نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِي بِهِۦۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسَۡٔلۡهُ مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّٰتِي قَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيۡدِهِنَّ عَلِيمٞ ٥٠ قَالَ مَا خَطۡبُكُنَّ إِذۡ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِۦۚ قُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمۡنَا عَلَيۡهِ مِن سُوٓءٖۚ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٥١ ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ ٥٢ ۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٥٣ وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِي بِهِۦٓ أَسۡتَخۡلِصۡهُ لِنَفۡسِيۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلۡيَوۡمَ لَدَيۡنَا مَكِينٌ أَمِينٞ ٥٤ قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ ٥٥ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٥٦ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ٥٧
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 50 – وقال المَلِكُ : ائْتُوني بالذي فَسَّرَ رؤيايَ، فلمّا جاءَ رسولُ المَلِك يوسُفَ، وأخْبَرَهُ بأنّ المَلِكَ يُريدُ حضورَهُ عِنْدَهُ، قالَ يوسُفُ : ارجِعْ إلى سيّدِكَ المَلِك، فإنْ رَجَعْتَ إليه فاسْأَلْهُ : ما أمْرُ النِّسوَةِ اللّاتي جَرَحْنَ أكُفَّ أيدِيهِنَّ جروحاً بليغةً بدلاً من أنْ يَقْطَعْنَ الطَّعامَ الذي في أيديهن ؟ وما شأنُهُنَّ معي؟ اسْألْهُ ذلك، لأنّ رَبِّي الذي نجّاني من كيدِهِنّ عليمٌ بكيدِهِنّ
– 51 – قال المَلِكُ للنِّسْوةِ وفيهنَّ امرأةُ العزيزِ بعدَ إحضارِهِنَّ إليه : ما أمْرُكُنَّ وشأنُكُنَّ العظيمُ حينَ طَلَبْتُنَّ من يوسُفَ بلطفٍ وخداعٍ أنْ يفعلَ الفاحشَةَ مع امرأةِ العزيزِ، قُلْنَ جواباً لسؤالِهِ : بَعُدَ يوسُفُ عمَّا رُمِيَ به من إرادتِهِ الفاحشَةَ مع امرأةِ العزيز لأجلِ الله، يُؤكِّدُ ذلك أنّا ما عَرَفْنا عليه أيَّ شيءٍ من خيانةٍ أو كَذِبٍ أو خِداعٍ، قالت امرأةُ العزيزِ : الآنَ ظهرَ الحقُّ وبانَ بعدَ خفاءٍ، أنا طَلَبْتُ مِنْهُ أنْ يُوَاقِعَني بلُطْفٍ وخِداعٍ، وإنّهُ لَمِنَ الصَّادِقين في قولِهِ : ” هي راوَدَتْني عن نفسي”
– 52 – وأرسلَ المَلِكُ رسولَهُ إلى يوسُفَ، لِيُبلّغَهُ خبرَ براءتِهِ، وليسألَهُ عن سَبَبِ إرجاعِهِ رسولَهُ في المرَّةِ الأولى، وطَلَبِهِ أنْ يُحَقّقَ المَلِكُ في أمْرِ النِّسوَةِ، فلمّا جاءَ رسولُ المَلِكِ إلى يوسُفَ، وسألَهُ عن ذلك، قال : فَعَلْتُ ذلك لكي يَعْلَمَ العزيزُ أنّي لم أخُنْهُ في زوجتِهِ في غيبتِهِ، ولأنَّ اللهَ لا يُسدّدُ الخائِنينَ، ولا يأخُذُ بيدِهم إلى النَّجاةِ
