نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن

(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)

۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ٤١

المعنى في ضوء التحليل اللغوي :

– 41 – اعْلَمُوا أنَّ الذي ظفِرْتُم بِهِ من عَدُوِّكم بعْدَ قَهْرِكم إيّاهُ حالةَ كونِهِ أيَّ شيئٍ ظَفِرْتُم بِهِ من عَدُوِّكم في الحربِ، والذي فُزْتُم به حالةَ كونِهِ أيَّ شيئٍ فُزْتُم به بغير مَشَقَّةٍ (يدلّ المعنى على ما يظْفَرُ به المُسلمُ في الحربِ من مالِ عَدُوِّهِ، وسلاحِهِ ومركوبِهِ وأشيائِهِ الأخرى بعد قهْرِهِ إيّاهُ، وعلى ما يفوزُ به المُسلم من غيرِ مَشَقّة، مثل الكُنُوزِ والمَعادِنِ التي يُعْثَرُ عليها في الأرضِ أو البحرِ)، فحُكْمُهُ أنّ خُمُسَهُ للهِ، وللرَّسُولِ، ولذي القربى (المُراد بـ(ذي القُرْبى) : ابْنتُهُ فاطمة)، وعمومِ اليتامَى والمَساكينِ وابنِ السَّبيلِ، أُؤَكِّدُ إنْ وُجِدْتُم حالةَ كونِكم قد آمنتم باللهِ وبالذي أنْزْلناهُ على عبدِنا مُحَمّدٍ فيما يخصُّ حُكمَ ما غَنِمْتُموهُ يومَ الفُرْقان (أي : يومَ بدرٍ الذي فَرَّقَ اللهُ به بينَ الحَقِّ والباطِلِ بنَصْرِ الحَقِّ وخذلانِ الباطلِ)، أي : يومَ الْتَقَى الجَمْعانِ، (جَمْعُ المُسلمِينَ وجَمْعُ كُفّارِ قُريش في بَدْرٍ) فاعْمَلُوا بما شَرَعْتُ لكم، يُؤكِّدُ وجوبَ العَمَلِ بهذا الحُكْم والالتزامِ بِهِ أنّ اللهَ قديرٌ على كُلِّ شيءٍ، (يدلّ معنى (غَنِمَ) على أنّ الخُمْسَ يكونُ في الغنائِمِ التي يَحْصُلُ عليها المُسلمُ في الحربِ بعد قَهْرِهِ عَدُوَّهُ، وفيما يَحْصُلُ عليه بغير مَشَقّة، ولا يَدُلُّ التحليل اللغوي على وجوبِ الخُمْسِ في غيرِ ذلك، أمّا ما حَكَمَ به الفقهاء من تعميمِ الخُمْسِ على ما يَحْصُلُ عليه الإنسانُ من أموال التجاراتِ، وما يتقاضاهُ من رواتِبَ فهذا من الفِقْهِ المَبْنِي على الرواياتِ، ويَدُلُّ المعنى على أنّ خُمْسَ الغنيمةِ يُقسَّم إلى ستة أسْهُمٍ : سَهْمٌ لله، وسَهْمٌ للرسول، وسَهْمُ اللهِ يكونُ للرّسُولِ، فتكونُ حِصّةُ الرّسولِ سَهْمَينِ من خُمُس الغنيمةِ، يُنْفِقُهُما كيفما يشاءُ في حياتِهِ، وسَهْمٌ لذِي قُرْبَى الرسول المُتمثّلين بابْنتِهِ فاطمة، وتؤولُ حصّةُ الرّسولِ بعدَ وفاتِهِ لابنتِهِ فاطِمَة، فتكون حصّةُ فاطمة بعدَ وفاةِ الرسول ثلاثةَ أسْهُمٍ من الخمس، وتؤولُ حِصَّتُها هذه لمَنْ يَرِثُها من أبنائِها بعدَ وفاتِها، وسَهْمٌ ليتامَى المُسلمين يُنْفَقُ عليهم منه، وسَهْمٌ لمساكين المُسلمين يُنْفَقُ عليهم منه، وسَهْمٌ لأبناء السبيل من المُسلمين يُنْفَقُ عليهم منه، أمّا أربعة أخماس الغنيمة فتُقَسّم بين الغانمين الذين شهِدوا الوقْعَة، وحازوا الغنيمة)

