نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ١٦٤ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ ١٦٥ إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ وَتَقَطَّعَتۡ بِهِمُ ٱلۡأَسۡبَابُ ١٦٦ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّاۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ ١٦٧
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
164 – إنّ في خلْقِ السمواتِ بما فيها من مَجَرّاتٍ وكواكبَ تسيرُ في نظامٍ دقيق، وفي خَلْقِ الأرضِ وجَعْلِها مُناسِبَةً لعيش الإنسان عليها، وفي اختلافِ الليلِ والنّهارِ في الذهابِ والمجيءِ بأنْ يَذْهَبَ أحَدُهما ويأتي الآخرُ مكانَهُ في كُلِّ يومٍ وليلة، وفي اختلافِهما في الزيادةِ والنُّقصان وعَدَمِ تساويهما ليُناسِبا حياةَ الإنسان على الأرض، وفي السُّفنِ التي تَجْرِي في الماءِ الواسِعِ الكثير، سواءٌ أكان بحراً مالحاً ماؤهُ أم نهراً عَذْباً ماؤه بكُلِّ شيءٍ يُفيدُ الناسَ في معيشتِهم، وأمورِ حياتِهم، وفي الذي أنْزَلَهُ اللهُ من السّحابِ، أي : الماء، فأحيى بالماءِ الأرضَ بإخراجِ نباتها بعد أنْ كانتْ هامِدةً، خاليةً من حَرَكةِ النّباتِ الذي يَخْرُجُ من باطِنِها بالماء، فهي كالمَيِّتِ في سُكُونِهِ وانعدامِ حركتِهِ، ونَشَرَ فيها بعد إيجادِ أسبابِ الحياةِ زوجاً من كُلِّ مخلوقٍ يَدُبُّ عليها من إنسانٍ وحيوانٍ زاحفٍ وماشٍ وطيرٍ وحَشَراتٍ، وفي تدبير الرياحِ وتَوْجِيهِ حَرَكَتِها إلى اتّجاهاتٍ كثيرةٍ لينتفعَ بها الناسُ في أغراضِهم، وفي السّحابِ الذي سَخّرَهُ اللهُ لحَمْلِ ماءِ المَطَرِ بينَ السماءِ والأرضِ، إنّ في كُلّ ما تقدّم ذِكْرُهُ لدلالاتٍ وبراهينَ وحُجَجاً لقوم يَتَّصِفُون بأنّهم يَسْتَخْدِمُونَ عقولَهم للتفَكُّرِ في تلك الدلالات والبراهين والحُجَجِ، وإدراكِ حقيقتِها، للوصول إلى الاَعتقاد بأنَّ اللهَ الذي خلقَ لهم كلَّ ذلك هو الذي يستحقّ العبادةَ وَحْدَهُ، ويستحقّ الطاعةً وَحْدَهُ فيما يأمُرُ ويًنْهَى
– 165– ومن النّاسِ الذين يَتَّخِذونَ سوى اللهِ أحبارَهم وعُلماءَهم ورُؤساءَهم أشباهاً ونُظَراءَ لله في الطّاعَةِ، يُطيعونهم طاعةَ الأربابِ فيما يأمرونَهم به، وحالُهم أنّهم يُحبّونَهم حباً مِثْلَ حُبِّكُم اللهَ – والذين آمنوا باللهِ وبرسولِهِ مُحَمّدٍ وبالقرآن الذي أُنْزِلَ إليه أشدّ حباً لله من حُبّهم لأحبارِهم وعُلمائِهم ورُؤسائهم، (لأنّهم يُحبّونَ اللهَ عن عِلْمٍ بأنّهُ الإلهُ الواحدُ الخالقُ الذي أنْعَمَ عليهم بإرسالِ مُحَمّدٍ رسولاً، وبإنزال القرآن إليهم