نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٤٥ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٤٦ وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ ٤٧ وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلۡفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكُمۡ إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٤٨إِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰٓؤُلَآءِ دِينُهُمۡۗ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٤٩ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ ٥٠ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ ٥١
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 45 – يا أيّها الذين آمنوا، إذا اسْتَقْبَلْتُم جماعةً من الذين كفروا وَجْهاً لوَجْهٍ في المعركةِ فاثْبُتُوا لهم، ولا تَفِرُّوا من المُواجَهَةِ، واذْكُرُوا اللهَ في قُلُوبِكم وألْسِنَتِكم ذِكْراً كثيراً وقْتَ المُواجَهَةِ بتَمْجِيدِهِ وتَعْظِيمِهِ والدُّعاءِ إليه بأنْ يَنْصُرَكُم على عَدُوِّكم، لكي تَفُوزُوا بالنَّصْرِ أو الشَّهادَةِ، وتَفُوزُوا بثَوَابِ اللهِ في الحالتين، وهذا هو ما ترجونَهُ (يدلُّ المعنى على أنَّ ذِكْرَ اللهِ في المعركةِ أحَدُ أسبابِ النّصْرِ فيها)
– 46 – وانْقادُوا للهِ فيما يأمُرُكم به، واخْضَعُوا لَهُ بالاسْتِجابَةِ لَهُ، والعَمَلِ بما أمَرَ، ولُزُومِ أوامِرِهِ وعَدَمِ تجاوُزِها، وانْقادُوا للرَّسولِ بالتَّصدِيقِ لَهُ فيما بلَّغَكم بِهِ عن اللهِ، واخْضَعُوا لَهُ بالاسْتِجابَةِ لما يَدْعُوكُم إليه، ولا تَخْتَلِفُوا بالنِّزاعِ في لقاءِ عَدُوِّكُم، فبِسَبب اختلافِكم تَتَراخَوْا عن قِتالِ أعدائِكم، وتَجْبُنُوا عن مُلاقاتِهم، وبسَبَبِ ذلك تَتَلاشَى قُوّتُكم ودولتُكم (يدلُّ المعنى على أنّ طاعةَ القائدِ وعدمَ الاختلافِ في مواجهةِ الأعداءِ سببٌ في النّصْرِ، وعلى أنّ عَدَمَ الالتزامِ بأوامِرِ القائدِ، والاختلافَ في مواجهةِ الأعداءِ سَبَبٌ في تَراخِي المُقاتلين وجُبْنِهم وخسارَتِهم في المعركةِ، فيتسبّبُ عن ذلك تلاشِي قوّتِهم، وذهابِ دولتِهم)، واصْبِرُوا على قِتالِ أعدائِكم، لأنَّ اللهَ مَعَ الصّابرينَ يُؤيِّدُهم بالنّصْرِ على عَدُوِّهم
– 47 – ولا تَصِيرُوا مِثْلَ كُفّارِ قُرَيش الذين خَرَجُوا من ديارِهم إلى بَدْرٍ لِقتالِ الرَّسولِ والمُسلمين حالةَ كونِهم مُغالين في المَرَحِ والفخْرِ بأنْفُسِهم وقُوَّتِهم، ومُرائينَ النّاسَ باسْتِعْراضِ قُوَّتِهم بالمعازفِ وقَرْعِ الطُّبُولِ، وحالُهم وَقْتَ خروجِهم أنِّهم يَمْنَعونَ النّاسَ عن دينِ اللهِ بعَرْضِ قُوّتهم أمامَهم لإرْهابِهم، واللهُ عليمٌ بالذي يعملونَهُ من جميعِ جوانِبِهِ (أي : عليمٌ بأعمالِهم، والنِّيّاتِ والدّوافِعِ التي وراءَ أعمالِهم، ويَدُلُّ المعنى على نَهْي المُسلمين عن أنْ يكونَ حالُهم كحالِ كُفّارِ قُرَيش إذا خرجوا لقتالِ عَدُوِّهم، فإنّ ذلك يكونُ سَبَباً في مَنْعِ اللهِ نَصْرَهُ عنهم)
