نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن

(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)

۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ ٨٢ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٨٣ وَمَا لَنَا لَا نُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡحَقِّ وَنَطۡمَعُ أَن يُدۡخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلصَّٰلِحِينَ ٨٤ فَأَثَٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٨٥ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ٨٦

المعنى في ضوء التحليل اللغوي :

82 – أُقْسِمُ على سبيل التّوكيدِ لتَعْلَمَنَّ – أيُّها المُؤمِنُ المَعْنِيُّ بهذا الخِطابِ – اليهودَ والمُشركينَ أشَدَّ النّاسِ عداوةً للذين آمنوا بوحدانيّةِ اللهِ، وصدَّقوا برسولِهِ مُحَمّدٍ وبالقرآنِ الذي أنْزَلَهُ اللهُ إليه، (يدلّ معنى (لَتَجِدَنَّ) على أنَّ عداوةَ اليهودِ والمُشركين للمُؤمنين حقيقةٌ واقِعةٌ معلومةٌ بالعِلْمِ اليقيني القائم على الدليل والبُرهان)، وأُقْسِمُ على سبيلِ التّوكيدِ لتعلَمَنَّ الذين قالوا : إنّا نصارى أقْرَبَ الناسِ مَحَبّةً للمُؤمنين، ذلك القُرْبُ بالمحَبّةِ للمُؤمنين بسَبَبِ أنَّ منهم علماءَ بدين النصرانية، (أطْلَقَ القرآنُ اسمَ (النّصارى) على أتباع المسيح عيسى بن مريم، ولم يُطْلِقْ عليهم اسم (المسيحيين) نِسْبةً إلى المسيح عيسى بن مريم، وبعد الفترة الزّمنيّة التي رَفَعَ اللهُ فيها المسيحَ عيسى بنَ مريمَ إليه حين أرادوا قَتْلَهُ، وبعدَ عَصْرِ بولص سَمَّى أتباعُ المسيح عيسى بن مريم أنفُسَهم (مسيحيين)، ولم يُسَمّوا أنفُسَهم (نصارى)، والقرآنُ أطْلَقَ اسم (نصارى) على الذين اتّبعوا المسيح عيسى بن مريم، وآمنوا بما جاء به من العقائد والأحكام التي صَحَّحَ بها العقائدَ والأحكامَ المُحَرَّفَةَ التي كان عليها اليهودُ الذين ادّعوا كَذِباً أنّ اللهَ أنْزَلَها على موسى، فهؤلاء سَمّاهم القرآن (نصارى)، وصار اسْمُ الدّين الذي أدانوا به النَّصْرانيَّة، وهو ما جاء به المسيح عيسى بن مريم من العقائدِ والأحكامِ التي صَحَّحَ بها العقائدَ والأحكامَ المُحَرَّفَةَ التي كان عليها اليهودُ)، وأنَّ مِنْهُم مُتعبِّدينَ في الصّوامِعِ، مُتَخَلِّين عن أشغالِ الدُّنيا وملاذها، زاهدينَ فيها، وبسَبَبِ أنّ المُتعبّدين بدينِ النصرانيّة وعلماءَهم ورهبانَهم لا يستكبرون عن الحقِّ إذا عَرَفُوهُ

– 83 – وبسَبَبِ أنَّهم إذا سَمِعُوا القرآنَ الذي أُنْزِلَ إلى الرّسولِ مُحَمّدٍ تَرَى أعيُنَهُم حالةَ كونِها تَمْتَلِئُ بالدّمْعِ حتى  يَسيلُ دَمْعُها بغزارة بسَبَبِ الذي عَرَفُوهُ حالةَ كونِهِ حقّاً نازلاً من الله، قائلين : ربّنا صدَّقْنا برسولِكَ مُحمّدٍ وبالقرآنِ الذي أنزلْتُهُ إليه، فاحْكُمْ لنا بأنْ تَجْعَلَنا يومَ القيامة مع الذين أدَّوا الشهادةَ بما عَلِمُوا أنَّ مُحمّداً رسولُ اللهِ، وأنّ القرآنَ كتابُ اللهِ أنْزَلَهُ إليه (يُؤكِّدُ ذلك أنّي رأيتُ بعضَ النّصارى في زمَنِنا الحاضر يبكونَ حين يسمعونَ القرآنَ يُتْلَى عليهم وهم لا يعرفونَ معاني الآياتِ التي تُتْلَى عليهم، ويدُلُّ فَيْضُ أعينِهم من الدَّمْعِ حينَ سَماعِهم القرآنَ على رقّةِ قُلوبِهم، وشِدّةِ خشْيَتِهم، ومُسارَعتَهِم إلى قَبُولِ الحَقّ)

– 84 – وقائلينَ : أيُّ شيءٍ حَصَلَ لنا حالةَ كونِنا لا نُؤمِنُ باللهِ، وبالقرآنِ الذي جاءنا حالةَ كونِهِ حقّاً نازلاً من الله، وأيُّ شيءٍ حَصَلَ لنا حالةَ كوننا لا نَرْغَبُ مَعَ الرَّجاءِ بتَحْقِيقِ رغْبتنا في أنْ يُدْخِلَنا ربُّنا الجنّةَ حالةَ كونِنا في صُحْبَةِ القومِ المُستقيمين المُؤدّينَ لواجِباتِهم

– 85 – فكافَأَهم اللهُ وجازاهم بسببِ قولِهم الذي قالُوهُ جناتٍ صِفَتُها أنّ الأنهارَ تجري من تحتِها وحالُهم فيها أنّهم مُقيمونَ فيها إقامةً دائمة، ويُؤكِّدُ أنّ ذلك حاصلٌ لهم أنّ ذلك الجزاءَ هو جزاءُ الذين أحسنوا القولَ والعملَ به، وهؤلاء منهم (يدُلُّ المعنى على أنّ أيَّ أحَدٍ من النَّصارى يُؤْمِنُ باللهِ إلهاً واحِداً، ويُصدِّقُ بنُبُوّةِ رسولِ اللهِ مُحَمّدٍ، وبأنَّ القرآنَ كتابُ الله حالةَ كونه حقّاً نازلاً من اللهِ إلى رسولِهِ مُحَمّدٍ (ص)، ويرجو بهذا الإيمان أنْ يُحقّقَ اللهُ رغبَتَهُ بدخول الجنّة، فإنّ اللهَ يجزيه على ذلك أنْ يُدْخلَهُ الجنّة، وإنْ بقيَ على نَصْرانِيَّتِهِ)

– 86 – والذين لم يُؤمنُوا بوَحْدانيّةِ اللهِ بجَعْلِهم اللهَ هو المسيحَ بنَ مريمَ، أو بجعلِهِم اللهَ واحداً من ثلاثة، وأنكروا حُجَجَنا الواضِحَةَ الدّالَّةَ على نُبُوَّةِ رسولِنا مُحَمَّدٍ أُولئك مُلازمونَ للجَحِيمِ، لا يخرجون منها (يدلّ المعنى على أنّ أيَّ أحَدٍ من النصارى يَجْحَدُ وَحْدانيّةَ اللهِ بجَعْلِهِ اللهَ هو المسيحَ بن مريم، أو بجَعْلِهِ اللهَ واحداً من ثلاثة، ويُنْكِرُ نُبوَّةَ رسولِ الله مُحَمّدٍ، ويجْحَدُ إنزالَ القرآنِ من الله إليه فإنّ جزاءَهُ نارُ جهنّم خالداً فيها) .

يقرأ القرآن

التحليل اللغوي :

