسدُنَّ) ومثلها في القول، (عُلُوَّاً) مفعول مطلق مُبيِّن لنوع الفعل قبله، (كبيراً) صفة لـ(عُلُوّاً)، و(علا فلانٌ في الأرض) : تكَبَّرَ وتَجَبَّرَ، وأفْرَدَ العُلوّ للدلالة على أنّ (العُلُوّ) سوف يكون كبيراً في المَرّةِ الآخِرَة

– 5 – (فإذا … شديدٍ) مرتبطة بما قبلها بالفاء، (إذا) ظرف لما يُستقبل من الزمان يتضمّن معنى الشرط، (جاءَ وَعْدُ أولاهما) جملة الشرط بإذا، (جاءَ) فعلٌ ماضٍ، و(جاءَ الأمْرُ) : حَدَثَ وتَحَقَّقَ، (وَعْدُ) فاعلُهُ مضاف إلى (أُولاهما)، أي : أولى المَرّتَيْنِ، (بعثنا … شديدٍ) جواب (إذا)، (بَعَثْنا) فعل ماضٍ، وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، وفي التعبير (بعثنا عليكم ) معنى التوجيه والإرسال مع التسليط، (عباداً) مفعول به، (لنا) مُتعلّقان بمُقدّر صفة لـ(عباداً)، واللام بمعنى الاختصاص، وليس صحيحاً أنْ يكون المرادُ بـ(عباداً لنا) : نبوخذنُصَّر وجنودُهُ الكُفّار كما روى محمد بن إسحاق، واعتمدَ المفسّرون على روايتِهِ في تفسير الآية، (أُولي) صفة ثانية مُضاف إلى (بأسٍ)، (شديد) صفة لـ(بأسٍ)، و(البأس) : الشدّة في الحرب، (فجاسوا .. الديار) عطف بالفاء التي بمعنى الترتيب على جواب (إذا)، (جاسوا) فعل ماضٍ، (واو الجماعة) فاعلُهُ، وفي (جاسوا) معاني (وطِئوا) و(توسّطوا) و(دخلوا)، قال أبو عُبَيد : كُلُّ مَوْضِعٍ خالطْتَهُ ووَطِئْتَهُ فقد جُسْته، وفي (جاسوا) معنى (قتلوا) أيضاً، قال الزجَّاج في كتابه (معاني القرآن وإعرابه) : “فجاسوا خلال الديار” أي فطافوا خلالَ الديار ينظرون هل بَقِيَ أحَدٌ لم يقتلوه، فالفعل (جاس) يتضمن كل هذه المعاني، (خلالَ) ظرف مكان مُتعلّق بـ(جاسوا)، وهو مُضاف إلى (الديار)، (وكان وعداً مفعولاً) مرتبطة بما قبلها بالواو لتوكيد مضمونها، و(كان) فعل تامّ، وفاعلُهُ ضمير مستتر عائد إلى ما تقدّم ذكره من الوَعْد، (وَعْداً) حال من فاعل (كان)، (مفعولاً) صفة له

– 6 – (ثم … عليهم) مرتبطة بما قبلها بـ(ثم) التي فيها معنى التراخي في الزمن، (رَدَدْنا) فعل ماضٍ، وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، (لكم) مُتعلّقان بـ(ردَدْنا)، والضمير في (لكم) لخطاب بني إسرائيل، (الكَرَّةَ) مفعول به، وهي واحدةُ (الكَرّ)، وهي مَصْدر (كَرَّ يكرُّ) بمعنى (رَجَعَ)، ثمّ اسْتُعْمِلَتْ تعبيراً عن الدولة والقهر والغَلَبَة، (عليهم) مُتعلّقان بـ(رَدَدْنا) أيضاً، والضمير في (عليهم) عائد إلى (عباداً لنا)، و(أمدَدْناكم بأموال وبنين) عطف على ما قبلها، (أمْدَدْناكم) فعل ماض وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، والضمير (كم) مفعول به، و(أمَدَّ الشيءَ) : زادَ فيه، (بأموال) مُتعلّقان بـ(أمْدَدْناكم)، (وبنين) عطف على (أموال)، (وجعلناكم أكثر نفيراً) عطف على ما قبلها، (جعلناكم) مثل (أمْدَدْناكم)، (أكثرَ) مفعول به ثانٍ، (نفيراً) تمييز، و(النفير) : الرجال الذين ينصرون صاحبهم وينفرون معه، وقد جاءت الأفعال في هذه الآية وهي (رددنا، أمددناكم، جعلناكم) بصيغة الماضي والمراد وقوعها في المستقبل للدلالة على حتمية وقوعها في المستقبل كما هي طريقة القرآن في الإخبار عن أمر حتمي الوقوع في المستقبل

