نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
۞وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ ٥١ وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ ٥٢ وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجَۡٔرُونَ ٥٣ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ ٥٤ لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡۚ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ ٥٥ وَيَجۡعَلُونَ لِمَا لَا يَعۡلَمُونَ نَصِيبٗا مِّمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسَۡٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ ٥٦ وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ ٥٧ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ ٥٨ يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ ٥٩ لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوۡءِۖ وَلِلَّهِ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٦٠ وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ ٦١ وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ ٦٢
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 51 – وقالَ اللهُ لخَلْقِهِ بواسِطَةِ رُسُلِهِ : لا تَتَّخِذوا لأنْفُسِكُم إلهَيْنِ اثْنَيْنِ، لأنّهُ إنّما هو إلهٌ واحِدٌ (يَدُلُّ المعنى على أنَّ اللهَ تعالى نَهَى خَلْقَهُ عن أنْ يتّخِذُوا اللهَ ربّاً وخالقاً ويَضُمُّوا إليه آلهةً يَجْعَلُونَهم شُركاءَ مَعَهُ في الطّاعة، أو وُسَطاءَ إليه في قَضاءِ حوائجِهم كما يَفْعَلُ اليَهودُ والنَّصارَى وكثيرٌ من المُسلمين)، فإنْ كُنْتُ أنا الإلهَ الواحِدَ فإيّايَ اعْبُدوا، وإيايَ اسْتَعِينُوا، فإنْ عَرَفْتُم ذلك فخافونِي وَحْدِي، وخافوا عِقابي
– 52 – ولَهُ مُلْكُ كُلِّ شيءٍ كائنٍ في السَّماواتِ والأرضِ، ولا أحَدَ يُشارِكُهُ مُلْكَ السَّماواتِ والأرضِ، ولَهُ الحُكْمُ والقضاءُ والتَّدبيرُ حالةَ كونِ ذلك كلِّهِ ثابتاً لَهُ على الدَّوام، لا يُشارِكُهُ فيه أحَدٌ في أيِّ وقتٍ من الأوقات، وإذا كانَ الأمْرُ كذلك فلماذا تَخْشَوْنَ آلهةً غيرَ الله، وتخافونَ أنْ يَضُرّوكم، أو يَمْنَعُوا عنكم النّفْعَ ؟
– 53 – وأيُّ شيءٍ يُوجَدْ بكم حالةَ كونِهِ نِعْمةً من النِّعَم فهو من اللهِ، ثمّ إذا أصابَكُم ضُرٌّ وسُوءُ حالٍ فإليه وَحْدَهُ تَرْفَعُونَ أصْواتَكُم بالاسْتِغاثَةِ والضَّراعَةِ لكَشْفِ الضُّرِّ عَنْكُم، ولا تَتَوَجَّهُونَ إلى أحَدٍ غيرِهِ
– 54 – ثم إذا أزالَ اللهُ الضُّرَّ عنكم فالمُفاجأةُ فريقٌ كائنٌ منكم يُشْرِكُونَ بربّهم (أي : يُرْجِعُون أسبابَ كَشْفِ الضُّرِّ عنهم إلى الذين جعَلُوهم وُسَطاءَ في دُعائِهم اللهَ لكَشْفِ الضُّرِّ عنهم)
– 55 – ليَؤُولَ شِرْكُهم (أي : إرْجاعُهم أسبابَ كَشْفِ الضُّرِّ عنهم إلى الذين جعلوهم وُسطاءَ في دُعائِهم اللهَ لكشْفِ الضُّرِّ عنهم) إلى أنْ يَجْحَدُوا نِعَمَنا التي أعطَيْناها إيَّاهم بجَعْلِها كائنةً بسَبَبِ وَساطَةِ الذين جَعَلُوهم وُسطاءَ إلى اللهَ في دُعائِهم، فتمتّعوا بنِعَمِنا في حياتِكم، فسوفَ تَعْلَمُونَ أيَّ مَصيرٍ فظيعِ يَنْتَظِرُكم في الآخرة
