نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
۞وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ٥٩ وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبۡعَثُكُمۡ فِيهِ لِيُقۡضَىٰٓ أَجَلٞ مُّسَمّٗىۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٦٠ وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ ٦١ ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ ٦٢
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 59 – وعندَ اللهِ أسرارُ عُلومِ خَلقِ كُلِّ شيءٍ في السّماواتِ والأرض حالةَ كونِها لا يعْلَمُها إلّا هو (مفاتِحُ الغَيْب : هي أسرارُ عُلومِ خَلقِ الأشياءِ التي سَتَرَها عن الإنسانِ، وعن الملائِكةِ، وعن كُلِّ خلْقٍ من غيرِ الإنسانِ والملائكة في السّماواتِ والأرض، سواءٌ أكانَتْ الأشياءُ التي خَلَقها اللهُ مُدْرَكَةً بالحَوَاسِّ، أم غائبةً غيرَ مُدْرَكةٍ، وسواء ٌأكانَت الأشياءُ التي خَلَقها اللهُ مُحَصَّلَةً في قلوبِ خَلْقِهِ ام غيرَ مُحصّلةٍ، ويَدُلُّ المعنى على أنّ أسرارَ علومِ خَلقِ كُلِّ شيءٍ في الكونِ لا يَعْرِفُها مَلَكٌ مُقرّبٌ من الملائكةِ، ولا نبيٌّ مُرْسَلٌ من البَشَر، ولا مخلوقٌ خَلَقَهُ من غير الملائكة والبَشَر)، وهو يَعْلَمُ كُلَّ شيءٍ كائنٍ في البَرِّ (أي : اليابسة)، وكُلَّ شيءٍ كائنٍ في البَحْرِ، وما تَسْقُطُ أيُّ وَرَقَةٍ من أصْلِ شَجَرَتِها إلّا حالةَ كونِهِا يَعْلَمُها اللهُ ساقِطَةً من أصْلِ شَجَرَتِها وثابِتَةً فيه (ذَكَرَ اللهُ تعالى عِلْمَهُ كُلَّ وَرَقَةٍ تَسْقُطُ من أصْلِ شَجَرَتِها، وكُلَّ وَرَقَةٍ ثابِتَةٍ في أصْلِ شَجَرَتِها مَعَ كونِ وَرَقِ الأشجارِ التي في الأرْضِ لا حَصْرَ لها، ولا يسْتَطيعُ أحَدٌ أو جِهَةٌ من البَشَرِ أو جِهازٌ عَدَّ وَرَقِ الشَّجَرِ الساقِطِ من أصولِهِ والثابِتِ في أصولِهِ في كُلِّ أرْجاءِ الأرضِ، ذَكَرَ اللهُ ذلك ليُعطِيَ الإنسانَ دليلاً على إحاطةِ عِلِمِهِ بكُلِّ شيءٍ خَلَقَهُ في السّماواتِ والأرضِ، وعلى كونِهِ تعالى قد خَلَقَ كُلَّ شيءٍ بنظامٍ مُقدّرٍ، فهو يَعْلَمُ نِظامَ خلْقِ كُلِّ شَجَرةٍ في الأرض، فبعضُ الأشجارِ نِظامُ خَلْقِها يجعلُها تُسْقِطُ أوراقَها في وَقْتٍ مُعَيَّنٍ بحَسَبِ توقيتِ ساعَتِها البَيُولوجِيّة، وكُلُّ نوعٍ من الأشجارِ خَلَقَ اللهُ فيه ساعةً بيولوجيّةً مُختلِفَةً عن أنواعِ الأشجارِ الأخرى، فتَعْرِفُ الشّجَرَةُ الوقتَ الذي تَبْدأُ فيه بإسقاطِ أوراقِها تِباعاً، والوقْتَ الذي تَبْدأُ فيه بإخْراجِ أوراقِها تِباعاً، وبعضُ الأشجارِ نِظامُ خَلْقِها يجْعَلُها تَحْتَفِظُ بأوراقِها في كُلِّ وَقتٍ، فأوراقُها ثابتةٌ في أصولِها، وهي الأشجارُ التي يُسَمّونَها دائمةَ الخُضْرة، فلمّا كانَ اللهُ يعلَمُ عددَ النّباتاتِ التي تَحْمِلُ وَرَقاً في الأرضِ، ويعلَمُ نِظامَ خلْقِ كُلِّ شَجَرةٍ في الأرض، فهو يعلَمُ كُلَّ وَرَقَةٍ تَسْقُطُ من أصْلِ شَجَرَتِها، وكُلَّ وَرَقَةٍ ثابِتَةٍ في أصْلِ شَجَرَتِها)، ولا تُوجَدُ أيُّ حبَّةٍ كائنةٍ في ظُلماتِ الأرضِ (أي : في باطنِ الأرضِ من الحُبوبِ التي تُنْبِتُ زَرْعاً)، ولا يُوجَدُ أيُّ نباتٍ أخْضَرَ مِنَ بَقْلِ الرّبيعِ وشَجَرِهِ (ويدخُلُ فيه المَرْعَيَ الأخْضَرُ من بقول الرّبيع ونباتاتِ المراعي)، ولا يُوجَدُ أيُّ نباتٍ يابسٍ بعد انتهاء دورةِ حياتِهِ، (مِثل نباتاتِ المَراعي وبقولِ الرّبيع) إلّا حالةَ كونِها في كتابٍ صفتُهُ أنَّهُ يُبيِّنُ خَلْقَ كُلِّ شيءٍ، ونِظامَ وجودِهِ من أوّلِ وجودِهِ إلى نهايتِهِ (وهو كتابُ الخَلْقِ والوُجود، ويدُلُّ المعنى على أنَّ اللهَ تعالى قد أثْبَتَ أسرارَ عُلومِ خَلقِ كُلِّ شيءٍ في السّماواتِ والأرضِ في ذلك الكِتاب من قَبْلِ أنْ يَخْلُقَ الأشياءَ ويُوجِدُها)
– 60 – وهو الذي يَقْبِضُ أرواحَكُم، ويأخُذُها في نومِكم باللّيل، وهو الذي يَعْلَمُ كُلَّ شيءٍ كَسَبْتُمُوهُ بجَوَارِحِكم بالنّهار، سواء تسْتَحِقّون به عقاباً أم ثواباً (أي : يعلمُ ما كسَبْتُم بجوارِحكم بالنهارِ الذي مضى قبلَ الليل الذي يتَوَفّاكم فيه في منامِكم)، ثم يُوقِظُكم في النهارِ، وتعودُ الروحُ إلى أجسادِكم، لكي يَبْلُغَ كُلُّ إنسانٍ أجلَهُ المُعيَّنَ المعلومَ الذي كتبَهُ اللهُ له في حياتِهِ في الدنيا، (وهو أجلُهُ المحتوم الذي لا يتقدّم عليه ولا يتأخر عنه)، ثم إلى اللهِ رُجوعُكم ببَعْثِكم ونشْرِكم من قُبورِكم يومَ القيامة للحسابِ والجزاء، ثم يُخْبِرُكم بكُلِّ شيءٍ كنتم تعملونَهُ (يُرجَى الرجوعُ إلى بيان معنى (الآية : 42 من سورة الزُّمُر في معنى الرّوح والنَّفْس))
– 61 – وهو الغالِبُ حالةَ كونِهِ مُسْتَعْلياً بالغَلَبَةِ فوق عباده، (أي : تدبيرُهُ ومشيئتُهُ ماضيان في خَلْقِهِ، ولا أحَدَ من خَلْقِهِ قادرٌ على الخُروجِ من تَحْتِ سُلطانِهِ)، وهو يُرْسِلُ عليكم ملائكةً حُرّاساً يَحْفَظُونَكم من طوارقِ اللّيلِ والنّهارِ والبلايا المُهْلِكَةِ، ويَضْبِطُونَ عليكم أعمالَكُم إلى أنْ يَجِيئَكم الموتُ، وإذا جاءَ أحَدَكم الموتُ أخذتْ روحَهُ رُسُلُنا من الملائكةِ المُكَلَّفِين بأخْذِ الأرواحِ أخْذَاً كامِلاً حالةَ كونِهم لا يُقَصِّرونَ في ذلك، ولا يُضَيّعون وَقْتَ حلولِ أجَلِ المَوْتِ حتى يفوتَ
– 62 – ثمّ تُعيدُ رُسُلُنا أرواحَهم إلى اللهِ، أي : إلى مالِكِ أرواحِهم الموصوفِ بأنَّهُ الثابِتُ الدائِمُ الذي لا يَطْرَأُ عليه فناءٌ أو زوالٌ، ثمّ يبعَثُهم يومَ القيامَةِ بَرَدِّ أرواحِهم إلى أجسادِهم للحسابِ والجزاءِ، ثم يُخْبِرُهم بكُلِّ شيءٍ كانوا يعملونَهُ، انْتَبِهُوا أيّها النّاسُ، اللهُ وَحْدَهُ له القضاءُ والحُكْمُ يومَ القيامَةِ، وهو أسْرَعُ المُحاسِبين لعبادِه على أعمالِهم .