– 82 – (لتجِدَنَّ … أشركوا) مستأنفة في سياق الكلام عن اليهود والنصارى، واللام واقعة في جواب قَسَمٍ مُقدّر، (تجدَنَّ) مُضارع مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعلُهُ ضمير المُخاطب مُستتراً، وهو من أفعال اليقين التي تتعدّى إلى مفعولين، والفعل مُؤَكَّد بالقَسَم والنون الثقيلة، (أشدَّ) مفعول به ثانٍ مُقدّم، وهو مُضاف إلى (الناس)، (عداوة) تمييز، (للذين) متعلّقان بـ(عداوةً)، (آمنوا) صلة (الذين)، (اليهودَ) مفعول به أوّل مُؤخّر، و(وَجَدَ الشيءَ كذا): عَلِمَهُ إيّاهُ، (ولتجدنّ … نصارى) عطف على ما قبلها، وتقدّم القول في (لتجِدَنّ)، (أقْرَبَهم) مفعول به ثانٍ مُقدّم، وهو مُضاف إلى الضمير (هم) العائد إلى (الناس)، (مودّةً) تمييز،(للذين) متعلّقان بـ(مودّةً)، (آمنوا) صلة (الذين)، (الذين) مفعول به أوّل مُؤخَّر، (قالوا إنّا نصارى) صلة (الذين)، (قالوا) فعل ماض، (واو الجماعة) فاعلُهُ، (إنّا نصارى) مقول القول، (إنّا) (إنّ) واسمها، (نصارى) خبر (إنَّ)، (ذلك … ورُهباناً) تعليل لما قبلها، (ذلك) اسم إشارة مُبتدأ، والإشارة إلى (قُربهم بالمودّة للذين آمنوا)، (بأنّ) الباء حرف جر بمعنى السببيّة، (أنَّ) حرف توكيد ونَصْب ومصدر، (منهم) مُتعلّقان بمُقدّر خبر (أنَّ) مُقدّم، (قِسّيسين) اسم (أنّ) مُؤخَّر، (ورُهباناً) عطف على (قسّيسين)، و(القسّيس) : العالم بدين النصرانية، او رئيس من رؤساء النصارى في الدين، و(الراهب) :المُتَعَبّد في صومعة من النصارى، المُتَخَلِّي عن أشغال الدّنيا وملاذها، الزاهد فيها، والمصدر المُؤوّل (أنَّ منهم قسّيسين) مجرور بالباء، والجار والمجرور مُتعلّقان بمُقدّر خبر المُبتدأ، (وأنّهم لا يستكبرون) في تأويل مصدر معطوف على المصدر الذي قبله

– 83 – (وإذا سمعوا … الحقّ) عطف على خبر (أنّ) في الآية السابقة، وهو (لا يستكبرون)، (سمعوا … الرسول) جملة الشرط بـ(إذا)، (سمعوا) فعل ماضٍ (واو الجماعة) فاعلُهُ، (ما) موصول مفعول به، وهو كناية عن (القرآن)، (أُنْزِلَ إلى الرسول) صلة (ما)، (أُنْزِلَ) فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير عائد إلى (ما)، (إلى الرسول) مُتعلّقان بـ(أُنْزِلَ)، والألف واللام في (الرسول) للتعريف، (ترى .. الحقّ) جواب (إذا)، (ترى) مُضارع مرفوع بضمّة مُقدّرة، والفعل بَصَرِي، وفاعلُهُ ضمير المُخاطب مُستتراً، (أعيُنَهم) مفعول به، (تفيضُ من الدمع) حال من (أعينهم)، (تفيضُ) مُضارع مرفوع، وفاعله ضمير عائد إلى (أعينهم)، (من الدمع) مُتعلّقان بـ(تفيضُ)، و(فاضَ النّهرُ أو السّيْلُ أو الإناء) : امْتَلأ حتى طَفَحَ وسالَ، و(فاضتْ عَيْنُهُ) : سالَ دَمْعُها، و(فَيْضُ أعينهم من الدمع حين سماعهم القرآن كنايةٌ عن رقّةِ قلوبهم، وشِدّةِ خشْيَتِهم، ومُسارعتهم إلى قبول الحقّ)، (ممّا) متعلقان بـ(تفيض)، و(من) حرف جرّ بمعنى التعليل، و(ما) موصول، (عرفوا من الحقّ) صلة (ما)، (عرفوا) فعل ماضٍ، (واو الجماعة) فاعلُهُ، (من الحقّ) حال من (ما)، و(من) بيان لما أُبْهِمَ في (ما)، (يقولون .. آمنّا) حال من فاعل (عرفوا)، (يقولون) مُضارع مرفوع بثبوت النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، (ربّنا آمَنّا) مقول القول، (ربّنا) مُنادَى مُضاف، و(أداة النداء) مُقدّرة، (آمنّا) ما نُودِيَ لأجله، (آمَنّا) فعل ماضٍ وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، ومُتعلّق (آمنّا) مُقدَّر بدلالة السياق، ويُمكن تقديره : (برسولك مُحمّدٍ وبالقرآنِ الذي أنزلْتهُ إليه)، (فاكتبنا .. الشاهدين) مرتبطة بما قبلها بالفاء، (اكْتُبْنا) أمْرٌ، وفاعله ضمير المُخاطب مُستتراً، والضمير (نا) مفعول به، و(كَتَبَ الله الشيءَ) : قضاهُ وأوْجَبَهُ وفَرَضَهُ، (مع) ظرف مكان مُتعلّق بـ(اكْتُبْنا)، وهو مُضاف إلى (الشاهدين)

