نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
۞ قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ١٥١وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۖ وَإِذَا قُلۡتُمۡ فَٱعۡدِلُواْ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۖ وَبِعَهۡدِ ٱللَّهِ أَوۡفُواْۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ١٥٢ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 151 – قُلْ : تَعالَوا، إنْ تأتُوا أقْرَأْ عليكم الذي حَرّمَهُ ربُّكم عليكم : أي : يقولُ ربُّكم : أنْهاكم نَهْياً واجِباً عن أنْ تُشْرِكوا بربِّكم شيئاً من الشِّرْكِ، وأُحَرِّمُ عليكم الشِّرْكَ به تحريماً أبديّاً، لا يُغَيَّرُ ولا يُبَدَّلُ، ويقولُ : أنْهاكم نَهْياً واجِباً عن أنْ تُسيئوا إلى الوالدين شيئاً من الإساءة، أي : آمُرُكم بأنْ تُحْسِنوا بالوالِدَينِ إحْساناً أمْراً واجباً لا يُغَيَّرُ ولا يُبَدَّلُ، ويقولُ : أنْهاكم نَهْياً واجِباً عن أنْ تقتلوا أولادَكم بسَبَبِ فَقْرٍ تخافونَهُ، وأُحَرِّمُ عليكم قتْلَهم بسَبَبِ ذلك تحريماً أبديّاً، لا يُغَيَّرُ ولا يُبَدَّلُ، لأنّنا نرْزُقُكم، ونرْزُقُهم جميعاً، ويقولُ : أنْهاكم نَهْياً واجِباً عن أنْ تُباشِروا القبائحَ الشنيعةَ التي يَسْتَحِقُّ فاعِلُها العقوبةَ عليها من قولٍ أو فِعْلٍ بفِعْلها، أي : أنْهاكُم عن أنْ تَفْعَلُوا الذّنوبَ البَيِّنةَ التي يَحْكُمُ العقلُ والفِطرةُ السليمةُ بأنّها ذنوبٌ يُعاقِبُ اللهُ عليها، (ويَشْمَلُ كُلَّ عَمَلٍ قبيحٍ في حُكْمِ العَقْلِ والفِطرَةِ السَّليمَةِ، وكُلُّ فِعْلٍ نَزَلَ بتحريمِهِ قُرآنٌ)، و أنْهاكم عن أنْ تَفْعَلُوا الذُّنوبَ الخفيّةَ التي يُسِرُّها المَرْءُ في قَلْبِهِ، ويَنْوِي فِعلَها بجوارِحِهِ، ويقولُ : أنْهاكم نَهْياً واجباً عن أنْ تَقْتُلُوا النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللهُ قَتْلَها في أيِّ حالٍ من الأحْوالِ إلاّ في حال القَتْلِ بالحقّ (أي : القتل على أساسِ القِصاص العادلِ)، وأُحَرِّمُ عليكم قَتْلَها تحريماً أبَدِيّاً، لا يُغَيَّرُ ولا يُبَدَّل، يُؤكِّدُ وجوبَ الالتزامِ بذلك كُلِّهِ أنّ ذلكم وصايا عَهِدَ اللهُ إليكم القيامَ بها على نَحْوِ الوُجُوبِ، لكي تُدْرِكوا حقيقةَ ما نهاكُم ربُّكم عنه، وما حَرَّمَهُ عليكم، وما أحَلَّهُ لكم، فتَجِدُوا بعد الإدْراكِ أنَّ كُلَّ ما نهاكم عنه، وما حَرّمَهُ وأحَلَّهُ قائمٌ على أساسِ دَفْعِ الضَّرَرِ عنكم وجَلْبِ المَنْفَعَةِ لكم في الدُّنيا والآخرة، وهذا هو المطلوب منكم
– 152 – ويقولُ ربُّكم : أنْهاكم نَهْياً واجِباً عن أنْ تُباشِرُوا مالَ اليَتيمِ بالتَّصَرُّفِ به بأيِّ حالٍ من أحوالِ التَّصَرُّفِ إلاّ في حالِ المُباشَرةِ بالتَّصَرُّفِ به بالطّريقةِ التي هي أحْسَنُ الطُّرُقِ لحِفْظِهِ وتَثْمِيرِهِ إلى أنْ يَبْلُغَ اليتيمُ العُمرَ الذي تَسْتَحْكِمُ فيه قِواهُ العقليَةُ والنَفسيّةُ والبَدَنِيّةُ، (وهو بلوغُهُ سِنَّ الرُّشْدِ مع القُدْرةِ على التّصَرُّفِ السليمِ في أموالِهِ)، وأُحَرِّمُ عليكم أنْ تَتَصَرَّفوا بمالِ اليتيم تحريماً أبديّاً، لا يُغَيَّرُ ولا يُبَدَّلُ، ويقولُ ربُّكم : أنهاكم نَهْياً واجِباً عن أنْ تُنْقِصوا النّاسَ شيئاً من حقوقهم في المكيال والميزان، وآمُرُكم أمْراً واجِباً بأنْ تُتِمّوا