نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
قال اللهُ تعالى في سورة آل عمران :
لا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ (٢٨) قُلۡ إِن تُخۡفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ (٢٩) يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ (٣٠) قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٣١) قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ (٣٢)
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 28 – ينهى اللهُ المُؤمنين عن أنْ يُصَيِّروا باختيارِهم رؤساءَ الضلالةِ من اليهودِ وحُلَفائِهم المُشركين الذين يكفرون بنُبُوَّةِ مُحَمّدٍ وبالقرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه مراجعَ يرجعون إليهم في أمورِهم من دونِ المُؤمنين، أو أنصاراً لهم ينتصرون بهم من دون المُؤمنين، أو أصدقاءَ وأحبّاءَ يَتَوَدَّدُونَ إليهم إلى حَدِّ الامْتِزاجِ الفِكْري مَعَهُم من دونِ المُؤمنينَ، أو حُلَفاءَ يَرْكَنُونَ إليهم من دونِ المُؤمنين، بل الواجِبُ على المُؤمِنينِ أنْ يُصَيِّروا باختيارِهم المُؤمنين مراجِعَ لَهُم، وأنصاراً يَنْتَصِرُونَ بهم، وأصدقاءَ وأحبّاءَ يَتَوَدَّدُونَ إليهم إلى حَدّ الامْتِزاجِ الفِكْرِي مَعَهُم، وحُلفاءَ لهم يَرْكَنُون إليهم، وأيُّ إنسانٍ من المُؤمنين يفعلْ ذلك لغَرَضٍ من الأغراضِ في نفْسِهِ فليس الفاعلُ كائِناً من اللهِ في أيِّ صِلَةٍ من الصِّلاتِ، أو أيِّ عَلاقَةٍ من العلائقِ في جميعِ حالاتِ الولاية لهم إلّا في حال أنْ تَحْذَروهم بسببِ خَشْيَتِكم وخوفِكم مِنْهُم، ويُؤكِّدُ ذلك أنّ اللهَ يُخَوِّفُكم من جَبَرُوتِهِ وعَظَمَتِهِ وقوّتِهِ في حالِ اتّخاذِكم إيّاهم أولياء من دون المُؤمنين، (يدلُّ هذا التحذيرُ من اللهِ للمُؤمنين على توكيدِ النَّهيِ المذكور، ويدلّ المعنى على أنّ موالاةَ المُؤمنين للكافرين خروجٌ عن عبوديةِ الله، ورفْضٌ لولايةِ الله، ودخولٌ في حِزْبِ أعداءِ الله)، ويُؤكِّدُ ذلك التحذيرُ أنّ أمْرَكم يَنْتَهِي إليه بَعْدَ مَوْتِكم لا إلى أحَدٍ غيرِهِ – 29 – قل للذين يُقدّمون أعذارَهم في موالاتِهم رؤساءَ الضّلالةِ من اليهودِ وحُلَفائِهم : إنْ تُخفوا الذي استقرَّ في نفوسِكم من الرَّغْبَةِ في اتّخاذِ رؤساءِ الضَّلالةِ من اليهودِ وحُلَفائهم المُشركين مراجعَ ترجعون إليهم في أموركم، أو في جَعْلِهم أنصاراً تَنْتَصِرُون بهم، أو جعْلِهم أصدقاءَ أو أحبّاءَ تَتَوَدَّدُونَ إليهم إلى حَدِّ الامْتِزاجِ الفِكْرِي مَعَهُم، أو جعْلِهم حُلَفاءَ تَرْكَنُونَ إليهم، أو إنْ تُظْهِروا ذلك في صورةِ أفعالٍ تفعلُها جوارِحُكم يَعْلَمْهُ اللهُ، ويُؤكِّدُ ذلك أنّهُ يعلَمُ أيَّ شيءٍ كائنٍ في السّماواتِ، وأيَّ شيءٍ كائنٍ في الأرض عِلماً مُفَصَّلاً، ويُؤكِّدُهُ أيضاً أنّ اللهَ قديرٌ على كلِّ شيءٍ، ولا يُعْجِزُهُ شيءٌ يُريد أنْ يفعَلَهُ، (يدلُّ معنى الجملة في نهاية الآية على تحذير الذين يُقدّمون أعذارَهم في موالاتِهم أعداءَ اللهِ ورسولِهِ من اليهود والمُشركين)
