نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣ يَسَۡٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ وَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ٤ ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِيٓ أَخۡدَانٖۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٥
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
3 – حُرِّمَتْ عليكم المَيْتَةُ، (وهي كُلُّ حيوانٍ أباحَ اللهُ أكْلَهُ، وماتَ حَتْفَ أنْفِهِ بعدَ أنْ كان حيّاً، أو ماتَ على هًيْئةٍ غيرِ شرعِيّةٍ، ويدُلُّ لفظ (المَيْتَة) على عُمومِ المَيْتَةِ، ولمّا كان المقصودُ من التَّحريمِ الأكْلُ منها، فكُلُّ شيءٍ في المَيْتَةِ حرامٌ أكْلُهُ)، وحُرِّمَ عليكم الدّمُ، (يدُلُّ لفظُ (الدّم) على السّائِلِ الأحْمَرِ الذي يَجْرِي في عُروقِ الحَيَوانِ، ويتدَفَّقُ من عُروقِهِ حينَ ذَبْحِهِ أو قَطْعِ عِرْقٍ من عُروقِهِ، وإذا كان الدّمُ هو السائلُ الأحمرُ الذي يَجْرِي في عُروق الحَيَوان، ويتدَفَّقُ من عُروقِهِ حين ذَبْحِهِ أو قَطْعِ عِرْقٍ من عُروقِهِ فإنَّ في هذا المعنى دليلاً على أنّ الدّمَ المُتَبَقّي داخلَ لَحْمِ الحَيَوانِ المأكولِ اللّحْمِ بعد ذّبْحِهِ بطريقةٍ شَرْعِيّةٍ لا يكونُ حراماً، لأنَّهُ لا يَصْدُقُ عليه معنى الدّم)، وحُرِّم عليكم لحمُ الخنزير (المُرادُ بـ(اللّحم) من جِسْمِ الحيوانِ والطّيرِ : الجُزْءُ العَضَلِيّ الرَّخْو بينَ الجِلْدِ والعَظْم، و(لَحْمُ كُلِّ شيء) : لُبُّهُ، ولمّا كان المقصودُ من التّحريمِ الأكْلُ، فكُلُّ لَحْمِ الخنزير حرامٌ أكْلُهُ بما في ذلك لَحْمُ رأسِهِ ولسانُهُ ولَحْمُ رِجْلَيهِ وقَدَمَيْهِ، وكُلُّ لُبِّهِ من قلْبِهِ وشَحْمِهِ وأعضاءِ جِهازِهِ الهَضْمِي، وأحشائِهِ الداخلية)، وحُرِّم عليكم كُلُّ ذبيحةٍ جَهَرَ عليها الذّابِحُ بذَبْحِها لغيرِ الله، (أي : الذَّبيحَةُ التي يَجْهَرُ الذّابِحُ بذَبْحِها باسْمٍ غيرِ اسْمِ اللهِ، وهو اسْمُ مَنْ تُقدَّمُ الذبيحةُ قُرْباناً له، فكُلُّ شيءٍ في هذه الذبيحةُ حَرَامٌ أكْلُهُ)، وحُرِّمَتْ عليكم المَيِّتةُ بالخَنْقِ، و حُرِّمَتْ عليكم المَيِّتةُ بالضّرْبِ، وحُرِّمَتْ عليكم المَيِّتةُ بالسُّقوطِ من عُلُوٍّ، وحُرِّمَتْ عليكم المَيِّتةُ بالنّطْحِ، وحُرِّمَتْ عليكم المَيْتَةُ التي افْتَرَسَها الوَحْشُ الضّاري كالأسدِ والذِّئْبِ والنَّمرِ وغيرِها (أي : مُحَرَّمٌ أكْلُ المَيِّتةِ بالخنق، والمَيِّتةِ بالضّرْبِ، والمَيِّتةِ بالسقوط