نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن
(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)
أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٦ مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ وَفِي ٱلنَّارِ هُمۡ خَٰلِدُونَ ١٧ إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ ١٨ ۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ١٩ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ٢٠ يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٰنٖ وَجَنَّٰتٖ لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ ٢١ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ ٢٢ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٢٣ قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ٢٤
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
– 16 – بل أظَنَنْتُم أنْ يَتْرُكَكُم اللهُ حالةَ كونِكم إلى هذا الوقت لم يَعْلَمْ اللهُ الذين جاهدوا منكم (أي : الذين قاتلوا مُشركي العرب واليهود الذين نَقَضُوا عَهْدَ رسولِ اللهِ مَعَهُم، وتآمَرُوا على الرسولِ والمُؤمنينِ، وأعانُوا النّاسَ عليهم، وطَعنوا في دينِكم)، ولَمْ يَتَّخِذُوا سِوَى اللهِ ورسُولِهِ والمُؤمنين بِطانَةً يَعْتَمِدُون عليهم، ويَكْشِفُونَ لهم عن أسْرارِهم ؟ بلى، إنّ اللهَ لا يَتْرُكُكُم على حالِكم إلى أنْ يُظْهِرَ ما في نفوسِكم بأفعالِكم، ويُؤكِّدُ ذلك أنَّ اللهَ ذو الخِبْرَةِ يَخْبُرُ كُلَّ شيءٍ تَعْمَلونَهُ بعِلْمِهِ (يدلُّ المعنى على أنَّهُ لا يجوزُ للمُؤمن باللهِ ورسولِهِ أنْ يَتَّخِذَ غيرَ المُؤمنين باللهِ ورسولِهِ بطانةً، ومُستشارين لهُ يعتمِدُ عليهم، ويكشِفُ لهم عن أسرارِهِ، ويَدُلُّ (لمّا يعلمْ اللهُ الذين جاهدوا منكم ..) على أنَّ عِلْمَ اللهِ تعالى يَتَحَقَّقُ بالذين جاهدوا، ولَمْ يَتَّخِذُوا سِوَى اللهِ ورسُولِهِ والمُؤمنين بِطانَةً يَعْتَمِدُون عليهم، ويَكْشِفُونَ لهم عن أسْرارِهم في الامتحانِ الذي يَبْتَلِيهم به)
– 17 – ما وُجِدَ في دينِ اللهِ وحُكْمِهِ حَقٌّ للمُشركين في أنْ يَعْمُرُوا مواضِعَ عبادةِ اللهِ بالقيام على بنائِها، أو القيامِ بإصلاحِها أو تَنْظِيفِها أو رِعايَةِ مصالحِها حالةَ كونِهم يُخْبِرونَ عن أنْفُسِهم خبراً قاطعاً بأنَّهم مُشركون باللهِ جاحدون نُبُوّةَ رسولِهِ مُحَمّدٍ والقرآنَ الذي أنزلَهُ إليه، أولئك بَطَلَتْ أعمالُهم التي يَقُومُونَ بها، وهم خالدون في النار (يدلّ المعنى على أنّ جماعةً من المسلمين الذين هاجروا إلى المدينة كان لهم قرابةٌ من مُشركي قُريش في مكّة يقومون على بيتِ اللهِ، وكانوا قد اتَّخذوهم سوى اللهِ ورسولِهِ اللهِ والمُؤمنين بِطانةً يَكْشِفُونُ لهم عن أسرارِهم بحُجّةِ أنّهم قومٌ يَقُومُونُ على خِدْمَةِ بيتِ الله)