– 56 – ويُقَدِّرُون للذين لا يَعْلَمونَ أنّهم شُركاءُ مَعَ اللهِ في قضاءِ حوائِجِهم حظّاً من رِزْقِنا إيّاهم (أي : يُرْجِعُونَ أسبابَ حَظِّهم من رِزْقِ اللهِ إلى الذين جَعَلُوهم وُسطاءَ إلى اللهِ في استجابةِ دُعائِهم) – أُقْسِمُ على سبيلِ التّوكيدِ ليَسْأَلَنَّكم اللهُ يومَ القيامةِ عن الذي كُنتم تَخْتَلِقُونَهُ من الكَذِبِ على اللهِ
– 57 – ويُقَدِّرُون للهِ البناتِ، ويَنْسِبُونَهُنّ إليه (أي : يقولون : إنّ الملائكةَ بناتُ الله، ويَدُلُّ السّياقُ على أنّهم كانوا يُجَسِّدون الملائكةَ في أصنامٍ إناثٍ، ويُصَيّرونَهنَّ آلهةً يعبدونها) – تَنَزّهَ اللهُ عن ذلك تنزيهاً – وحالُهم أنَّهم يُقَدِّرُونَ لأنْفُسِهم الذي يُحِبّونَهُ ويرغبون فيه (أي : البنين من الذكور)
– 58 – وحالُهم أنّهم في أيِّ وَقْتٍ يُبَشَّرُ أحَدُهم بالأُنثى، (أي : بأنّهُ قد وُلِدَ له مولودٌ أُنْثى) ظَلَّ وجهُهُ تَعْلُوهُ الكآبةُ والحُزْنُ طولَ اليوم الذي بُشِّر به، وحالُهُ أنّه مُمْتلِئٌ غمَّاً وحُزْناً وغيضاً
– 59 – حالُهُ أيضاً أنّهُ يَسْتَتِرُ من قومِهِ بسَبَبِ قُبْحِ المولودِ الذي بُشِّرَ به، وحالُهُ أنَّهُ مُتَرَدِّدٌ مُتحيِّرٌ، أي : هل يَحْتَفِظُ بهذا المولودِ الأنْثَى ويُبْقِيهِ حيّاً حالةَ كونِهِ مُتَلَبِّساً بالخِزي والعارِ أمْ يُخْفِيه بِوَأْدِهِ داخلَ التُّراب ؟ انْتَبِهُوا، المَذْمُومُ كُلُّ الذَّمِّ حُكْمُهُم الجائِرُ السّيّئُ بجَعْلِهم للهِ ما يَكْرَهون، ولأنْفُسِهم ما يُحِبُّونَ
– 60 – للذين لا يُؤمنون بالحياةِ الآخِرَةِ بعدَ الموتِ المَثَلُ السّيّئُ القبيحُ، (أي إذا ذُكِروا يُقالُ فيهم : جُهلاءُ، لا يَعْقِلُون ولا يُفَكّرون مِثْلُ الحيواناتِ، جُفاةٌ مُسِيئُون مُجَرَّدُون من الرَّحْمَةِ والرّأْفةِ مِثْلُ وُحوشِ الغابِ)، وللهِ المَثَلُ الأعلى في جميعِ الصِّفات، (أي : إذا قيل : اللهُ عالمٌ، فهو في العِلْمِ عليمٌ بكُلِّ شيءٍ، وليس مِثْلَ عِلْمِهِ عِلْمٌ، وإذا قيل : الله قادرٌ، فهو في القُدْرةِ قديرٌ على كُلِّ شيءٍ، وليس مِثْلَ قُدْرَتِهِ قُدْرَةٌ، وإذا قيل : اللهُ رحيمٌ رَؤوفٌ، فهو الرّحيمُ الرّؤوف الذي ليس مِثلَ رحمتِهِ ورَأْفَتِهِ رحمةٌ ورَأْفةٌ)، وهو القَوِيّ الذي لا يَغْلِبُهُ شيءٌ، ولا يَمْتَنِعُ من قُدْرَتِهِ شيءٌ، وهو الحكيمُ الذي يُتْقِنُ كُلَّ أفعالِهِ، وليسَ في أفعالِهِ جهالةٌ أو سوءُ تدبير
– 61 – ولو يُعاقِبُ اللهُ النّاسَ بسَبَبِ تجاوُزِهم وَحْدانيَّتَهُ إلى جَعْلِهم وُسطاءَ إليه في قَضاءِ حوائِجِهم، وبسَبَبِ أفعالِهِم التي يَتَجاوَزُونَ فيها حدودَ ما أمَرَهم اللهُ بهِ وما نَهاهُم عَنْهُ ما تَرَكَ على الأرضِ أيَّ كائنٍ حيٍّ يَتَحَرَّكُ عليها، (يدلُّ المعنى على أنَّ اللهَ خلقَ الحياةَ في الأرضِ لأجْلِ الإنسان، فإذا أهلكَ اللهُ الإنسانَ بسبب ظُلْمِهِ انْتَفَى سَببُ وجودِ الحياةِ على الأرض)، ولكن يُؤخِّرُ اللهُ النّاسَ (أي : كُلَّ فَرْدٍ من النّاسِ) إلى وَقْتٍ مَعْلُومٍ عِنْدَهُ، كَتَبَهُ لنهايةِ حياتِهِ على الأرض، فإذا جاءَ وَقْتُ نهايةِ حياتِهِ فلا يَقْدِرُ أنْ يُؤَخّرَهُ ساعةً من الزَّمَنِ، ولا يَقْدِرُ أنْ يُقَدِّمَهُ ساعةً من الزمن
– 62 – ويُقدّرونَ للهِ الشيءَ الذي تَكْرَهُهُ أنفسُهم، ويَنْسِبُونَهُ إليه (مثل نِسْبَةِ البنات إليه)، ويَحْكُونَ الخَبَرَ الكَذِبَ عنَ الله، أي : يَحْكُونَ أنَّ لَهُم الجزاءَ الحَسَنَ والعاقِبَةَ المَحْمُودَةَ من اللهِ، حقَّ وثَبَتَ أنّ لهم النارَ، وأنّهم مُعَجَّلٌ بهم إلى دُخُولِها .