من عُلُوّ، والمَيِّتةِ بالنّطْح، والمَيِّتةِ بافتراس الوَحْش الضاري لها كالأسد والذئب والنّمر وغيرها)، إلّا التي أدْرَكتم ذَبْحها حيّةً (يدلّ المعنى على أنّ المُنْخَنِقةَ، والمَضْروبةَ، والسّاقطةَ من عُلُوٍّ، والنَّطيحةَ، والتي افْترَسَها الوحْشُ الضاري إذا أدْرَكَها المُسلمُ حيّةً، وذَبَحها بذِكْرِ اسْمِ اللهِ عليها قبلَ أنْ تموتَ حلَّ أكْلُها، ويَدُلّ على كونِها حَيَّةً أنّها تُحَرِّكُ عُضْواً منها مثل رجلها أو ذَنَبِها)، وحُرِّمَتْ عليكم كُلُّ ذَبيحةٍ ذُبِحَتْ على النُّصُبِ، (وهو كُلّ ما أُقيم ورُفِعَ للعِبادةِ من حَجَرٍ أو صَنَمٍ، لأجْلِ التقرّب إليها، أو يذبحونها نَذْراً لما رُفِعَ للعِبادةِ)، وحُرِّمَ عليكم اسْتِقْسامُكم بالأزلام، (أي : حُرِّمَ عليكم أكْلُ نصيبِكم من لَحْمِ الجَزورِ الذي تَحْصُلونَ عليه باسْتِقْسامِكم بالأزْلام، وهو أنْ تَضْرِبُوا بالقِداحِ على الجَزُورِ ونحوهِ، لأخْذِ النَّصيبِ من لَحْمِهِ، والأزلامُ أو القِداحُ عشرةٌ، سبعةٌ منها لها أنْصِباءُ، وثلاثةٌ ليس لها أنْصِباءُ، والتي لها أنْصِباءُ يُكْتَبُ على أحدها سَهْمٌ واحدٌ، وعلى الثاني سهمان، وعلى الثالث ثلاثةُ أسْهُمٍ، وعلى الرابع أربعةُ أسْهُمٍ، وعلى الخامس خمسةُ أسْهُمٍ، وعلى السادس ستةُ أسْهُمٍ، وعلى السابع سبعةُ أسْهُمٍ، ويُكتَب على ثلاثة : (لا نصيبَ له) وكان أهلُ الجاهلية يَعْمَدُونَ إلى الجَزَورِ فيُجَزِّئونَهُ أجزاءً، ثم يجتمعون عليه فيُخرجون الأزلامَ ويدفعونها إلى رَجُلٍ، ثم يَطْرَحُها واحداً واحداً، قائلاً هذا قِدْحُ فلان، فيأخذُ من الجَزور أجزاءً بعدد ما كُتِب على قِدْحِهِ، ويكونُ ثمنُ الجزور على مَنْ يخرج له القِدح مكتوباً عليه : لا نصيب له)، لأنَّ ذلكم (أي : الاسْتِقْسامَ بالأزلامِ) خروجٌ عن طاعةِ اللهِ وتَجاوُزٌ لحدودِ الشّرْعِ – اليومَ (أي : في الوقتِ الحاضِر) انْقَطَعَ أمَلُ الذين جَحَدوا نُبُوّةَ الرسولِ مُحَمّدٍ من اليهودِ والمُنافقين والمُشركين، وجَحَدوا القرآنَ الذي أنْزَلَهُ اللهُ إليه من ذَهابِ دينَكم وزوالِهِ، وانْتَفَى طَمَعَهُم في ذلك، فإذا عرفتم ذلك فلا تَخافُوهم، وخافوني وَحْدِي بطاعةِ ما أمَرْتُكم به ونهَيْتُكم عنه، لأنّهُ اليومَ (أي : في الوقتِ الحاضِر) أتَمَمْتُ لكم دينَكم، (يدلُّ المعنى ونظم الآية على أنَّ اللهَ تعالى أتَمَّ شريعةَ دينِ الإسلام ببيانِهِ في القُرآنِ كُلَّ ما يحتاجُهُ النّاسُ من الفرائَضَ والأحكامَ والوصايا والمعارفُ الإلهيّة لتنظيم حياتِهم على