ما تَكِيلُونَهُ للنّاسِ بالمِكيالِ وافياً بالعَدْلِ، وأنْ تُتِمّوا ما تَزِنُونَهُ إليهم بالمِيزانِ وافياً بالعَدْلِ، (يدلُّ معنى الأمْرِ بإتْمامِ الكيلِ والميزانِ بالعَدلِ على وجوبِ أداءِ حَقّ كُلِّ ذي حَقّ على التَّمامِ بالعَدْلِ في سائِرِ المُعامَلاتِ مع النّاسِ)، وأُحِرِّمُ عليكم أنْ تَبْخَسوا الناسِ شيئاً من حقوقِهم في المِكْيالِ والمِيزانِ، وفي سائِرِ مُعاملاتِكم معهم تحريماً أبَدِيّاً، لا يُغَيَّرُ ولا يُبَدَّلُ – واقِعُ الحال أنّا لا نَفْرُضُ على إنسانٍ أمْراً ذا مَشَقّةٍ في إتْمامِ الكَيْلِ والمِيزانِ للنّاسِ بالعَدْلِ، وفي سائرِ المُعاملاتِ مع النّاسِ إلّا قَدَرَ طاقتِهِ، فاجْتَهِدُوا على قَدَرِ طاقَتِكم في ذلك – ويقولُ ربُّكم : أنْهاكم نَهْياً واجِباً عن أنْ تَجُورُوا في قولِكم أو حُكْمِكم بالقولِ على أحَدٍ، وإذا قُلْتُم أو حَكَمْتُم بالقولِ على أحَدٍ فالأمْرُ الواجِبُ عليكم أنْ تَعْدِلوا في القولِ أو الحُكْمِ، ويُؤكِّدُ وُجوبَ العَدلِ في المَقُولِ فيه أو المَحكومِ عليه أنّهُ لو كان المقولُ فيه أو المَحكومُ عليه صاحِبَ قَرَابةٍ بكم فالأمْرُ الواجِبُ عليكم أنْ تَعْدِلوا في القَولِ أو الحُكْمِ، وأُحِرِّمُ عليكم أنْ تَجُورُوا في قولِكم أو حُكْمِكم بالقولِ على أحَدٍ تحريماً أبديّاً، لا يُغَيَّرُ ولا يُبَدَّلُ، ويقولُ : أنْهاكم نَهْياً واجباً عن أنْ تُنقُضُوا عَهْدَ الله (وهو كُلُّ ما أمَرَ به، ونَهَى عَنْهُ، وما وَصَّى به على نَحْو الوُجوبِ)، وآمُرُكم أمْراً واجِباً بأنْ تَعْمَلُوا بعهودِ الله التي وَثّقْتُموها على أنْفُسِكم بالقَسَم، وأُحَرِّمُ عليكم أنْ تَنْقُضوا عهدَ اللهِ تحريماً أبديّاً، لا يُغَيَّرُ ولا يُبَدَّل،، يُؤكِّدُ وجوبَ الالتزام بذلك كلّهِ أنّ ذلكم وصايا عَهِدَ الله إليكم القيامَ بها على نحو الوجوب، لكي تَسْتَحْضِروا أنَّ ما نهاكم ربُّكم عنه، وما حَرَّمَهُ عليكم وما أحلَّهُ لكم قائمٌ على أساس دَفْعِ الضَّرَرِ عنكم وجَلْبِ المنفعةِ لكم في الدنيا والآخرة، وهذا هو المطلوب منكم
– 153 – ويقولُ ربُّكُم : اعْلموا أنّ هذا القرآنَ الذي يَتْلُو الرَّسُولُ عليكم منه هذه الآياتِ منهاجُ دينِي الذي بعثْتُ به رسولي مُحمّداً إليكم حالةَ كونِهِ منهاجاً مُستقيماً مُعْتَدِلاً مُسْتوياً، قائماً بأمْرِ النّاسِ في جميعِ شؤونِ حياتِهم في كُلِّ مكانٍ وفي كُلِّ زمانٍ بما يُحَقِّقُ لهم السَّعادةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ، وثابتاً ومُسْتَقِرَّاً في كُلِّ زمان، (أي : لا مِنْهاجَ دينٍ يَنْسَخُ أحكامَهُ وشرائِعَهُ)، ومُستقيمةً أحكامُهُ وشرائعُهُ على اسْتِواءٍ وبُرْهانٍ، فإذا كان القُرآنُ كذلك فآمُرُكم أمْراً واجِباً بأنْ تتَّبِعُوهُ في كُلِّ فرائضِهِ وأحكامِهِ وتشريعاتِهِ، وفي كُلِّ ما أمَرَ به، ونَهَى عنه، وأنهاكم عن أنْ تتّبعوا المناهِجَ والمذاهِبَ المُخالفةَ للقُرآنِ، فتذْهَبَ بكم إلى سُبُلِها وطُرُقِها حالةَ كونِها مُتباعِدةً مُتنائِيَةً عن سبيلِ القُرآنِ المُسْتقيم، يُؤكِّد وجوبَ الالتزامِ بذلك أنّ ذلكم الذي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وصايا عَهِدَ اللهُ إليكم القيامَ بها على نَحْوِ الوُجُوبِ، لكي تَحْفَظُوا أنْفُسَكم مِمّا يُصيبُكم من العذابِ في الدُّنيا والآخِرَةِ، وهذا هو المطلوبُ منكم .
