نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوٓاْ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ يَمۡكُرُونَ ١٠٢ وَمَآ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ ١٠٣ وَمَا تَسَۡٔلُهُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٤ وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ ١٠٥ وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ ١٠٦ أَفَأَمِنُوٓاْ أَن تَأۡتِيَهُمۡ غَٰشِيَةٞ مِّنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوۡ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ١٠٧ قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨ وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ١٠٩ حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيَۡٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ١١٠ لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ١١١
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 102 – ذلك الذي قَصَصْتُهُ عليك – يا مُحَمّدُ – من خَبَرِ يوسُفَ كائنٌ من أخبارِ ما غابَ عن قومِكَ وعن الذين سألوكَ أنْ تُخْبِرَهم خَبَرَ يوسُفَ حالةَ كونِهِ نُلقِيهِ إليك بواسطةِ مَلَكِ الوَحْي (أي الأخبار التي غابتْ عنك وعن قومِكَ)، ويُؤكِّدُ ذلك أنّك ما كُنْتَ حاضِراً عِنْدَهم حينَ أحْكَمُوا أمْرَهم على إلقاءِ يُوسُفَ في قَعْرِ البِئْرِ حالةَ كونِهم يَكِيدُون لَهُ، ويَحْتالُونَ على أبيهم، (يَدُلُّ المعنى على أنّ الذين سألوا النبيَّ مُحَمّداً (ص) عن خَبَرِ يوسُف هم أحبارُ اليهودِ وعلماؤهم، سألوهُ ذلك لكي يُقيموا الدليلَ على أنّ مُحَمّداً (ص) ليس نبيّاً، فقَصَّ اللهُ عليه خبرَ يوسُفَ بتفاصِيلِهِ الدقيقةِ، لكي يكونَ ذلك دليلاً وحُجّةً على أنّ مُحَمّداً (ص) رسولُ اللهِ، يُوحِي اللهُ إليه هذا القرآن)
– 103 – وليس أكثرُ عُلماءُ اليهودِ وأحبارُهم – ولو اشتَدَّتْ رغْبَتُكَ في إيمانِهم بنُبُوَّتِك وبالقرآنِ الذي أنْزَلَهُ اللهُ إليك – مُصدِّقينَ بنُبُوّتِكَ وبالقرآنِ الذي أنْزَلَهُ اللهُ إليك
– 104 – وما تَسْتَعْطِيهم أيَّ أجْرٍ على تَبْلِيغِكَ إيّاهم القُرآنَ المُنْزَلَ إليك من اللهِ، فيكونُ ذلك الأجْرُ سَبَباً في عَدَمِ إيمانِهم بنبوّتِك وبالقُرآنِ الذي أُنْزِلَ إليك، لأنّهُ (أي : القرآن) ما هو إلا موعِظَةٌ وتَذْكِرَةٌ للعالَمينَ تَدْعُوهُم إلى التّفَكُّرِ في حُجَجِ اللهِ الدّالّةِ على وحدانيّتِهِ، وصِدْقِ نُبُوَّةِ رسولِهِ مُحَمّدٍ
