نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا ٣٤ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا ٣٥ ۞وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا ٣٦
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
34 – الرجالُ مُتَحَمِّلونَ مؤونَةَ النِّساءِ، قائمونَ بكِفايَتِهنَّ في أمُورِ حياتِهِنَّ في المأكلِ والمَلْبَسِ والمَسْكَنِ، مُتَكَلِّفونَ بأمورِهِنَّ الأخْرى بسَبَبِ تَفْضِيلِ اللهِ بعضَ الرِّجالِ على بعضِهِم بالقُدْرَةِ على القيامِ بمؤونَةِ النِّساءِ، وكِفايَتِهنَّ في أمُورِ حياتِهِنَّ، وبسَبَبِ إنْفاقِهم من أموالِهم على عِيالِهم (يدلُّ هذا المعنى على أنَّ الرِّجالَ الذين لا يقْدِرون على تَحَمُّلِ مؤونَةِ نِسائِهم، وعلى القِيامِ بكِفايَتِهنَّ في أمُورِ حياتِهِنَّ في المأكلِ والمَلْبَسِ والمَسْكَنِ، وأمورِهِنَّ الأخْرى لسَبَبٍ من الأسبابِ كالعَجْزِ أو المَرَضِ أو فقدان العَمَلَ يَسْقُطُ عنهم هذا التّكليف، وتقومُ بهِ النّساءُ القادراتُ على تَحَمُّلِ مؤونةِ رجالِهنّ وتكاليفِ المعيشةِ في المأكلِ والمَلْبَسِ والمَسْكَنِ، وعلى الإنفاقِ على عِيالِهِنَّ)، فالنساءُ الصالحاتُ طائعاتٌ لأزواجِهنّ، حافظاتٌ لغَيْبَةِ أزواجِهن، (أي : لا يُدْخِلْنَ أحداً إلى فِراشِ أزواجهنّ في حال غَيْبَتِهم، ولا يَدَعْنَ أحَداً من الرِّجالِ يفعلُ بهنَّ ما يفعلُهُ الزوجُ مع زوجته من المُغازلَةِ في الكلام، أو المُداعبة باللمْسِ أو التقبيل أو غيرِ ذلك في حال غَيْبَةِ أزواجِهِنَّ عنْهُنَّ، أو غَيْبَتِهنَّ عن أزواجِهنّ في سَفَرٍ أو عَمَلٍ أو نحو ذلك)، بسَبَبِ العَهْدِ الذي أعْطَيْنَهُ لأزواجِهِنّ في عَقْدِ النكاح ورَعاهُ اللهُ وصانَهُ ووَثَّقَهُ عندَهُ، فلا يجوزُ لهنّ خيانةُ العَهْدِ في حالِ غيبةِ أزواجهنّ، أو في حال غيبتهنّ عن أزواجِهنّ (العهدُ الذي أعْطَيْنَهُ لأزواجهنّ في عَقْدِ النِّكاح هو قولُ المرأةِ للرّجُلِ الذي يُقدِّمُ لها المَهرَ للزواج بها : زَوّجْتُكَ نفسي بمهرٍ قدرُهُ كذا، وهذا القولُ عَهْدٌ منها له بأنْ تجْعَلَ نَفْسَها خالِصَةً له وَحْدَهُ فلا يجوزُ لها أنْ تخونَهُ في حالِ غيبتِهِ عنها، أو في حال غيبتها عنه)، والزوجاتُ اللاتي تَعْلمونَ وتَتَيَقّنونَ حدوثَ العصيانِ والتكبّر منهنّ، بسَبَبِ ما تَرَونَهُ منهنَّ من علاماتِ العِصيان والتكبّر عليكم فانْصَحوهُنّ وذَكِّروهنّ بالعواقب، وائْمُروهنّ بالطّاعةِ، ووَصّوهُنَّ بها، واعْتَزلوهنّ في المضاجع (أي : في مواضِعِ الضُّجوعِ معَهنّ بتَرْكِ الكلامِ مَعَهُنّ، وتَرْكِ المُلاعَبَة، وتحويلِ الظَّهْرِ إليهِنّ إنْ لم يَنْفَعْ الوَعْظُ)، واحْجُرُوا عليهنّ، (أي : امْنَعُوهُنّ من الخُروجِ من بيوتِهنّ، واجْعَلُوهُنَّ مُقيماتٍ في بيوتِهِنَّ قَسْراً)، فإنْ أطَعْنَكم بعَدَمِ العِصيانِ والتَّكَبُّرِ عليكم، واللّين لكم فلا تَعْتَدُوا عليهِنَّ بأيِّ طريقٍ من طُرُقِ الاعتداء، لأنَّ اللهَ في وجودِهِ أعلى مِنْكُم في القُوّةِ، وأكبرُ وأعظمُ من كُلِّ مُتكبّرٍ وظالمٍ، فهو قادرٌ على أنْ يَنْتَصِرَ لَهُنّ منكم إذا ظلمتموهنّ – 35 – وإنْ عَلِمْتُم وتَيَقَّنْتُم خِلافاً بينَ الزّوجِ وزوجتِهِ، يُؤدّي إلى الابتعاِد وحُصولِ التباغُضِ بينَهما فابْعَثُوا حَكَماً تختارونَهُ من أهلِ الزّوجِ قادراً