كتاباً هادياً ومُبيّناً لكلِّ شيءٍ في حياتهم، ومعنى الآية عامّ في كُلّ جماعةٍ من الناس يتَخذون سوى الله أشباهاً ونُظَراء لله يُطيعونهم طاعةَ الأرباب على مرّ العصور، ومن الجماعات الذين يتَخذون سوى الله أشباهاً ونُظَراءَ لله يُطيعونهم طاعةَ الأرباب في عصْرنا الحاضِر الذين ينتمون إلى الأحزاب، سواء أكانت الأحزابُ عِلمانيّةً أم قوميّةً أم ادّعتْ انتماءها إلى الدين، والذين باعوا رضا الله بطاعةِ أشخاصٍ يأمرونَهم بالقَتْلِ وظُلْمِ النّاسِ وإرهابِهم وتخويفِهم، والذين عَطّلوا كتابَ اللهِ العزيز، واتّبعوا عُلماءَ مذاهِبِهم من غيرِ تَدَبُّرٍ ولا تَفَكُّرٍ فقادوهم إلى جَعْلِ أئِمَّةِ مذاهِبِهم أشباهاً ونُظَراءَ للهِ لهم حقُّ تشريعِ أحكامٍ لم يأتِ بها اللهُ في كتابِهِ العزيز، أو قادوهم إلى جَعْلِهِم يعتقدونَ أنّ اللهَ فَوَّضَ إلى أئمَّةِ مَذاهِبِهم امْرَ الكونِ، فهم قادرون على التّصَرُّفِ في السّماواتِ والأرضِ، وفي خَلْقِ اللهِ)، ولو يَعْلَمُ الذين تجاوزوا حَدَّ عُبوديّةِ اللهِ وطاعتِهِ إلى طاعةِ غيرِهِ حين يَرَوْنَ نارَ جَهنّمَ أنَّ القوةَ للهِ حالةَ كونِها مُجتمعةً بكلّ أبعادِها له، وأنّ اللهَ شديدُ العذابِ للذين تجاوزوا حَدَّ عُبوديّتِهِ وطاعتِهِ إلى طاعةِ غيرِهِ
– 166– ولو قُدِّرَ لك أنْ تَرَى الذين تجاوزوا حَدَّ عُبوديّةِ اللهِ وطاعتِهِ إلى طاعةِ غيرِهِ حين تَخَلّى الذين اتُّبِعوا (أي : المتبوعون) من الذين اتّبعوهم، وتَخَلَّصوا منهم، وحين رأوا نارَ جهنَّم، وحين عَجِزُوا وانقَطَعتْ بهم جميعُ الصِّلاتِ والروابطِ المنفعيّةِ والمصلحيّةِ التي كانتْ موصولةً بين المَتْبوعين والتابعين
– 167 – وحين قال الذين اتَّبَعوالذين اتَخذوهم سوى اللهِ أشباهاً ونُظَراء لله يُطيعونَهم طاعةَ الأرباب : نتمَنّى لو ثَبَتَ أنَّ لنا رَجْعَةً إلى دار الدنيا فنَتَبَرَّأَ من الذين اتّبعناهم براءةً مثلَ براءتِهم منّا في دارِ الآخرة لَرأيتَ منهم عَجَباً، ولَكان منهم ما لا يُوصَفُ من الحَسْرةِ والنّدامَة، ويُؤكِّدُ أنّ ذلك كائنٌ أنّ اللهَ يَجْعُلُهم يرَوْنَ أعمالَهم حالةَ كونِها أحْزاناً ونداماتٍ عليهم جَعْلاً مِثْلَ جَعْلِهِ إياهم يَرَوْنَ براءةَ الذين اتَّبعوهم منهم، (يدلُّ المعنى على أنّهم يَنْدمون ويتَحَسّرون على كُلِّ عَمَلٍ اتّبعوا فيه الذين اتَخذوهم سوى اللهِ أشباهاً ونُظَراء لله يُطيعونَهم طاعةَ الأرباب بقولِهم : يا حَسْرتاه، يا ندامتاه)، وحالُهم أنّهم ليسوا بخارجين من النار، بل هم مُقيمون فيها إلى الأبد .

Image by Muhittin KARABULUT from Pixabay