– 105 – وكثيرٌ من حُجّةٍ بيّنةٍ كائنةٍ في السّماواتِ والأرضِ دالّةٍ على قُدْرِةِ اللهِ يَجُوزُونَ عليها بالمُشاهَدَةِ حالةَ كونِهم مُنْصَرِفِينَ عن التَّفَكّرِ فيها معَ تكرارِ ذلك في حياتِهم (يدلُّ النّظْمُ على معنى أنَّ التَّفَكُّرَ في حُجَجِ اللهِ الدّالّةِ على قُدْرَتِهِ يقودُهم إلى الوُصولِ إلى أنَّ اللهَ قادِرٌ على أنْ يُرْسِلَ رسولاً إليهم، ولكنَّهم يَنْصَرِفُونَ عن التّفَكُّرِ في ذلك تكبُّراً ومُعاندةً عن قَبُولِ الحَقِّ، ويَدُلُّ المعنى على : فإذا عرَفْتَ ذلك فلا تحزَنْ إنْ لم يُؤمِنُوا بنًبًوَّتِكَ، وبما أُنْزِلَ إليك)
– 106 – وما يؤمنُ أكثرُهم (أي : أكثرُ اليهود) باللهِ إلا حالةَ كونِهم مُشركين باللهِ غيرَهُ في الطاعة (يَدُلُّ المعنى على أنّهم يَجْعَلُونَ أحبارَهم وعُلماءَهم ورُؤساءَهم شُركاءَ للهِ في الطاعة، ومعنى الآية عامٌّ وإنْ نَزلَ في اليهودِ الموجودين في المدينة زمَنَ الرّسولِ، فهو يَعُمُّ اليهودَ وغيرَهم من المُؤمنين بالله، ومن الأمثلة على ذلك : بعضُ المؤمنينَ يجعلونَ أشْخاصَاً من المُؤْمِنين الصّالحين شُركاءَ مع اللهِ في قَضاءِ حوائِجِهم، ودَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُم، وجَلْبِ الخيرِ لهم، ويَعْتَقِدونَ أنَّهم واسِطَةٌ بينَهُم وبينَ الله، فيَدْعُونَهُم بأسمائِهم مُتَوَسّلين بهم أنْ يسألوا اللهَ لقضاءِ حوائِجَهم، وبعضُ المؤمنينَ يَجْعَلُون عُلماءَهم شُركاءَ للهِ في الطّاعَةِ، ويجعلونَ أعمالَهم في العِبادةِ في عُنُقِ العالِمِ، ويَعْتَقِدُون أنَّ أعمالَهم باطِلَةٌ إذا لم يُجيزُها العالِم، فإذا رأى العالِمُ أمْراً اتّبعوه وإنْ ظَهَرَ لهم بالحُجّةِ الواضحةِ أنّ رأيَهُ غيرُ صوابٍ، وبعضُ المُؤمنين باللهِ يَجْعَلُونَ شَهَوَاتِهِم وحُبَّهُم للدُّنيا شريكةً مع اللهِ في الاتّباعِ والطَّاعَةِ، وبعضُ المؤمنين باللهِ يَطْلُبُون العِزّةَ عندَ غيرِ اللهِ، فيجعلون الذين يَبْتَغُونَ العِزّةَ عندَهم شُركاءَ مع اللهِ، وبعضُ المؤمنين بالله ينتصرون بالكافرين، ويستعينون بهم على بلوغِ مقاصدِهم، فيجعلون الكافرين شركاءَ مع الله في طَلَبِ العون، وغير ذلك من الأمثلة)
– 107 – فهل أمِنَ هؤلاءِ من أنْ تأتيَهم نازلَةٌ من الشّرِّ كائنةٌ من عذابِ الله تَغْشاهُم ؟! (أي : هل اطْمَأنّوا ولم يخافُوا من نُزُولِ عقوبةٍ عليهم بسَبَبِ جَعْلِهم شُركاءَ مَعَ اللهِ في الطَّاعَةِ، ويُصَدِّقُ هذا المعنى أنّ أكثرَ المُسلمين في وَقْتِنا الحاضِرِ يَعُمُّهُم الشّرُّ بسَبَبِ شِرْكِهم بالله وهم لا يَشْعُرونَ)، أو هل اطْمَأنّوا ولم يخافُوا من أنْ تأتِيَهم ساعةُ يومِ القيامةِ حالةَ كونَها مُفاجِئَةً لهم من غيرِ إنذارٍ أو علامةٍ سابقةٍ، وحالُهم أنّهم لا يَعْلَمونَها آتيةً إليهم، ليَسْتَعِدُّوا لها ؟!
