نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما ببن قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي ، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
قال اللهُ تعالى في سورة البقرة :
يا أيها ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ١٨٤ شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٨٥ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ ١٨٦أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ ١٨٧
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 183 – يا أيّها الذين آمنوا، فَرَضَ اللهُ عليكم الصيامَ فَرْضاً مِثْلَ فَرْضِهِ على الذين كانوا من قَبْلِكم من الأُمَمِ، لكي تخافوا اللهَ في أفعالِكم (يدلُّ المعنى على أنَّ من عِلّةِ فَرْضِ الصيامِ تدريبَ المُؤمنِ على خوف الله في أفعالِهِ)
– 184– أي : فَرَضَ اللهُ الصيامَ عليكم أياماً معدوداتٍ (أي : أيّامَ الشّهر التي يعُدّها الناسُ من أوّلِ الشّهْرِ إلى نهايتِهِ)، فأيُّ إنسانٍ منكم مُكلّفٌ بالصّوْمِ وُجِدَ في حالِ مَرَضٍ، أو في حالِ سَفَرٍ حالةَ كونِهِ متلبّساً به، مُستعلياً عليه بقَطْعِهِ مسافةً في سَفَرِهِ فعليه صيامُ عَدَدٍ من أيامٍ أُخَرَ غيرِ أيامِ الصّوم المعدودة، (أي : واجبٌ عليه أنْ يصومَ أياماً غيرَ أيّامِ الصوم بعددِ الأيّام التي لم يَصُمْ فيها بسبب المرض أو السفر)، وعلى الذين يَقْدِرونَ على الصيامِ بمَشَقّةٍ فِدْيَةٌ عن كُلِّ يومٍ من أيّامِ عِدّةِ المَرَضِ أو السّفَرِ في شَهْرِ رَمَضانِ بعدَ انْقِضاءِ شهْرِ رَمَضان، هي إطْعامُ مِسْكينٍ عن كُلِّ يومٍ من أيّامِ عِدّةِ المَرَضِ أو السّفَرِ في شَهْرِ رَمَضانِ، هذا هو الفَرْضُ، فأيُّ إنسانٍ قامَ بإطعامِ أكْثَرِ من مِسكين عن كُلِّ يومٍ من أيّامِ عِدّةِ المَرَضِ أو السّفَرِ في شَهْرِ رَمَضانِ لأجْلِ فِعْلِ الخير طائعاً مُختاراً دونَ أنْ تكونَ فَرْضاً للهِ عليه فهو أفْضلُ ثواباً عند الله، وصيامُكم أيّامَ عِدّةِ المَرَضِ أو السّفَرِ في شَهْرِ رَمَضانِ بعدَ انْقِضاءِ شهْرِ رَمَضان مع قُدْرَتِكم عليه خيرٌ لكم، أُؤكِّدُ ذلك أنَّكم إنْ كنتُم تعلمونَ أنَّكم قادرونَ على الصيامِ، وليس فيه مَشَقّةٌ عليكم فصيامُكم خيرٌ لكم (يدلُّ معنى (وعلى الذين يُطيقونَهُ طعامُ مِسكين) على أنَّ مَنْ قَدَرَ على صّيامِ أيّامِ عِدّةِ المَرَضِ أو السّفَرِ في شَهْرِ رَمَضانِ بمَشَقَّةٍ بعدَ انْقِضاءِ شهْرِ رَمَضان، أو على صيامِ شَهْرِ رَمَضان بمَشَقَّةٍ لسببٍ من أسبابِ المَشَقَّةِ فعليه فِدْيَةٌ، هي إطْعامُ مِسْكينٍ عن كُلِّ يومٍ من أيّامِ عِدّةِ المَرَضِ أو السّفَرِ في شَهْرِ رَمَضانِ، أو عن كُلِّ يومٍ من أيامِ شهْرِ رمَضان)