– 18 – إنَّما يَعْمُرُ مواضِعَ عبادةِ اللهِ بالقيامِ على بِنائِها وإصلاحِها أو تَنْظِيفِها أو رِعايةِ مصالِحِها الذين آمنوا باللهِ إلهاً واحِداً، وأخْلَصُوا لَهُ عبادتَهم، وآمنوا باليومِ الآخِر الذي يُحْشَرون فيه للحِسابِ والجَزاءِ، وأدّوا الصلاةَ لهُ مُوَفَّىً حقُّها، وأعْطُوا الزَّكاةَ من أموالِهم، ولم يخَافوا إلا اللهَ وَحْدَهُ في جميع أفعالِهم، فرجاءُ أُولئك أنْ يصيروا بأفعالهم من المُهتدين إلى ما يُحِبُّهُ اللهُ ويَرْضاهُ من الأعمال (يدلُّ المعنى على أنَّ غيرَ هؤلاء يجبُ على المُؤمن أنْ يَتَبَرَّأَ منهم وإنْ كانوا يتّصلون به بصِلةِ القرابَةِ إلى أنْ يُؤْمِنوا بوحدانيّةِ اللهِ، ويُخْلِصوا له عبادتَهم، ويُؤْمنوا باليومِ الآخِر الذي يُحْشَرون فيه للحساب والجزاء، ويُؤدّوا الصلاةَ لهُ مُوَفّىً حقُّها، ويُعطوا الزكاةَ من أموالِهم، ولم يخَافوا إلا اللهَ وَحْدَهُ في جميع أفعالِهم)
– 19– أصَيَّرْتُم سَقْيَ الحُجّاجِ الماءَ الذي يَقُومُ به مُشرِكُو قُريش، والأعمالَ التي يَقُومُ بها مُشركو قُريش ليَحْفَظُوا بها المَسْجِدَ الحرام (من صِيانَتِهِ وتَنْظِيفِهِ وإصلاحِهِ) مِثْلَ الذين آمنوا بوحدانيّةِ اللهِ، وأخْلَصُوا له عِبادتَهم، وآمنوا باليومِ الآخِر الذي يُحْشَرونَ فيه للحسابِ والجزاءِ، وجاهدوا المُشركينِ من أجلِ دينِ الله ؟ لا، لا ينبغي لكم أنْ تَجْعَلُوا عَمَلَ الفريقَيْنِ سواء في ميزان القُرْبِ من الله، لأنّ الفريقَينِ لا يتساوون في حُكْمِ الله، ويُؤكِّدُ ذلك أنَّ اللهَ لا يُرْشِدُ ولا يَدُلُّ القومَ المُتجاوزينَ وحدانيّةَ اللهِ إلى الإشراكِ بهِ إلى سبيلٍ يكونون فيه مُتساوين مع الذين آمنوا بوحدانيّةِ اللهِ، وأخلصوا له عبادتَهم، وآمنوا باليومِ الآخِر، وجاهدوا المُشركين من أجلِ دينِ الله
– 20 – يُؤكِّدُ عَدَمَ تَساوِي الفريقينِ في ميزانِ القُرْبِ من اللهِ أنّ الذين آمنوا باللهِ، ورسولِهِ، وما أُنْزِلَ إليه إيماناً صادقاً، وهاجروا من وَطَنِهم مكةَ إلى المدينةِ، من أجْلِ دينِ اللهِ، وقاتلوا المُشركين من أجْلِ دينِ اللهِ بأموالِهم وأنْفُسِهم هم أعظمُ منزلةً عندَ اللهِ مِمَّنْ يقومُون بِسَقْيِ الحُجّاجِ الماءَ، ويقومون بالأعمال التي يحفظون بها المَسْجِدَ الحرام، وأولئك هم الفائزون يوم القيامةِ بالمَنْزِلةِ العظيمةِ والدَّرَجَةِ الكريمةِ عندَ الله
– 21 – أُولئك يُبشِّرُهُم رَبُّهم بنِعْمَةٍ عظيمةٍ كائنةٍ منه في الآخرة، ويُبشِّرُهمُ بإحسانٍ يخُصُّهم به في الآخرة، يجعلُهم به راضين غايةَ الرِّضا، ويُبشِّرُهُم بجناتٍ صِفَتُها أنَّ لهم فيها نعيماً دائِماً لا يَنْقَطِعُ
– 22 – وحالهم في تلك الجَنّاتِ أنّهم مُقيمونَ فيها إلى الأبد، يُؤكِّدُ أنّ ذلك حاصِلٌ لهم أنّ اللهَ عندَهُ جزاءٌ وثوابٌ عظيمٌ، يُعطيه للذين يَسْتَحِقُّونَهُ
– 23 – يا أيّها الذين آمنوا، أنْهاكم عن أنْ تَتّخِذُوا آباءَكم وإخوانَكم مُحبّينَ تُخْلِصُونَ لهم الوُدَّ، وتَكْشِفُونَ لهم عن أسرارِكم، وتَنْصُرونَهم بالدِّفاعِ عنهم في القول والفِعْل، في حالِ اختاروا جحودَ وحدانيّةِ اللهِ، وجحودَ نُبُوّةِ رسولِهِ مُحمّدٍ والقُرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه وآثروا ذلك على الإيمانِ بوحدانيّةِ اللهِ، والتَّصْدِيقِ بنُبُوّةِ رسولِهِ مُحمّدٍ والقرآنِ الذي أنزلَهُ إليه (يَدُلُّ الأمْرُ هنا على الوجوب، فلا يجوزُ للمَرْءِ أنْ يَتَّخِذَ أباهُ أو جَدَّهُ وأخاهُ وَلِيّاً يُحِبُّهُ ويُخْلِصُ لهُ الوُدَّ، ويَكْشِفُ لهُ أسرارَ المُؤمنين بخصوصِ اسْتِعْداداتِهم للدِّفاعِ عن وَطَنِهم وأنْفُسِهِم في حال اختار أبوهُ أو أخوهُ جحودَ وحدانيّةِ اللهِ، وجحودَ نُبُوّةِ رسولِهِ مُحمّدٍ والقُرآنِ الذي أنْزَلَهُ اللهُ إليه وآثروا ذلك على الإيمانِ بوحدانيّةِ اللهِ، والتَّصْدِيقِ بنُبُوّةِ رسولِهِ مُحمّدٍ والقرآنِ الذي أنزلَهُ إليه، وتَوَلّوا رُؤساءَ الضلالة من الكُفّار، فلا يجوزُ للمرْ في هذه الحال انْ يَنَصُرَهم ويُدافِعَ عنهم في القول والفِعْل)، وأيُّ شخصٍ يتّخذْهم مُحبّينَ يُخلصُ لهم الوُدَّ، ويكشفُ لهم عن أسرارِ المُؤمنين، وينصرُهم بالدفاعِ عنهم في القول والفِعْل فأولئك هم المُتجاوزون طاعةَ اللهِ فيما أمَرَهم به إلى معصيتِهِ (يدلُّ معنى الآية وارتباطها بسياق ما قبلها على أنّ جماعةً من المُسلمين الذين هاجروا إلى المدينة كان لهم آباءُ وإخوانٌ من مُشركي قُريش في مكّة اختاروا جحودَ وحدانيّةِ اللهِ، وجحودَ نُبُوّةِ رسولِهِ مُحمّدٍ والقُرآنِ الذي أنْزَلَهُ إليه وآثروا ذلك على الإيمان بوحدانيّةِ اللهِ، والتصديق بنُبُوّةِ رسولِهِ مُحمّدٍ والقرآنِ الذي أنزلَهُ إليه، وبَقُوا على التّواصُلِ معهم، وكانوا يكشفونَ لهم عن أسرارِ المُؤمنين بخصوصِ اسْتِعْداداتِهم للدِّفاعِ عن المدينة وعن أنْفُسِهِم ، وكانوا ينصرونهم بالدفاعِ عنهم في القول والفِعْل، فنهاهم اللهُ عن اتّخاذهم أولياء، ويدلُّ المعنى على أنّهُ لا يجوزُ للمُؤمنِ أنْ يتَّخِذَ أحداً من قرابتِهِ الذين اختاروا أنْ يَقِفُوا مع أعداء الإسلام والمُسلمين، ويُحَقِّقوا لهم مصالحَهم على حِسابِ مصالحِ المُسلمين، ومصلَحَةِ الإسلام مُحبّاً يُخلصُ لهُ الوُدَّ، ويكشفُ لهُ عن أسرارِهِ، وينصرُهُ بالدفاعِ عنهُ في القول والفِعْل)
– 24 – قل : إنْ كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجُكم وعشيرتُكم، وأموالٌ اكْتَسَبْتُمُوها وجَمَعْتُمُوها من هنا وهناك، وتجارةٌ تخافونَ عَدَمَ رواجِها لقلّةِ رَغْبَةِ الناس فيها، أو تخافونَ بوارَها بفواتِ أيّامِ الموسم، ومساكنُ اخْتَرْتُمُوها وقبِلْتُم أنْ تُقيمُوا فيها أحَبَّ إليكم، وآثرَ في نفوسِكم، وأقربَ إلى قلوبِكم من ولايةِ اللهِ ورسولِهِ، ومن جهادٍ من أجْلِ دينِ اللهِ فانتظروا شرّاً يَحِلُّ بكم إلى أنْ يأتيَ اللهُ بُحُكْمِهِ وقضائِهِ فيكم، ويُؤكِّدُ ذلك أنَّ اللهَ لا يُرْشِدُ ولا يَدُلُّ القومَ الخارجين عن ولايةِ اللهِ ورسولِهِ والمُؤمنين إلى ولاية الكافرين إلى أنْ يكونوا مُؤمنين حقّاً (يدلُّ معنى الآية على أنّ القومَ الذين يجعلون واحداً من الأمور المذكورة أحَبَّ إليهم، وآثرَ في نفوسِهم، وأقربَ إلى قلوبِهم من ولايةِ اللهِ ورسولِهِ، ومن جهادٍ من أجْلِ دينِ اللهِ هم قومٌ ليسوا بمُؤمنين حقّاً، ويدلُّ على أنَّ اللهَ يُنزِلُ بهم عقاباً يضُرّهم جزاءً لهم على فِعْلِهم) .
Photo credit: © by Safa Kadhim