نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا ٢٩ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ عُدۡوَٰنٗا وَظُلۡمٗا فَسَوۡفَ نُصۡلِيهِ نَارٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا ٣٠ إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلٗا كَرِيمٗا ٣١ وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسَۡٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا ٣٢ وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فََٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا ٣٣
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 29 – يا أيّها الذين آمنوا، أنْهاكُم عن أخْذِ بعضِكم أموالَ بعضٍ للانتفاع بها على وَجْهِ الاسْتِحْلالِ حالةَ كونِكم مُتداولينها بينَكم بما لا يَحِلُّ فيه الانتفاعُ بالمال بينَكم إلّا أنْ تكونَ الأموالُ التي أخَذْتُموها وانْتَفَعْتُم بها تجارةً كائنةً عن توافقٍ وقبولٍ بينَكم (أي : أموالاً مُتداوَلةً في البيعِ والشراءِ كائنةً عن توافقٍ وقَبُول بينَكم لغرضِ الحصول على الرّبح، ويدلُّ النَّهي على تحريم أخْذِ الأموال والانتفاع بها بأيِّ طريقٍ لا يحلُّ فيه الانتفاع بالمال، مثل : الرشوة، أو القمار، أو الرِّبا، أو السّرقة، أو التهديد بالقوة، أو أخْذِ فِديةٍ مُقابلَ تحرير إنسانٍ اخْتُطِفَ لأجْلِ الحُصولِ على المالِ، أو الأخْذِ من أمْوالٍ خصَّصَتْها الدولةُ لمُتضَرّرين من النّاسِ أو نازِحينَ بسَبَبِ الحُروبِ أو الكوارثِ الطّبيعيةِ، أو الأخْذِ من أموالِ أو مُمْتلكاتِ أفرادٍ تركوا بيوتَهم هَرَبَاً من الحرب أو من كوارثَ طبيعِيّةٍ، أو الانتفاع بدَيْنٍ بعدَمِ سَدادِهِ لصاحِبِهِ، ويَدُلُّ على تحريم أخْذِ أموالِ المُجتمعِ التي تُديرها الدولةُ والانتفاعِ بها تحتَ أيِّ مُسَمّى من مُسَمَّى الأخْذ، لأنّ هذه الأموال مُلْكٌ لعامّة الناس)، وأنهاكم عن أنْ يَقْتُلَ بعضُكم بعضاً عَمْداً عن سابق إرادةٍ وإصرارٍ، لأنّ اللهَ في وجودِهِ رحيمٌ بكم بتحريمِهِ قَتْلَ بعضِكم بعضاً، (يدلُّ مجيء قولِهِ تعالى : (ولا تَقْتُلوا أنْفُسَكم) في سياق النّهْي عن أخْذِ الأموال والانتفاع بها بأيِّ طريقٍ لا يحلُّ فيه الانتفاع بالمال على أنّ قَتْلَ أفرادِ المُجتمع بعضهم بعضاً عَمْداً يكونُ باستحلالِ بعضِ أفرادِ المُجتمع أخْذَ اموالِ المُجتمع بوسائِلَ مُحَرَّمَةٍ كالسّرِقةِ وقبولِ الرّشوةِ، والاستيلاء على مُمْتلكاتِ الضّعفاء بالقوّة مِمّا يُؤدّي إلى وُجودِ جماعاتٍ من المُجتمع لا تَجِدُ قُوتَ يومِها، فيموتُ بعضُها جوعاً، ويموتُ بعضُها انتحاراً بسَبَبِ الفَقْرِ، أو يقومُ بعضُها بارتكابِ جرائم القتلِ للحصولِ على المال لشراءِ ما يسُدّ جوعَهُ وجوعَ عائِلَتِهِ، ويدلُّ معنى النّهْي على أنّ اللهَ يُريدُ أنْ يعيشَ أفرادُ المُجتمعِ في مُجتمعٍ يتوفر فيه المالُ والأمانُ)