– 185– أيامُ الصوم المعدوداتُ شهرُ رمضانَ الموصوفُ بأنّهُ الشهرُ الذي أنْزَلَ اللهُ فيه القرآنَ حالةَ كونِهِ مُبيّناً للناس الحُجَجَ والدّلالاتِ على توحيدِ اللهِ، ومُرْشِداً إيّاهم إلى طاعَتِهِ وعبادتِهِ، وحالةَ كونِهِ آياتٍ واضِحاتٍ من الإرْشادات والوصايا والمعارفِ الإلهيّة، وآياتٍ واضِحاتٍ من الأحكام التي فَرَّقَتْ بينَ الحلالِ والحَرامِ، وبينَ الحقِّ والباطل، فأيُّ إنسانٍ منكم حَضَرَ البَلَدَ أو المِصْرَ في شهرِ الصّوم، وأقام فيه، فالواجِبُ عليه أنْ يصومَ هذا الشهر، وأيُّ إنسانٍ مُكلّفٍ بالصّوْمِ وُجِدَ في حال مَرَضٍ، أو في حالِ سَفَرٍ حالةَ كونِهِ متلبّساً به، مُستعلياً عليه بقَطْعِهِ مسافةً في سَفَرِهِ فعليه صيامُ عددٍ من أيامٍ أُخَرَ غيرِ أيامِ الصوم المعدودة، لأنّ اللهَ يُريدُ بكم التسهيلَ عليكم في تشريع الصيام، ولا يُريد بكم الشِّدةَ في تشريعه، والواجبُ عليكم أنْ تُتِمّوا عِدَّة أيام الصومِ المُحَدَّدَة بشهر رمضان، والواجبُ عليكم أنْ تُكبّروا الله على هدايتِهِ إيّاكم إلى صومِ رمضان (يدلُّ تكرارُ قولِهِ (مَنْ كان منكم مريضاً أو على سَفَرٍ فعِدّةٌ من أيّامٍ أُخَر) على تأكيدِ عَدَمِ جوازِ الصيامِ في حالِ المَرَضِ وحالِ السّفَرِ، وعلى صيام أيامٍ غيرِ أيّامِ الصوم بعددِ الأيّام التي لم يَصُمْ فيها بسبب المرض أو السفر، ويدلُّ السياقُ على أنَّ تكبيرَ اللهِ يكونُ بَعْدَ إكمال عِدّةِ أيام شهرِ رَمَضان، أي : وَقْتَ قيامِ صلاة الفِطْر، ويدلُّ نَظْمُ آيات الصّومِ على أنّ القرآنَ لم يذكُرْ أنّ مَنْ أفْطَرَ يوماً مُتعمّداً من رمضان فعليه كفّارةٌ، هي عِتْقُ رَقَبَةٍ أو صيامُ شهرين مُتتابعين، أو إطعامُ ستين مِسكيناً، وقد ذَكَرَ القرآنُ هذه الكفارةَ في مَنْ قتلَ مُؤمناً خطأً، قال تعالى : [النساء : 93] : “ومَنْ قَتَلَ مُؤمناً خَطَأً فتحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤمنةٍ ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهلِهِ … وإنْ كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ وتحريرُ رَقَبَةٍ مُؤمنةٍ فمَنْ لم يجِدْ فصيامُ شهرين مُتتابعين”، وذكرَ القرآن هذه الكفارة في مَنْ ظاهَرَ زوجَتَهُ، قال تعالى : [المُجادلة : 4] : “والذين يُظاهرون من نسائِهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحريرُ رَقَبَةٍ من قبلِ أنْ يتماسّا ذلكم تُوعَظون به والله بما تعملون خبيرٌ . فمَنْ لم يجد فصيام شهرَيْنِ مُتتابعَيْنِ من قبلِ أنْ يتماسّا فمَنْ لم يسْتَطِعْ فإطْعامُ ستينَ مِسكيناً” أمّا ما أوْرَدَهُ الفقهاءُ من كفّارةِ إفطارِ يومٍ من رمضان عَمْداً فهذا من الفِقْهِ المُعْتَمِدِ على الروايات، وليس في القرآن ذِكْرٌ له)، وفَرَضَ اللهُ عليكم الصيامَ فَرْضاً مِثْلَ فَرْضِهِ على الذين كانوا من قبلكم من الأُمَمِ، لكي تُثْنوا على اللهِ بتعظيمِهِ وتمجيدِهِ وتنزيهِهِ، وهذا هو المطلوب منكم، وهو ما ترجونَهُ ليُثيبَكم
– 186– وإذا سألك عبادي عنّي، وقالوا : كيف ندعو اللهَ في شهرِ رمضان ؟ فأخبرهم أنّي قريبٌ ممَّنْ يدعوني، أُجيبُ دعوةَ الدّاعي حين يدعوني ويسألني قضاءَ حوائِجِهِ، وأعطيه ما سأل، وإذا كان الأمْرُ كذلك فيجبُ على عبادي الذين يدعونني إطاعةُ أمْرِي ونَهْيِي، ويجبُ عليهم أنْ يثقوا بي في إجابةِ دعائِهم وإعطائِهم ما سألوه، لكي يهتدوا إلى دعائي ومُخاطَبتي بما يليقُ بي، وهذا هو المطلوب منهم (يدلّ ارتباط الآية بسياق الكلام عن الصوم على أنّه يُسْتَحَبُّ الدّعاءُ في شهر رمضان خاصّةً، ويدلّ المعنى على أن الداعي يجبُ أنْ يكونَ مُطيعاً لأوامرِ الله ونواهيه لكي يُجيبَهُ اللهُ تعالى ويقضِيَ حاجَتَهُ، وأنْ يَثِقَ الداعي باللهِ في إجابةِ دُعائِهِ حين يدعو اللهَ تعالى)
– 187 – أَحَلَّ اللهُ لكم الاستمتاعَ بنسائِكم وما يلزَمُهُ من الجُماعِ والتقبيل والمُداعبة، وغير ذلك ممّا يكون بين الرّجُلِ وزوجتِهِ قبلَ الجُماع في ليلةِ الصيام فقط، (يدلّ حَصْرُ الجُماع في ليلة الصيام فقط على أنَّهُ لا يجوزُ الاستمتاع بالنساء نهارَ الصيام في شهر رمضان)، أحَلَّ اللهُ لكم ذلك لأنّ نساءَكم مُلتصقاتٌ بكم، وأنتم مُلتصقون بهنّ التصاقَ اللِّباسِ ببَدَنِ صاحبِهِ، وكلاكما مُحتاجٌ إلى الاستمتاع بقرينِهِ لإشباع غريزتِهِ كاحتياجكما إلى اللِّباسِ لسَتْرِ بَدَنِكما، والعِلّةُ في إحلال الاستمتاعِ بنسائِكم وما يلزَمُهُ من الجُماعِ والتقبيل والمُداعبة في ليل الصيام أنّكم كنتم تُحاولون خيانَةَ أنفُسِكم بنقصِها حقَّها في استمتاع الرجُل بزوجِهِ، واستمتاع المرأةِ بزوجِها (يدلُّ النّظْمُ والمعنى على أنّ المُسلمَ ظَنّ حين نَزلتْ آياتُ فَرْضِ الصيام على المُسلمين أنّهُ لا يجوزُ له الاستمتاع بالنِّساءِ في شهرِ الصوم، فكان لا يُقاربُ النّساءَ ولا يُداعبُهُنَّ في ليلِ الصّيامِ ونهارِهِ، وهو ما تسَبّبَ في انقاصِ حقّ النفسِ على صاحِبِها باستمتاعِ الرَّجُلِ بالمرأةِ، واستمتاعِ المرأةِ بالرّجُلِ، فسَبَّبَ ذلك مُعاناةً نفسيّةً للرجلِ والمرأة)، فبسبب ذلك رَجَعَ بكم ممّا ألزمْتُم به أنفسَكم في