الأرض، واستقامَتِها بما يُحَقِّقُ لهم السعادة في حياتهم في الدّنيا وفي حياتهم في الآخرة)، واليومَ أعطيتُكم نِعْمتي تامّةً (يدلّ السياق على أنّ المُراد بالنّعمة القُرآنُ المُشتملُ على الفرائضِ والآحكامِ والوَصايا والمعارفِ الإلهيّةِ، وقد تَمّ القرآن بهذه السورة، لأنَّ سورةَ المائدةِ آخِرُ السّوَرِ نزولاً إلى الرّسولِ مُحمّدٍ)، واليومَ قَبِلتُ لكم دينَ الإسلام حالةَ كونِهِ شريعةً ونظاماً لكم في جميع نواحي حياتِكم – فأعودُ بعدَ بيانِ هذا الأمْرِ المُهِمّ والعاجِلِ إلى الكلامِ عن المُحرّمات السّابقةِ، لبيانِ حُكْمِ الشخص الذي يَضْطَرُّ إلى أكْلِ شيءٍ من تلك المُحَرّمات : أيُّ شخصٍ دَعَتْهُ الضّرورةُ إلى أكْلِ شيءٍ مِمّا حُرِّم عليكم بسببِ مجاعةٍ شديدةٍ، وحالُهُ أنَّهُ غيرُ مائلٍ إلى تلك المُحَرَّمات المُوجِبَةِ للإثم، ولا مختارٌ لها من غير مجاعة فأكَلَ منها فلا إثْمَ عليه، لأنّ الله غفورٌ يغفر لمَنْ دَعَتْهُ الضرورةُ إلى أكلِ شيءٍ مِمّا حُرِّم عليه غير قاصدٍ انتهاكَ أحكامِ الله، رحيمٌ بعبادِهِ لا يشُقّ عليهم، ولا يُكلِّفُهم أكثرَ من طاقتِهم
– 4 – يَسْتَخْبِرونَكَ عن الذي أحَلَّهُ اللهُ لهم : أي : أيُّ شيءٍ الذي أحَلّهُ اللهُ لهم غيرَ ما ذُكِرَ من المُحَرَّمات ؟ قل جواباً لهم : أُحَلَّ اللهُ لكم الطيّباتِ، (وهي كُلُّ ما تَسْتَلِذُّهُ الحَوَاسُّ أو النَّفْسُ، وكُلُّ ما خلا من الأذى والخَبَثِ، ويدلّ معنى (الطيِّبات) على إباحةِ أكْلِ كُلِّ ما تَسْتَلِذُّهُ الحَوَاسُّ أو النّفْسُ، وكُلُّ ما خلا من الأذى، ولم يَنْزِلْ فيه تحريمٌ في القرآن، لأنّ الأشياءَ في الأصْلِ على الإطلاقِ والإباحةِ، ما لم يَنْزِلْ فيها تحريمٌ في القرآن)، وأحَلَّ اللهُ لكم صَيْدَ التي جَعَلْتُموهُنَّ يتَعَلَّمْنَ الصّيدَ، وروّضْتُمُوهُنَّ عليه حالةَ كونِهنَّ من الكواسِبِ التي تَكْسِبُ أربابَها الطعامَ بصيدِها، (مثل كلابِ الصيد) حالةَ كونِكم مُعلِّمين إياهُنّ طُرُقَ الصّيدِ، أي : تجعلونَهُنَّ يتَعَلَّمْنَ طُرُقَ الصّيدِ وتُروّضونَهنَّ على ذلك من العِلْمِ الذي جَعَلَكم اللهُ تتَعلّمونَهُ (وهو عِلْمُ ترويضِ الكِلاب، وغيرِها من الحيواناتِ الجارحَةِ على كيفيّةِ الإمساكِ بالصّيد دون قَتْلِهِ حتى يَصِرْنَ مُدَرّباتٍ على ذلك مُميَّزاتٍ عن غيرهن من الكلاب، لأنَّ كُلَّ الكلابِ وبقيّة الجوارح تُمسكُ الصيدَ على نفسِها إلا الكلابَ المُدرَّبَةَ فإنّها تُمسكُ الصيدَ على صاحِبِها، وهذا العِلْمُ ألقاهُ اللهُ في رَوْعِهم ولَقَّنَهم