– 30 – احْذروا اللهَ في أمْرِ موالاتهم يومَ يَعْلَمُ كُلُّ إنسانٍ عِلْمَ اليقينِ الذي عَمِلَهُ في الدنيا حالةَ كونِهِ من أعمال الخيرِ مُحْضَراً في صحيفةِ أعمالِهِ، ويَعْلَمُ علمَ اليقين الذي عَمِلَهُ حالةَ كونِهِ من أعمالِ السّوءِ والمعاصي مُحْضَراً في صحيفة أعمالِهِ، وحالُهُ حينئذٍ أنّه يتمنّى الذي يستحيلُ حُدُوثُهُ، يتَمَنَّى أنَّ بينَهُ وبينَ ما عَمِلَهُ من أعمالِ السّوءِ والمعاصي غايةً بعيدةً لا ينتهي إليها، (يدلُّ المعنى على أنّ ما يتمنّاهُ أمْرٌ مُستحيلٌ، لأنّ أعْظَمَ المعاصي مُوالاةُ أعداءِ اللهِ ورسولِهِ من اليهود والمُشركين)، ويُؤكِّدُ ذلك أنّ اللهَ يُخَوّفُكم من جَبَرُوتِهِ وعَظَمَتِهِ وقوّتِهِ في حالِ اتّخاذكم إيّاهم أولياء من دون المُؤمنين، واللهُ شديدُ الرحمةِ والعَطْفِ بعبادِهِ شفيقٌ عليهم يُبيّنُ لهم ما ينهاهم عَنْهُ، ويُحذِّرُهم مِنْهُ ليستجيبوا له، كي لا يُعاقبهم بالعذاب الشديد
– 31 – قل للذين يقولون : نحنُ نُحبُّ الله، وولايتُنا لليهودِ وحُلَفائِهم المُشركين الذين يكفرون بنُبُوَّةِ مُحَمّدٍ وبالقرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه لا تَمْنَعُنا من حُبِّ الله : إنْ كُنتم تُحبّونَ اللهَ – كما تَزْعُمون – فاتّبعوني بالطاعَةِ والامتثالِ لما جئتُكم به من النَّهْي عن موالاتِهم (يدلّ هذا المعنى على أنّ حُبَّ اللهِ لا يتمّ بولايةِ اليهودِ وحُلَفائِهم المُشركين الذين يكفرون بنُبُوَّةِ مُحَمّدٍ وبالقرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه ، بل حُبُّ اللهِ يعني اتباعَ نَبِيِّهِ فيما جاءَ به عن الله)، إنْ تتّبعونِي بالطّاعةِ والامتثالِ لما جئتُكم به من النَّهْي عن موالاتِهم يُحْبِبْكم اللهُ بتثبيتِكم على دينِهِ وطاعةِ رسولِهِ، ويغفرْ لكم ذنوبَكم التي اكتسبتموها بسبب موالاتِكم لهم، ويُؤكِّدُ ذلك أنّ اللهَ كثيرُ الغُفرانِ لعبادِهِ، كثيرُ العطفِ عليهم والرحمةِ بهم – 32 – قل لهم : انقادوا للهِ انقياداً واجباً فيما يُشَرِّعُهُ لكم من الأحكام، واخْضَعوا له بالاستجابة له، والعمَلِ بما شَرعه، ولزومِ أحكامِهِ وعدم تجاوُزِها، وانقادوا للرسول انقياداً واجباً بالتصديق له فيما بَلّغَهُ عن اللهِ، والخضوعِ له بالاستجابةِ لما بَلّغَهُ عن الله (جاءتْ الآيةُ في سِياقِ نّهي المُؤمنين عن أنْ يُصَيِّروا باختيارِهم رؤساءَ الضلالةِ من اليهودِ وحُلَفائهم المُشركين الذين يكفرون بنبوّةِ محمدٍ وبالإسلام مراجعَ يرجعون إليهم في أمورِهم من دونِ المُؤمنين، أو أنصاراً لهم ينتصرون بهم من دون المُؤمنين، أو أصدقاءَ وأحبّاءَ يتودّدون إليهم إلى حدّ الامتزاجِ الفِكْري مَعَهُم من دون المُؤمنين، أو حُلَفاءَ يَرْكَنُونَ إليهم من دونِ المُؤمنين، وهذا يعني أنّ الأمْرَ بطاعةِ اللهِ ورسولِهِ في هذه الآيةِ واجِبٌ بخُصُوصِ النَّهي المذكور)، فإنْ أعرضوا عن الانقيادِ والخضوعِ للهِ ورسولِهِ، وتَرَكوهُ، واستَمَرّوا على موالاتِهم اليهودَ والمُشركين أعْرَضَ اللهُ عنهم وتَرَكَهم، لأنّ اللهَ لا يُحبُّ الجاحدين طاعتَهُ وطاعةَ رسولِهِ (يدلُّ المعنى على أنّ الذين لا يُطيعونَ اللهَ فيما أنْزَلَهُ إلى رسولِهِ مُحَمّدٍ من الأوامِرِ والنّواهي، ولا يُطيعونَ الرسولَ مُحَمّداً (ص) فيما بلّغَهم بهِ عن الله هم بمنزلة الكافرين) .