– 48 – واللهُ عليمٌ بهم حينَ حَسَّنَ رُؤساءُ الضَّلالَةِ من اليهودِ المُوجودينَ في المدينةِ لهم أعمالَهم بإعدادِ عُدّةِ القِتال، والمُقاتِلينَ الأشِدّاءِ، وبالخُروجِ إلى بَدْرٍ لقتالِ المُسلمين، وقالوا لهم : لا غالبَ من النّاسِ لكم اليومَ، وقالوا لهم : إنَّنا مُجِيرون لَكُم، وحامِينَكم من مُحَمّدٍ وأتباعِهِ، فلمّا اقْتَرَبَ المَسلمونَ من كُفّارِ قُرَيش في بَدْرٍ، واقْتَرَبَ كفّارُ قريش من المُسلمين، ورأى كُلُّ فريقٍ خَصْمَهُ في مُواجَهَتِهِ رَجَعوا عَمَّا كانوا قد وَعَدوهم به، وأحْجَموا عنه، وقالوا : إنَّنا بريئون منكم، لأنَّا نَرَى الذي لا ترونَهُ (من عَزْمِ المُؤمنين بمُحمّدٍ على القتالِ، والتَّضْحِيَةِ بأنفُسِهم من أجْلِ دينِهم إلى آخِرِ رَجُلٍ، وطاعتِهم لمُحَمّدٍ وخضوعِهم له)، ولأنَّنا نخافُ اللهَ أنْ يُصيبَنا بعذابٍ على أيدِيهم، ولأنَّ اللهَ شديدٌ عقابُهُ
– 49 – واللهُ عليمٌ حينَ يقولُ المنافقون الذين يُبْطِنُون الكُفْرَ ويُظهرونَ الإيمان في المدينة، وضُعفاءُ الإيمان الذين في قلوبهم رَيْبٌ وشَكٌّ : خَدَعَ هؤلاءِ المسلمين دينُهُم الذي وَعَدَهُم بالنَّصْرِ، فاغْتَرُّوا بذلك، وخَرَجُوا إلى قتالِ قُريش التي ما ذلّتْ مُنْذُ عَزّتْ، وواقعُ الحالِ أنّ أيَّ إنسانٍ يُسَلِّمْ أمْرَهُ إلى اللهِ، ويَثِقْ به، ويعتَمِدْ عليه يَنْصُرْهُ ولا يَخْذُلْهُ، لأنّ اللهَ قادرٌ على كُلِّ شيءٍ، لا يغْلِبُهُ أحَدٌ، ولا يَمْتَنِعُ من قُدرتِهِ أحَدٌ، حكيمٌ مُتْقِنٌ لأفعالِهِ
– 50 – ولو قُدّْرَ لك أنْ ترى، (أي : لو تمكّنْتَ من المُشاهَدَةِ والمُعايَنَةِ) حين تقْبِضُ الملائكةُ المُوكَّلون بقَبْضِ أرواح الذين كفروا يومَ بَدْرٍ حالةَ كونِهم يَضْرِبون وجوهَهُم ومُقدّمَةَ أجسامِهم، ويضْربون ظهورَهُم وأعْجازَهم إذلالاً لهم، ويقولون لهم : حُسّوا بألمِ عذابِ الحريقِ الذي تُقاسُونَهُ يومَ القيامَةِ لرأيتَ أمْراً عجيباً، ومنظراً رهيباً
– 51 – ويقولون لهم : ذلك الذي نَزَلَ بكِم من عذابِ القَتْلِ وضَرْبِ وجوهِكم وأدبارِكم كائنٌ بسبب الذي فَعَلْتُمُوه من الشِّرْكِ باللهِ وجُحودِ نُبُوَّةِ رسولِهِ مُحَمَّدٍ والقُرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه بإرادِتكم واختيارِكم، وبسبب أنّ اللهَ ليس ظلاّماً لعبيدِهِ، فهو يُجازِي كُلَّ عبدٍ على ما فَعَلَهُ بإرادتِهِ واختيارِهِ .