– 53 – وحالي أنّي ما أجْعَلُ نَفْسِي خالصةً من كُلِّ ذنْبٍ باعتبارِي بَشَراً، لأنّ النّفْسَ البَشَرِيّةَ تأمُرُ صاحبَها بفِعْلِ السوءِ مرّةً بعد مرّةً إلاّ الذي رَحِمَهُ ربّي بتوفيقٍ منه وهدايةٍ، فإنّهُ يَمْنَعُ نفسَهُ من ذلك، لأنَّ ربّي كثيرُ السّتْرِ على عبادِهِ الذين يَجْتَهِدُونَ في التَّقَرُّبِ إليه بالعَمَلِ الصّالِح، كثيرُ الرَّحْمَةِ بهم
– 54 – وقالَ المَلِكُ : ائْتُونِي به، إنْ تأتونِي به أخْتَصّهُ بدخيلةِ نَفْسِي، وأرْجِعُ إليه في تدبيرِ شؤونِ مَمْلَكَتِي، وأعْمَلُ بمَشُورَتِهِ، فأتوا به إليه، فلمّا كلَّمَهُ قال : إنّكَ عظيمٌ ذو مكانةٍ رفيعةٍ ونفوذٍ وأمْرٍ في ممْلكَتِنا اليومَ، وإنّكَ أمينٌ على شؤونِ مُلْكِي، وأنا أئْتَمِنُك عليها
– 55 – قال يوسُفُ : أرْجُو أنْ تجْعَلَني مُتَوَلّياً على خزائنِ أرضِ مَمْلَكَتِكَ التي تُخْزَنُ فيها المِيرةُ وأرزاقُ النّاسِ، لأقومَ بوظيفةِ جَمْعِ الطّعامِ وادّخارِهِ لمُواجَهَةِ السِّنين السَّبْعِ المُجْدِبَةِ التي يَجُوعُ فيها النّاسُ، وأقومَ بتوزيعِ الأرْزاقِ على النّاسِ بالعَدْل، لأنّي مُتمكّنٌ أشدّ َالتَّمْكينِ من حِفْظِها، ومن أنْ تَصِلَ إليها أيدي الخائِنين (يَدُلُّ المعنى على أنَّ أيَّ مَلِكٍ أو رئيسٍ للبِلادِ إذا أرادَ أنْ يُواجِهَ المُشْكِلاتِ الصّعْبةَ التي تعْصِفُ ببلادِهِ، ويأخُذَ بأيدي البلادِ إلى بَرِّ الأمان حيثُ الأمانُ والرّاحةُ والاطْمِئنانُ والرِّزْقُ الوفيرُ والخيرُ العَميمُ فيَجِبُ عليه أنْ يَخْتارَ الأُمناءَ المُخلِصينَ الذين يخافُونَ اللهَ في عِبادِهِ، ويخشَونَ عِقابَهُ، ويُتْقِنونَ أعْمالَهُم التي يُكَلَّفُونَ بها، فَيَجْعَل المَلِكُ منهم مُستشارين يَرْجِعُ إليهم في تدبير مَمْلَكَتِهِ، ووزراءَ، ومَسْؤولين عن الخَدَماتِ التي تُقَدَّمُ للنّاسِ، وحَيَنَئذٍ تَزْدَهِرُ البِلادُ ويعيشُ العِبادِ في أمْنٍ ورَغَدٍ من العيش، وهذه حقيقةٌ يُؤَيِّدُها كلامُ اللهِ تعالى)
– 56 – ومَكَّنّا ليوسُفَ في أرضِ مِصْرَ بجَعْلِنا له سُلطاناً عليها حالةَ كونِهِ يُقيمُ بها في أيّ مكانٍ يُريدُهُ، ويَنْزِلُ بها في أيّ مكانٍ يُريدُهُ تمكيناً مثل ذلك التَّمكين الذي مَكَّنّاهُ به في سِجْنِهِ بتعليمنا إيّاهُ تعبيرَ الرُّؤى، ومعرفةَ الأشياءِ على حَقِيقَتِها، لأنّنا نُنْزِلُ رحمتَنا على مَنْ نشاءُ، ولأنّنا لا نُضيعُ أجْرَ الذين يُحْسِنونَ الأعمالَ الصالحةَ
– 57 – وأُؤكِّدُ أنّ أجْرَ الآخرةِ خيرٌ للذين آمنوا بوحدانيّةِ اللهِ، وصَدّقوا برُسُلِهِ، ووُجِدوا في حياتهم حالةَ كونِهم يَخافُونَ اللهَ، ويَحْفَظُونَ أنفسَهم من عقابِهِ من الأجْرِ الذي نُعطيه لهم في الدنيا .