– 108 – قُلْ – يا مُحَمَّدُ – لَهُم : هذِهِ حُجَّتِي التي تَدُلُّ على كونِي رسولَ اللهِ إليكم (وهي القرآنُ الذي يُوحيه اللهُ إليَّ) وحالي أنّي أدْعُو إلى توحيدِ اللهِ، وحالي أنّي على عِلْمٍ ويَقِينٍ وحُجّةٍ واضِحةٍ ممّا أدعو إليه، والذين اتَّبَعُوني وسارُوا على طريقِي ومِنْهاجِي في الدَّعْوةِ إلى توحيدِ الله على عِلْمٍ ويقينٍ وحُجّةٍ واضِحةٍ ممّا أدعو إليه، وأُنَزِّهُ اللهَ تنْزِيهاً من أيِّ شريكٍ، وما أنا من المُشركين مع اللهِ أحَداً في الطّاعَةِ
– 109 – وما أرْسَلْنا من قَبْلِكَ إلا رِجالاً مِثلَكَ صِفَتُهم أنّنا نُوحِي إليهم ما نُريدُ تبليغَهُ إلى النّاسِ، وحالُهم أنَّهم من أهْلِ المُدُن (أي : كانوا يعيشون مع النّاس الذين أرسلْناهم إليهم في مُدِنِهم، ولم يكونوا نساءً ولا ملائكةً ولا جِنّاً)، فكذّبوهم، فأهْلَكْناهُم بسَبَبِ تَكْذِيبِهم، فإنْ كانوا (أي : هؤلاء اليهود الموجودون في المدينة) يُكَذّبون بنُبُوّتِكَ وبما أُنْزِلَ إليك فلماذا لَمْ يَسِيرُوا في الأرضِ ويَتَعَرَّفُوا إلى أخبارِ الذين كَذّبوا الرُّسُلَ من قَبْلِهِم، فيَتَأمَّلُوا ويَتَبَصّرُوا على أيِّ حال حَصَلَتْ نهايةُ المُكذّبينَ الذين مَضَوا من قَبْلِهِم، ليتّعظوا بذلك ويأخذوا منه العِبْرة ؟ وأُؤكِّدُ أنّ دارَ الحياةِ الآخرةِ خيرٌ للذين يخافونَ اللهَ بتَصْدِيقِهم بكَ وبالقرآنِ الذي أُنْزِلَ إليك من دارِ الحياةِ الدنيا، فلماذا لا يُدْرِكونَ هذهِ الحقيقة ؟
– 110 – ودامَ الذين كَذّبوا رُسُلَهم على تَكْذِيبِهم، ولم يُؤمِنوا بنُبُوَّتِهم وبما أُنْزِلَ إليهم إلى أنْ اقْتَرَبَ الرُّسُلُ من اليأسِ من إيمانِ الذين أُرْسِلوا إليهم، وإذا اقْتَرَبَ الرُّسُلُ من اليأسِ من إيمانِ الذين أُرْسِلوا إليهم، وعَلِمُوا أنَّهم قد كذَبهم أقوامُهم، ولم يُصَدِّقوا بنُبُوّتِهم جاء الرُّسُلَ نَصْرُنا بإنزالِ العذابِ على الذين لم يُصَدّقوا بنُبُوّتِهم، فنُنَجّي الذين نريدُ نجاتَهم بما عَلِمْنا من إيمانِهم، ونُهلكُ المُكذّبين، ويُؤكِّدُ ذلك أنّهُ لا يَرُدُّ أحَدٌ شِدّةَ عذابِنا عن القومِ الذين ارْتَكَبُوا تكذيبِ الرُّسُل
– 111 – وأُقْسِمُ على سبيلِ التَّوكيدِ لقد كانَ في قَصَصِ الأنْبياءِ التي أوْحيناها إليكَ في القُرآنِ، (ومنها قصةُ يوسُفَ) عِظَةٌ وتذكرةٌ لأصحابِ العُقولِ الذين يتفكّرون فيها ويُصحِّحون مسيرةَ حياتِهم الخاطئةَ بناءً على ما يَسْتَخْلِصونَهُ منها من معارفَ إلهيةٍ ومفاهيمَ صحيحةٍ، يُؤكِّد ذلك أنّ هذا القرآنَ ما كان كلاماً يَخْتَلِقَهُ مُحَمّدٌ، ولكنْ كانَ تصديقاً للكتابِ الذي قَبْلَهُ (وهو كتاب التوراة الذي ذكر قصصَ الأنبياء)، وبياناً لكُلِّ شيءٍ يحتاجُهُ النّاسُ في حياتِهم، وهُدىً إلى طريقِ الحَقِّ، ورَحْمَةً لقومٍ صفتهم أنّهم يُؤمنون بأنّه ُوَحْيٌ من الله، (يدلُّ المعنى على أنّهُ لا يَنْتَفِعُ بالقرآنِ غيرُ المؤمنين به) .

Photo credit: © by Safa Kadhim