شهر الصوم من عدم مُباشرةِ النساء والاستمتاعِ بهنّ إلى إباحةِ ذلك ليلةَ الصيام، وأزالَ أثَرَ تحريم مُباشرةِ النساء والاستمتاع بهنّ عن أنفسِكم، ولم يُعاقبْكم على فِعْلِكم، فإذا أباحَ اللهُ لكم ذلك فمِنْ هذا الوقتِ جامِعوا نساءَكم، واستمتعوا بهنّ في ليلِ الصيامِ فقط، واطلبوا النّكاحَ الذي قضاهُ اللهُ لكم بعَقْدِ النّكاح، وكلوا ما شئتم من الأكْلِ الحلال، واشربوا ما شئتم من الشَّرابِ الحلال في ليلةِ الصيام فقط إلى أنْ يظْهَرَ الخيطُ الأبيضُ حالةَ كونِهِ مُفارقاً من الخيط الأسودِ من ظلام الليل، (أي : يظهرُ الخيطُ الأبيضُ من نورِ الفجر، ويدلّ المعنى على أنّه يجبُ على الصائم أنْ يُمْسِكَ عن الأكل والشُّرْبِ عند طلوع الفجر، ويدلُّ معنى (أُحِلَّ لكم ليلةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكم)، ومعنى (وكُلُوا واشْرَبُوا حتّى يَتَبَيَّنَ لكم الخَيْطُ الأبْيَضُ من الخَيْطِ الأسْوَدِ من الفَجْرِ) ونَظْمُهُما على أنَّ اللهَ لم يُوجِبْ الاغتِسالَ قَبْلَ الفَجْرِ إذا جامَعَ الرَّجُلُ امْرَأتَهُ ليلةَ الصّيامِ كما أوجَبَ الامْتِناعَ عن الأكْلِ والشُّرْبِ إذا حًلَّ وَقْتُ الفَجْرِ، ولكنَّ اللهَ تعالى أوْجَبَ الاغتِسالَ من الجَنابةِ للصّلاةِ في سورة (المائدة، الآية : 6) في قولِهِ : “وإنْ كُنْتُم جُنُباً فاطَّهَّروا”، فإذا أرادَ الصّائمُ المُجْنِبُ انْ يُصَلّيَ الفَجْرَ فعليه أنْ يَغْتَسِلَ من الجَنابَةِ، وليسَتْ الطّهارةُ من الجنابةِ قبلَ الفَجْرِ شَرْطاً في صِحَّةِ الصّيام)، وابْدؤوا الصيامَ من هذا الوقت، ثمّ يجبُ عليكم أنْ تُتمّوا الصيامَ إلى الليل الذي يتحقق بغروبِ الشّمسِ، ولا تُجامعوا النساءَ وتستمعوا بهنَّ حالةَ كونِكم مُعتكفين في المساجد بنيّة العبادة (الاعتكافُ شرعاً : أنْ ينوي الشخصُ نيّةَ الاعتكاف في المسجد بالبقاء فيه للعبادة لمدّة محدودة، ويدلّ عطف جملة (ولا تُباشروهنّ … في المساجد) على (وكلوا … الفجر) على أنّ الاعتكاف يجب أنْ يكونَ في شهر الصيام، فلا يجوز الاعتكاف بغير صيام، ويدلّ المعنى على أنّ المُعتكف لا يجوز له الجُماع في ليالي الاعتكاف)، يُؤكِّدُ وجوبَ الالتزامِ بما تقدّم أنّ تلك أحكامُ اللهِ التي حَدَّها بأوامرِهِ ونواهيه لا التباس فيها ولا اختلاط بينها، فإذا كان الأمْرُ كذلك فلا تُباشروها بالانتهاك والمُخالفة، يُبيّنُ اللهُ أحكامَهُ تبياناً مثلَ ذلك التبيان الذي يُبيّنُ فيه للناس دلالاتِهِ وحُجَجَهُ على ربوبيّتِهِ ووحدانيّتِهِ، لكي يخافوه، ويحفظوا أنفسَهم من عقابِهِ، وهذا هو المطلوب منهم.
د. عبد الكريم الزبيدي