نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡٔٗا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا ١٩ وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيًۡٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا ٢٠ وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا ٢١
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 19– يا أيُّها الذين آمنوا، أُشَرِّعُ لكم أحكامَ حقوقِ النِّساءِ : لا يَحِلُّ لَكُمْ في دينِكم وِراثةُ النِّساءِ في أنْفُسِهنّ حالةَ كونِهنّ كارِهاتٍ لهذه الوِراثَةِ (حَرَّمَ اللهُ بهذا الحُكمِ مُعاملةَ النّاسِ للمرأةِ قبلَ الإسلام، فقد كانوا يَعُدّون المرأةَ جزءاً من تَرِكَةِ الميّتِ، يَحِقّ للوَرَثَةِ أنْ يَرِثُوها مَعَ تَرِكَتِهِ، فإنْ شاءَ الوارِثُ تَزَوَّجَها بالصَّداقِ الأوّل بالإكْراهِ، وإنْ شاءَ زَوَّجَها غيرَهُ بالإكراهِ، وأخَذَ صَدَاقَها، فحَرّم اللهُ هذا عليهم في الإسلام. ويُفهَم من هذا الحُكمِ وأحكامِ الإرْثِ السّابقةِ أنّ الإسلامَ حَرّمَ أيَّ جَورٍ أو ظُلْمٍ يلْحَقُ بالمرأة التي يموتُ زوجُها، وأنّهُ جَعَلَ المرأةَ وارثاً من الوَرَثَةِ شأنُها شأنُ الرِّجال، وأنّهُ جَعَلَ المرأةَ والرّجُلَ مُتساويين في الحُرية، كُلُّ واحدٍ ذو فِكْرٍ وإرادةٍ، وهو حُرٌّ في اختيارِ ما يُناسبُهُ مُسْتَقْلاً، مُسْتَقِلٌّ في اخْتيارِهِ عن إكراهِ الآخرين وضغوطهم عليه)، وأنْهاكُمْ عن أنْ تُضَيِّقوا على النِّساءِ ظُلْماً أو تَمْنَعُوهُنَّ من التّزَوّجِ ظُلْماً، لكي تُزِيلُوا بعضَ ما أعْطَيْتُموهُنَّ من حَقِّهنَّ في المَهْرِ إضراراً بهِنّ في أيِّ حالٍ من الأحوال إلّا في حالِ فِعْلِهِنَّ مَعْصِيَةً ظاهرةً (يدلّ المعنى على أنّهُ لا يَحِلُّ للزَّوْجِ الذي لا يُريدُ زوجَتَهُ، ولا زوجتُهُ تُريدُهُ أنْ يُضَيّقَ عليها، فلا يُطَلِّقُها ويدَعُها تذهبُ لحالِ سبيلها، لكي يُزيلَ بعضَ مَهْرِها الذي تستحقّهُ بأنْ تتنازَلَ لهُ عن بعضِهِ حتى يُطلّقها، ويدلّ (إلّا أنْ يأتينَ بفاحِشَةٍ مُبيّنة) على أنّ الزَّوْجَ يَحِقّ له التّضْيِيقُ على زوجتِهِ، ليَحْمِلَها على أنْ تتازلَ له عن بعضِ مَهْرِها في حالِ فِعْلِها مَعْصِيةً كالزِّنا، أو السّرِقة، وغير ذلك من الأفعال والأقوال القبيحة)، وآمركم بأنْ تُخالطوا زوجاتِكم اللاتي كَرِهْتُموهُنَّ، وتُعايشوهُنَّ بما هو مُتعارفٌ عليه في مُعاشرةِ الأزواجِ زوجاتِهم، فإنْ كَرِهْتُموهُنّ (أي : لم تُحِبّوهنّ) فلا تُعَجِّلوا طلاقَهن، لأنَّ اللهَ يُشْفِقُ عليكم أنْ تَكْرَهوا شيئاً، ويُصَيِّرَ اللهُ فيه خيراً كثيراً (يدلّ المعنى على الأمْرِ بمُعاشَرةِ الأزواج زوجاتِهم بالمعروفِ في حالِ عدم حُبّهم إيّاهنَّ، لكي يُعْطُوا لأنفُسِهم ولزوجاتِهم فُرْصَةً يُراجِعُ كُلٌّ منهما نفسَهُ، فيعرفُ كُلٌّ منهما عَيْبَهُ فيُصْلِحُهُ، ويعرفُ كُلٌّ منهما الذي أخْطأ فيه بحقّ شريكِهِ فيعتَذِرُ له عنه، فتتبدّل حالةُ الكُرْهِ بينَهما إلى المَحبّةِ، ورَغّبَهما اللهُ في عَدَمِ التّسَرُّعِ بالانْفِصالِ عن بعضِهما بأنّ اللهَ يُشْفِقُ على الأزواج أنْ يَكْرَهُوا مُعاشرَةَ زوجاتِهم، ويُصَيّر اللهُ في الصّبرِ على مُعاشَرَتِهنّ خيراً كثيراً لهم في المُستقبل)
– 20 – وإنْ أردتم أنْ تَجْعَلوا زوجةً مكانَ زوجَةٍ كَرِهْتُمُوها، بأنْ تُطلّقوا التي كَرِهْتُمُوها، وتُبَدِّلوا بها غيرَها وأعْطَيْتُم إحداهُن (أي : إحدى الزّوجاتِ التي تُبَدّلون بها غيرَها) مالاً عظيماً (يعني : صَداقاً لها، أو هَديّةً أهْدَيْتُموها لها) فلا تأخُذُوا منْهُ شيئاً بعدَ طلاقِها (يدلُّ النَّهْيُ على حُرْمةِ أخْذِ صَداقِ الزَّوجةِ التي يُطلّقها زوجُها سواءٌ أكانَ كثيراً أم قليلاً، أو حُرْمَةِ أخْذِ ما أهْداهُ لها من مالٍ أو غيرِه سواءٌ أكانَ كثيراً أم قليلاً، ويَدُلُّ المعنى على حُرْمَةِ أخْذِ صَداقِ الزَّوجَةِ، وحُرمةِ أخْذِ ما أهْداه لها سواءٌ طَلّقها ليُبْدلَ بها غيرَها، أمْ طَلّقَها من غيرِ أنْ يُبْدِلَ بها غيرها)، هل تأخذونَهُ حالةَ كونِكم مُفْتَرِينَ على الزَّوْجَةِ المُطلّقةِ كَذِباً، وحالةَ كونِكم مُرتكبينَ إثماً ظاهراً بأخْذِكم ما أعْطيتُموه لها ؟ لا يَحِقُّ لكم ذلك، ولايَنْبَغِي لكم أنْ تَفْعَلُوهُ، لأنّهُ فِعْلٌ مُنكَرٌ (يدلُّ معنى (أتأخذونَهُ بُهتاناً) على إنكار افتراءِ الزّوجِ على الزوجةِ التي بَدَّلَ بها غيرَها باتّهامِها أنّها فَعَلَتْ معصِيَةً، لكي يُجْبِرَها على التّنازُلِ له عن المَهْرِ)
– 21 – وعلى أيِّ حالٍ من الأحوالِ تأخذونَ الذي أعطيتُموهُنّ إيّاهُ من صداقٍ أو هَدِيّةٍ وحالُكم أنّكم قد خلا بعضُكم ببعضٍ بالمُمَاسّةِ والمُباشَرَةِ في عمليةِ حُبٍّ وتفاعُلٍ جِنْسِيّ، حتى صارَ أحدُكم مَعَ زوجِهِ في هذهِ العملية كجَسَدٍ واحدٍ ؟ إنّهُ لأمْرٌ عجيبٌ أنْ يأخُذَ الزّوجُ ما أعْطاهُ لزوجَتِهِ بعدَ أنْ مَسّ جَسَدَهُ جَسَدَها، وأذاقَ كلٌّ منهما طَعْمَ حُبِّهِ للآخر ! وإنّهُ لأمْرٌ مُنكَرٌ أنْ يأخُذَ الزّوجُ ما أعْطاهُ لزوجَتِهِ بعدَ ذلك، وعلى أيِّ حالٍ من الأحوال تأخذونَ الذي أعطيتُموهُنّ إيّاهُ من صداقٍ أو هديّةٍ وحالكم أنّهنَّ قد أخَذْنَ مِنْكُم ميثاقاً شديداً في العَهْدِ المأخوذِ عليكم في عَقْدِ النِّكاح بأنْ تَسْتَحِلّوا فروجَهنّ بالصّداقِ الذي تُعْطُونهُنَّ إيّاهُ ؟