على الفَصْلِ بين المُتنازِعَيْنِ، وحَكَماً تختارونَهُ من أهلِ الزوجة قادراً على الفَصْلِ بين المُتنازِعَيْن لإزالةِ الخِلافِ والتّباغُضِ بين الزّوجين، والتوفيق بينهما، إنْ يُرِدِ الزّوجان إزالةَ ما بينَهما من خِلافٍ وتباعُدٍ يُصْلِح الله بينَهما بأنْ يُلْهِمهما الرِّضا والتَّوافُقَ بينَهما، يُؤكِّد ذلك أنّ اللهَ في وجودِهِ عليمٌ بنيّاتِكم وما يُضْمِرُهُ كلٌّ منكما من إرادةِ الإصلاحِ أو عَدَمِها، خبيرٌ بما يكون فيه الخيرُ والصَّلاحُ لكم – 36 – واعبدوا اللهَ بتوحيدِهِ والخضوعِ والانقياد له فيما أمَر ونهى من التشريعات السابقة، ولا تُشركوا به شيئاً من الشِّرْك (يدلُّ الأمْرُ بالعبادة، والنهي عن الشّرك بعد التشريعات السابقة على أنّ مَنْ عَمِلَ بها طاعةً لله فقد عَبَدَهُ، ومَنْ لم يعمل بها فقد أشْرَكَ هواهُ ومصالحَهُ مع الله في الطاعة والانقياد، وَمَنْ عَمِلَ بأحكامٍ لم تَرِدْ في القرآنِ، أو تُخالِفُ ما جاء في القرآنِ من الأحكام فقد أشْرَكَ باللهِ)، وأحْسِنُوا بالوالدين إحساناً بإكرامِهما وبِرّهما وعَدَمِ عقوقِهما، وأحْسِنُوا بذوي قُرباكم إحساناً بمواصَلَتِهم ومساعدتَهِم والإنفاقِ على فُقَرائِهم، وأحْسِنُوا باليتامى إحساناً بحِفْظِ أموالِهم، ورعايةِ شؤونِهم، والإنفاقِ عليهم إنْ كانوا فقراء، وأحْسِنُوا بالمساكينِ الفقراءِ الذين ليس عندهم مالٌ يكفي عيالَهم إحساناً بالإنفاقِ عليهِم وسَدِّ حاجتِهم، وأحْسِنُوا بالجارِ القريبِ في النَّسَب منكم، وبالجار الغَريبِ النازِلِ في جوارِكم إحساناً بالمعاملة الحَسَنَةِ والسؤال عنه، وأحْسِنُوا إلى القريبِ المُصاحِبِ لكم في السّفَرِ إحساناً (يشمل (الصاجب بالجنب) القريب في المَجْلِس، أو في الوظيفة، أو العَمَلِ)، وأحْسِنُوا إلى المَنْسُوبِ إلى الطِّريق وهو المسافرُ سواءٌ نَزَلَ ضيفاً عليكم أم ضلّ طريقَهُ أم فَقَدَ نَفَقَةَ سَفَرِهِ إحساناً، وأحسنوا إحساناً إلى نساءٍ صِفَتُهُنُ أنَّكم تًزَوَّجْتُم بهنَّ بعَقْدِ الزّواجِ الشّرْعِي، وصِرْنَ في حَوْزَتِكم وتَصَرُّفِكم بقُدْرَتِكم الماليَّة (يدلُّ المعنى على أنَّهُنَّ إماءٌ صِرْنَ في حوزَةِ الرَّجُلِ مُقابلَ مالٍ دفَعَهُ إلى أوليائِهِنَّ) بالمُعاملة الحَسَنةِ، وتوفيرِ السّكَنِ المُناسِبِ والمأكلِ والمَشْرَبِ والمَلْبَسِ لهنَّ، يُؤكِّد الالتزامَ بما تقدّم أنّ اللهَ لا يُحِبّ الإنسانَ الذي وُجِدَ حالةَ كونِهِ مُتكبّراً مُتبخْتراً مُتمايلاً في مَشْيِهِ، مُتباهياً بمحاسنِهِ ومحاسِنِ قومِهِ، وبمالِهِ وجاهِهِ ومَنْصَبِهِ (يدلُّ قوله في آخر الآية (إنّ … فخوراً) على أنّ المُسلمَ المُتواضِعَ هو الذي يلتزمُ بتلك الأوامر، وأنّ المُسلم المُتكبّر المُتباهي يتعالَى على مَنْ أمَرَ اللهُ بالإحسان إليهم، واللهُ لا يُحِبُّ مَنْ يتعالى على الذين أمَرَ اللهُ بالإحسانِ إليهم خصوصاً، وعلى جميعِ النّاسِ عُموماً، ويدلُّ مجيء تلك الأوامر بعد ذِكْرِ التشريعات السابقة على رَبْطِ التشريع بتربية المُسلم على الأخلاق الفاضلة، لأنّ التشريعَ مَعَ الأخلاقِ ضمانٌ للمُسلمِ من الانْحراف عن الالتزام بما شرعَهُ له من الأحكام، ويعني هذا أنّ دراسةَ الفِقْهِ وأصولِهِ مُجَّرَّدةً عن دراسةِ الأخلاقِ لا تَعْصِمُ الدّارسَ من الوُقُوعِ في المَعْصِيَةِ)

Photo credit: © by Safa Kadhim