إيّاه)، فإذا أمْسَكْنَ الصَّيْدَ فكُلوا من الصّيدِ الذي حَبَسْنَه لكم، واذكروا اسْمَ اللهِ عليه (يدلُّ النّظْمُ والمعنى على أنَّ ذِكْرَ اسمِ اللهِ يكونُ حين إرسالِ الكَلْبِ المُعَلّم إلى الصّيْدِ، فإذا أدْرَكَ مُرْسِلُ الكَلْبِ الصّيْدَ حيّاً ذَكْرَ اسمَ اللهِ عليه حين ذَبْحِهِ، وإذا أدْرَكَهُ ميّتاً بسببِ إمْساكِ الكلْبِ به فالصّيْدُ حلالٌ لأنَّ مُرْسِلَ الكَلْبِ ذَكَرَ اسمَ اللهِ حين إرسالِ الكلبِ المُعَلّم إلى الصّيْدِ، ويدلُّ المعنى على أنّ غيرَ المُعلَّمِ من الكلاب إذا قَتَلَ الصّيدَ فالصّيدُ حَرَامٌ إلا إذا أدْرَكَهُ مُرْسِلُ الكلب حيّاً فذبَحَهُ قبل أنْ يموت، ولم يَرِدْ في الآية ما يَدُلُّ على وجوبِ غَسْلِ موضع عضَّةِ الكَلْبِ من الصَّيدِ بالماءِ، وما ذُكِرَ في كُتُبِ الفِقْهِ من نجاسةِ الكلبِ فهو مُعتَمِدٌ على الروايات)، وخافوا الله، واحفظوا أنفسكم من عقابِهِ بالالتزامِ بما حَرّمَهُ الله عليكم، وبما أحَلَّهُ لكم، لأنّ اللهَ سريعُ الجزاءِ لمَنْ لا يخافُهُ، ويُخالفُ أحكامَهُ
– 5 – اليومَ (أي : في الوقت الحاضر) أحَلَّ اللهُ لكم الطيّباتِ، (وهي كُلُّ ما تَسْتَلِذّهُ الحواسُّ أو النَّفْسُ، وكُلُّ ما خلا من الأذى والخَبَث ممّا لم ينزل فيه تحريمٌ في القرآن)، وطعامُ الذين أوتوا الكتابَ من اليهودِ والنصارى حلالٌ لكم في الوقتِ الحاضِرِ، وطعامُكم حلالٌ لهم أيضاً في الوقت الحاضر (الطّعامُ اسْمٌ جامِعٌ لكُلِّ ما يُؤْكَلُ كما أنّ الشّرابَ اسْمٌ جامِعٌ لكُلِّ ما يُشْرَبُ، ويدلُّ قولُهُ تعالى : “واذكُروا اسْمَ اللهِ عليه” الذي تقدّم معناه، وقولُهُ تعالى في (سورة الأنعام، الآية : 119) : “ومالَكُم إلّا تأكُلوا ممّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عليه وقد فَصَّلَ لكم ما حَرَّمَ عليكم إلّا ما اضْطُرِرْتُم إليه” ومعناه : وأيُّ شيءٍ حَصَلَ لكم في أنْ لا تأكلوا من الذبيحةِ التي ذُكِرَ اسمُ الله عليها، وحالُكم أنّ اللهَ قد بيّنَ لكم في القرآنِ الذي حَرّمَهُ عليكم إلاّ الذي ألْجَأَتْكم الضرورةُ إلى أكْلِهِ ممّا حُرِّمَ عليكم ؟ وقولُهُ تعالى في (الآية : 121) : ولا تأكُلوا مِمّا لم يُذْكَر اسْمُ اللهِ عليه وإنّهُ لَفِسْقٌ” ومعناه : ولا تأكلوا من الّذبيحةِ التي لم يُذْكَر اسمُ اللهِ عليها حينَ ذَبْحِها، وأُؤكِّدُ أنّ الأكْلَ من الذبيحةِ التي لم يُذْكَر اسمُ اللهِ عليها خُروجٌ عن طاعةِ اللهِ وشرعِهِ ودِينِهِ، يدلُّ ما تقدّم على أنَّ اللهَ تعالى قد حَرَّمَ ما لم