– 7 – (إنْ … فلها) معترضة وسط الكلام، (أحسنتم) جملة الشرط، و(أحْسَنَ) : فعلَ ما هو حَسَنٌ نافِعٌ، (أحسنتم لأنفسكم) جواب الشرط، (وإنْ أسَأْتُم فلها) عطف على ما قبلها، (أسأتُم) مثل (احسَنْتُم) في القول، و(أساء) : فَعَلَ ما هو قبيحٌ ضارٌّ، وفعَلَ ما يُشينُهُ ويَضُرُّهُ، والفاء في (فلها) واقعة في جواب الشرط، (لها) مُتعلّقان بمُقدّر خبر لمبتدأ مُقدّر، والتقدير : (فإساءتُكم لها)، واللام بمعنى (على)، (فإذا … وجوهكم) عطف على (فإذا جاء وعدُ ..)، وتقدّم القول في مثلها، (وَعْدُ الآخرة) بمعنى : وَعْدُ المَرّةِ الآخرة، وهي المرّة الثانية، وجواب (إذا) مُقدّر بدلالة السياق، والتقدير : (فإذا جاء وَعْدُ الآخرةِ بعثنا عليكم أولئك العباد)، واللام في (لِيَسوؤوا) لام المآل والصيرورة التي ينتصبُ بعدها المُضارع، وهي مُتعلّقة بـ(بعثنا) المُقدّر، (يسوؤوا) مُضارع منصوب بحذف النون بعدَ لام المآل، ودلالة الفعل معها تختص بالزمن المستقبل، (واو الجماعة) فاعلُهُ، (وجوهَكم) مفعول به، والكاف في (وجوهكم) عائد إلى بني إسرائيل المُخاطَبين بهذه الآيات، ومعنى (يسوؤوا) : يجعلوا السوء بادياً في وجوههم، و(السوء) يكون ظاهراً في وجه الإنسان بسبب الحُزْن أو الألم أو الشعور بالخزي، أو بسبب الفضيحة، ولذلك سُمّيت العورة (سوْأة) وجُثّة الميت إذا تعفّنت (سوْأة)، (وليدخلوا) عطف على (ليسوؤوا) ومثلها في القول، (المسجدَ) مفعول به، (كما دخلوه)، الكاف صفة قامت مقام مفعول مطلق مقدّر، و(ما) مصدرية، و(أوّلَ) ظرف زمان متعلق بالفعل (دخلوه)، وهو مُضاف إلى (مَرَّة)، وفيه دلالة على أنّ عبادَ الله يدخلون المسجدَ الأقصى مرّتين، الأولى قبل إفساد المرة الثانية، ويدخلونَهُ مرّةً ثانية بعدها، (وليُتَبّروا .. تتبيراً) عطف على (ليسوؤوا)، و(يُتَبِّروا) بمعنى : يُدمّروا ويُحطِّموا، ولكنها أخصّ في الدلالة على تحطيم الشيء وإحالتِهِ إلى فُتاتٍ مُتكسّر، ولذلك سُمّي كُلُّ شيءٍ مُتكسِّر من الزجاج والحديد والذهب (تِبْراً)، و(ما) نكرة موصوفة بمعنى (شيء)، (عَلوا) صفة لـ(ما)، (علوا) فعل ماضٍ، (واو الجماعة) فاعلُهُ، والعائد إلى (ما) مُقدّر، والتقدير : (عَلَوْهُ)، و(عَلَى الشّيء) : غَلَبَ عليه، و(واو الجماعة) في الأفعال (لِيَسوؤوا) و(ليدخلوا) و(دخلوه) و( لِيُتَبِّروا) و(عَلَوا) عائد إلى (عباداً لنا)، فيكون فاعل هذه الأفعال وفاعل (جاسوا) الذي تقدّم واحد، والأفعال المُقترنة بلام المآل أو الصيرورة قد ترتّبت على النحو التالي  أولاً: (ليسوؤوا)، وثانياً : (ليدخلوا المسجد)، وثالثاً (ليُتبِّروا)، وفي هذا الترتيب دلالة على أنّ فاعلي هذه الأفعال يقومون بها على ثلاث مراحل

– 8 – (عسى .. يرحمكم) يدلّ قوله : (وإنْ عُدّتم عُدْنا) على أنّ (عسى) مُقيّدة بشرط مُقدّر، ويُمكن تقديره : (إنْ تكفّوا عن الإفسادِ، وتُحْسِنُوا إلى الناس بأفعال الخير فعسى ..)، والجملة مستأنفة في سياق ما تقدّم، و(عسى) من أفعال الرجاء، (ربّكم) اسمُها، (أنْ يرحمكم) في تأويل مصدر خبرها، وإسناد الرجاء إلى (ربّكم) يُفيد تحقّقه من قبله، (وإنْ … عُدْنا)  عطف على ما قبلها، (عُدْتُم) جملة الشرط، (عُدْنا) جواب الشرط، ومُتعَلّق فعلِ الشرط وجوابه مُقدّران، (وجعلنا … حصيراً) مرتبطة بما قبلها بالواو، (جعلنا) فعل ماضٍ وضميرُ المُتكلّمين فاعلُهُ، (جهنّمَ) مفعول به أول، (للكافرين) مُتعلّقان بـ(حصيراً)، (حصيراً) مفعول به ثانٍ، (والحصير) : الحابِسُ المانِعُ من الحركة .