الكعبة - معاني القرآن

Photo credit: © by Safa Kadhim

– 41 – (واعلموا … السبيل) مرتبطة بما قبلها بالواو، (اعلموا) أمْرٌ مبني على حذف النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، (أنّما) هي (أنّ) مفتوحة الهمزة حرف توكيد ونصب ومَصْدر، و(ما) موصول اسم (أنّ)، ورُسِمت في المصحف (أنَّما)، (غَنِمْتُم من شيءٍ) صلة (ما)، (غَنِمْتُم) فعل ماضٍ، والضمير (تُم) فاعلُهُ، والعائد إلى (ما) مُقدّر، والتقدير : (غنمتموه)، (من شيء) مُتعلقان بمُقدّر حال من الضمير العائد إلى الموصول، و(من) بيان لما أُبْهِمَ في (ما)، و(غَنِمَ الشيءَ) : فاز به، و(غنِمَ الغازي في الحرب) : ظفِرَ بمال عدوّه بعْدَ قَهْرِهِ إيّاه، و(الغُنْم) : الفوز بالشيء من غير مشقّة، و(الغَنيمة) : ما يُؤْخَذُ من المُحاربين في الحرب قهراً، فيتبيّن أنّ معنى (غنِم) يَصْدُقُ على ما يغنمُهُ المُحاربُ في الحرب من مالِ عدوّه بعد قهرِهِ إيّاه، وعلى ما يفوزُ به الإنسانُ من غير مَشَقّة، (فأنّ … السبيل) الفاء رابطة لما في الموصول من العموم المُشْبِه للشرط، (أنّ) مفتوحة الهمزة حرف توكيد ونصب ومَصْدر، (لله) مُتعلّقان بمُقدّر خبر (أنّ) مُقدّم، (خُمُسَه) اسمها مُؤخّر، والمصدر المُؤوّل (أنّ لله خُمُسَهُ) خبر مبتدأ مُقدّر، تقديره : (فحكمُهُ أنّ لله خُمُسَهُ)، والجملة الاسمية خبر (أنّ) الأولى، والمصدر المُؤوّل (أنّ ما … خُمَسَهُ) سدّ مَسَد مفعولي (اعلموا)، (وللرسول) عطف على (لله)، ويدلّ تكرار لام الجر في (للرسول) عطفاً على (لله) على اختصاص الرسول بالقُرْبِ من الله بصلة النُبُّوّة، و(لذي القربى) عطف على (الرسول)، ويدلّ تكرار لام الجر في (لذي القربى) عطفاً على (الرسول) على اختصاص (ذي القربى) بالقُرْب من الرسول بصلة البُنُوّة، فيكون المرادُ بـ(ذي القربى) : ابنتُهُ فاطمة، ويُقوّي ذلك أنّه جاء بـ(ذي) مُفرداً، وليس بصيغة الجمع، كما يُقال : (ذوي القُربى)، (واليتامى والمساكين وابن السبيل) عطف على (ذي القربى)، ويدلّ النظم بالعطف على (ذي القربى) من غير إعادة اللام على أنّ (اليتامى والمساكين وابن السبيل) يشتركون مع (ذي القربى) في الحُكم فقط من غير صلة القرابة برسول الله، وهم عموم اليتامى والمساكين وابن السبيل من المُسلمين، (إنْ كنتم … الجمعان) توكيد لمضمون ما قبلها، (إنْ) شرطية جازمة، (كنتم آمَنتم ..) في محلّ جزم جملة الشرط بـ(إنْ)، و(كان) هنا تامّة، والضمير (تُم) فاعلُها، وجملة (آمنتُم بالله) في محلِّ نصب حال من فاعل (كان) على تقدير (قد)، (وما) موصول عطف على (الله)، (أنْزَلْنا ..) صلة (ما)، (أنْزَلْنا) فعل ماضٍ، وضمير المُتكلّمين فاعلُهُ، والعائد إلى (ما) مُقدّر، (على عبدنا) مُتعلّقان بـ(أنْزَلنا)، والمُراد بـ(عبدنا) : رسولُهُ محمدٌ (ص)، (يوم) ظرف زمان مُتعلّق بـ(أنزلنا) أيضاً، وهو مُضاف إلى (الفٌرْقان)، والمُراد بـ(يوم الفُرْقان) : يوم بَدْر، و(يوم) الثاني بدل من الأول، وهو مُضاف إلى الجملة (التقى الجَمعان)، والمُراد بـ(الجَمعان) : (جمْعُ المُسلمين بقيادة رسول الله (ص)، وجمْعُ المُشركين، وجواب الشرط مُقدّر، ويُمكن تقديره : (فاعملوا بما شَرَعْتُ لكم في أمْرِ الغنيمة)، (والله .. قدير) مرتبطة بما قبلها بالواو لتوكيد مضمونها .