يُذْكَر اسْمُ الله عليه وقتَ ذَبْحِهِ، أو ما ذُكِرَ اسمُ غيرِ الله عليه وقتَ ذبْحِهِ، ويدلُّ معنى (الطعّام) في لغةِ العَرَب على أنَّ (الطعام) في قولِهِ تعالى : “وطعامُ الذين أُوتوا الكِتابَ حِلٌّ لكم وطعامُكُم حِلٌّ لهم” يشملُ كُلَّ ما يُؤْكَلُ من سائرِ الحُبوبِ والثِّمارِ والذّبائِحِ، ولكنَّ ذبائحَ أهْلِ الكتاب يُشْتَرَطُ في حِلِّيَتِها ذِكْرُ اسْمُ اللهِ عليها حينَ ذَبْحِها، فإنْ لم يَذْكُرْ أهلُ الكتاب اسْمَ اللهِ على ذبائحِهم حين ذَبْحِهم إيّاها فهي حرامٌ على المُسلمين بدليل ما جاء في القرآن من حُكْمِ تحريم الذبيحة التي لم يُذْكَر اسْمُ الله عليها وقتَ ذَبْحِهِا، أو ما ذُكِرَ اسمُ غيرِ الله عليها وقتَ ذبْحِهِا، ويدلُّ سياق ما جاء في القرآن بخصوص وجوبِ ذِكْرِ اسْمِ اللهِ تعالى على الذّبيحةِ حينَ ذَبْحِها على عُموم (اسْمِ اللهِ)، أي : سواءٌ أكانَ اسمُ اللهِ باللغةِ العربية أم اسْمُ اللهِ باللّغة العِبْريّة أم اسْمُ اللهِ بلُغاتِ النّصارى في الوقتِ الحاضِر، ويجبُ على المُسلم أنْ يَحْرِزَ شرطَ ذِكْرِ اسْمِ اللهِ على ذبائحِ أهلِ الكتاب بما يحصلْ عندَهُ الاطْمِئنانُ في ذلك، ولا يجوزُ للمُسلم أنْ يأكُلَ من ذبائِحِ أهْلِ الكتاب ما لم يَحْرِزْ شرطَ ذِكْرِ اسْمِ اللهِ عليها، وإنْ ذَكَرَ المُسلمُ اسمَ اللهِ على اللّحم الذي يبيعُهُ أهلُ الكتاب في السُّوقِ بعدَ شِرائِهِ فاللّحمُ حرامٌ أكْلُهُ، لأنَّ حُكْمَ ذِكْرِ اسْمِ اللهِ على الذّبيحةِ يجب أنْ يُذْكَرَ عليها حينَ ذَبْحِها)، والنساءُ العفيفاتُ حالةَ كونهنّ من المؤمناتِ باللهِ والرّسولِ مُحَمّدٍ والقرآنِ المُشتمِلِ على الأحكامِ والفرائضِ والوصايا والمعارفِ الإلهيّةِ حلالٌ لكم نِكاحُهنَّ، والنساءُ العفيفاتُ حالةَ كونهنّ من الذين أوتوا الكتابَ من قبلكم (أي : من اليهود والنصارى) حلالٌ لكم نكاحُهنَّ، أي : إذا أعْطَيْتُمُوهُنَّ أجورَهنَّ حالةَ كونِكم أعِفّاءَ، غيرَ مُقيمينَ مع نساءٍ من غيرِ زواجٍ صحيحٍ، ولا مُتّخذي صديقاتٍ تعاشروهُنّ بغيرِ عقدِ نكاح فهُنّ حلالٌ لكم نكاحهنَّ (يدلّ قوله تعالى (إذا آتيتموهنّ أجورَهنَّ) على شرط حِلّيّةِ النكاح، والمُراد بـ(أجورهنّ) : مهورهنّ، ويدلُّ المعنى على جواز نكاح الكتابيّةِ العفيفةِ نكاحاً دائماً بشرط إعطاءِ المَهْرِ لها)، وأيُّ إنسانٍ لم يُؤمِنْ بالشريعةِ التي فَصّلها اللهُ في القُرآن، ويُنْكِرْها، ولا يعمَلْ بها فقد بَطَلَ عمَلُهُ، وهو من الهالكين في الآخِرَةِ .
Photo credit: © by Wall Boat