– 30 – وأيُّ إنسانٍ يفعلْ ذلك (أي : يأخُذْ من أموالِ مُجْتَمَعِهِ، ويَنْتَفِعُ بها بما لا يحلُّ فيه أخْذُ المال والانتفاع به بين الناس، أو يَتَسَبَّبْ في قَتْلِ بعضِ أفرادِ مُجْتَمَعِهِ) حالةَ كونِهِ مُتجاوزاً حُكَمَنا الذي شَرَعْناهُ في تداوُل الأموال بينَ أفراد المُجتمع، وحائداً عن شَريعَتِنا التي بيّناها للناسِ بواسطةِ رُسُلنا في حُرْمَةِ قَتْلِ الإنسانِ أو التَّسَبُّبِ في قتْلِهِ فسوفَ نُلقيه في النار، ونُحْرِقُهُ بها، ووُجِدَ ذلك الجزاءُ الذي نجْزيه به حالةَ كونِهِ يسيراً سَهْلاً على الله
– 31 – إنْ تبتعدوا عن كبائر الذنوب التي نهاكم اللهُ عنها (مثل : أكْلِ أموالِ النّاسِ بالباطِل، وقَتْلِ بعضِ أفرادِ المُجتمع، أو والتَّسَبُّبِ في قَتْلِ بعضِ أفرادِ المُجْتَمَعِ، ومِثل : الرِّبا، والرّشوة، وتَرْكِ أحكامِ اللهِ والاستهانةِ بها عَمْداً)، وتَتْرُكوها تقرُّباً إلى اللهِ نَغْفِرْ لكم ذنوبَكم الصغيرةَ، ونَمْحُها من صحائِفِ أعمالِكم، ونُصَيَّرْكم داخِلَ مكانٍ محمودٍ تَرْضَوْنَ به (يُريدُ به الجنّة)
– 32 – ولا تُحِبّوا الذي جَعَلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكم أفْضَلَ من بعضٍ أنْ يصيرَ إليكم (يدلُّ المعنى على أنّ اللهَ تعالى ينهى الرجالَ عُموما عن أنْ يُحِبّوا الذي جَعَلَ اللهُ بِهِ بَعْضَهم أفْضَلَ من بعضٍ أنْ يصيرَ إليهم، سواء أكان مالاً أمْ جاهاً أم رئاسةً أم نِعْمةً من النِّعَم، وينهى عُمومَ النِّساءِ عن أنْ يُحِبِبْنَ الذي جَعَلَ اللهُ به بَعْضَهنَّ أفْضَلَ من بعضٍ أنْ يصيرَ إليهنّ)، لأنّهُ للرجالِ نصيبٌ من كُلِّ شيءٍ اجتهدوا فيه، وتقَلّبوا بإعمالِ الحِيلَةِ في تحصيلِهِ، وللنِّساء نصيبٌ من كُلِّ شيءٍ اجتهدْنَ فيه، وتقَلّبْنَ بإعمال الحِيلَةِ في تَحْصيلِهِ (يدلُّ المعنى على أْنَّ نصيبَ الإنسانِ من نِعَمِ اللهِ على خَلْقِهِ يكونُ بحَسَبَ ما يَبْذُلُهُ الإنسان من جهدٍ للحصول على ما يُريد، وبحَسَبِ تحصيلِهِ الفِكْري لمعرفةِ طُرُقِ الحصولِ على ما يُريد، فلا ينبغي أنْ يَتَمَنَّى الإنسان أنْ يصيرَ إليه الذي عِنْدَ غيرِهِ من نِعَمِ اللهِ)، واستعْطوا اللهَ من إحسانِهِ ما أحْبَبْتُم أنْ يصيرَ إليكم، لأنّ اللهَ في وجودِهِ عليمٌ بكُلِّ شيءٍ، (أي : عليمٌ بما يكون فيه الصلاحُ والخيرُ لكم)
– 33 – وجَعَلْنا لكلّ وارِثٍ أقارِبَ من العَصَبَة، (كالعَمّ وابنِ العَمّ، ونحو ذلك)، فأعْطوهم من تَرِكَةِ الوالدين ومن تَرِكَةِ الأقربين (يدلُّ المعنى على انَّ العطيّةَ للأقاربِ من العَصَبَة من تَرِكَةِ الوالدين والأقربين تكون على وجْهِ الاستحباب لتطييب خواطرِ الأقارب من العَصَبَة الذين هم ليسوا من الوَرَثَةِ، ولنَزْعِ الحَسَدِ من نفوسِهم على الوَرَثَة)، والذينَ عاهدْتُموهم أنْ تُعطوهم نصيباً من ترِكَتِكم إذا متّم، وأكّدْتُم العَهْدَ باليمين فأوصوا الوَرَثَةَ أنْ يُعْطوهم نَصيبَهم من تَرِكَتِكم الذي عاهدْتُموهم عليه (يدلُّ معنى (عَقَدَتْهم أيْمانُكم) أنّ الرّجُلَ يُعاهِدُ رجُلاً أو امْرأةً ليس من وَرَثَتِهِ أنْ يُعْطِيَهُ نصيباً من تركِتِهِ إذا ماتَ، ويُؤكِّدُ العَهَدَ بالقَسَم، ويُوصي وَرَثَتَهُ بذلك، فعلى الوَرَثة أنْ يلتزموا بما عاهَدَ عليه الميّت، ويُعْطُوا المُعاهَدَ نصيبَهُ من تَرِكَةِ الميّت)، يُؤكِّدُ وجوبَ الالتزام بذلك أنّ اللهَ في وجودِهِ مُطّلعٌ على كُلِّ شيءٍ، فاحذروا أنْ تُخالِفوا أحكامَهُ .
Photo credit: © by Zenat El3ain