– 84 – (وما لنا … الحقَ) مقول قول مُقدّر معطوف على (يقولون ربّنا .. الشاهدين)، (ما) اسم استفهام مبتدأ، (لنا) مُتعلّقان بمُقدّر خبر، والتقدير : (وما حَصَلَ لنا لا نُؤمِنُ ..)، (لا نؤمِنُ بالله) حال من الضمير (نا) في (لنا)، والعامل ما تعلّقَ به (لنا)، (بالله) مُتعلّقان بـ(نُؤْمن)، (وما) موصول معطوف على (الله)، (جاءنا من الحقّ) صلة (ما)، (جاءنا) فعل ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (ما)، وضمير المُتكلّمين مفعول به، (من الحقّ) حال من فاعل (جاءنا) العائد إلى (ما)، و(من) بيان لما أُبْهِمَ في (ما)، (ونطمع … الصالحين) عطف على (لا نُؤمن ..)، فهي حال مثلها، (نَطْمَعُ) مُضارع مرفوع، وفاعله ضمير المُتكلّمين مُستتراً، و(طَمِعَ في الشيء) : رَغِبَ فيه، مع رجاء تَحَقٌّقِه، (أنْ) مصدرية ناصبة، (يُدْخِلَنا) مُضارع منصوب بها، وضمير المُتكلّمين مفعول به أوّل، (ربُّنا) فاعلُهُ، والمفعول به الثاني مُقدّر، والتقدير : (الجنّةَ)، (مع) ظرف مكان مُتعلّق بمُقدّر حال من الضمير (نا) في (يُدْخِلنا)، وهو مُضاف إلى (القوم)، (الصالحين) صفة لـ(القوم)، والمصدر المُؤوّل (أنْ يُدخِلَنا .. الصالحين) في محلّ نصب بنزع الخافض

– 85 – (فأثابهم … فيها) مرتبطة بما قبلها بالفاء، (أثابهم) فعل ماضٍ، والضمير (هم) مفعول به أوّل، (اللهُ) فاعلُهُ، (بما) الباء حرف جرّ بمعنى السببية، و(ما) مصدرية، (قالوا) فعل ماضٍ، (واو الجماعة) فاعلُهُ، والمصدر المُؤوّل مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلقان بـ(أثابهم)، (جنّاتٍ) مفعول به ثان لـ(أثابهم)، و(أثابَهُ) : كافأهُ وجازاهُ، (تجري .. الأنهار) صفة لـ(جنّات)، (خالدين) حال من الضمير في (أثابهم)، (فيها) مُتعلّقان بـ(خالدين)، (وذلك .. المحسنين) مرتبطة بما قبلها بالواو لتوكيد مضمونها

– 86 – (والذين .. الجحيم) مرتبطة بما قبلها بالواو، (الذين) موصول مُبتدأ، (كفروا) صلة (الذين)، (وكذّبوا بآياتنا) عطف على (كفروا)، و(كَذَّبَ بالأمْرِ) : أنْكَرَهُ، (أولئك) مُبتدأ، (أصحابُ) خبره، وهو مُضاف إلى (الجحيم)، والجملة الاسميّة (أولئك أصحابُ الجحيم) خبر (الذين) .