ترجمة النص إلى اللغة الإنجليزية – English Translation

نحو منهج لفهم معاني القرآن بتحليل آياته وفق لغة العرب وأساليبهم في الكلام كما فهمها العربي في زمن نزول القرآن

(ملاحظة : ما بين قوسين هو دلالة المعنى في ضوء التحليل اللغوي، وقد جعلتُهُ في الأصل باللون الأحمر تمييزا له عن المعنى في ضوء التحليل اللغوي)

إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٦٢

المعنى في ضوء التحليل اللغوي :

62 – انتبهوا، إنّ الذين أظْهَروا التّصديقَ بالله، وبأنَّ مُحَمَّداً (ص) رسولُ اللهِ وأظهروا الخُضوعَ لما أنْزَلَهُ اللهُ إلى رسولِهِ من الشّريعةِ والقبولَ بها من غيرِ تحقيقِ ذلك التّصديقِ في القلبِ، والذين هادوا (يُنْظر المُراد بالذين هادوا في البحث المسطور في التحليل اللغوي) الذين أظهروا التصديق باللهِ وبأنبيائِهم، وأظهروا الخضوعَ للشريعةِ التي جاء بها أنبياؤهم عن اللهِ والقبولَ بها من غيرِ تحقيقِ ذلك التّصديقِ في القلبِ، والنّصارى (يُنْظر المُراد بالنصارى في البحث المسطور في التحليل اللغوي) الذين أظهروا التّصديقَ باللهِ وبالمسيح عيسى بن مريم، وأظهروا التّصديق بما جاءَ به من العقائد والأحكام التي صَحَّحَ بها العقائدَ والأحكامَ المُحَرَّفة التي كان عليها اليهود الذين ادّعوا كَذِباً أنّ اللهَ أنْزَلَها على موسى، وأظهروا الخضوعَ لها والقبول بها من غيرِ تحقيقِ ذلك التّصديقِ في القلبِ، والصابئين (يُنْظر المُراد بالصابئين في البحث المسطور في التحليل اللغوي) الذين أظهروا التّصديقَ باللهِ وبرُسُلِهِ الذين أنْزَلَ اللهُ عليهم الشريعة، وأظهروا التّصديقَ بالشريعةِ التي جاء بها أنبياؤهُ والقبولَ بها من غيرِ تحقيقِ ذلك التّصديقِ في القلبِ، أي : الذين صَدّقوا باللهِ إلهاً واحِداً مع تحقيق التّصديق في القلب بالاعتقاد به من غيرِ شَكٍّ ولا ارْتيابٍ (من الذين آمنوا، ومن الذين هادوا، ومن النّصارى، ومن الصّابئين)، وصَدّقوا باليومِ الآخِرِ الذي يكون فيه الحسابُ والجزاء مع تحقيق التّصديق في القلب بالاعتقاد به من غيرِ شَكٍّ ولا ارْتيابٍ (من الذين آمنوا، ومن الذين هادوا، ومن النّصارى، ومن الصّابئين)، وعَمِلوا عَمَلاً نافعاً مُناسباً للناسِ لا فسادَ فيه (من الذين آمنوا، ومن الذين هادوا، ومن النّصارى، ومن الصّابئين) فلهم ثوابُهم عندَ ربِّهم يومَ الحسابِ والجزاءِ عِوَضَ تصديقِهم، وعَمَلِهم العمَلَ النّافِعَ المُناسِبَ للناس الذي لا فَسادَ فيه، ولا خوفٌ كائنٌ عليهم من عذابِ ربِّهم في الحياةِ الآخرةِ، ولا هم يُصيبُهم كَرْبٌ ولا حُزْنٌ في الحياة الدُّنيا والآخرةِ (يدلُّ تنكير (صالحاً) على كُلِّ عَمَلٍ نافعٍ للناس، وهذا المعنى يشملُ جميع الذين قدّموا للبشريّةِ أعمالاً نافعةً، سواءٌ أكانوا مُسلمين أم يهوداً أم نصارى أم صابئين، إذا صَدّقوا باللهِ إلهاً واحِداً بلا شَكٍّ وارتياب، وصَدّقوا باليومِ الآخر الذي يكون فيه الحسابُ والجزاء بلا شَكٍّ وارتياب، فلهم ثوابُهُم عندَ ربِّهم يومَ الحساب والجزاء، ولا خوفٌ كائنٌ عليهم من عذاب اللهِ في الحياةِ الآخرةِ، ولا هم يُصيبُهُم كَرْبٌ ولا حُزْنٌ في الحياة الدُّنيا والآخرة) .

ترجمة النص إلى اللغة الإنجليزية – English Translation
مسجد عند الغروب - معاني القرآن

Image by Musthaq Nazeer from Pixabay

62 – (إنّ الذين … يحزنون) مُعترضة في سياق ما قبلها وما بعدها للتنبيه، (الذين) موصول اسم (إنّ)، (آمنوا) صلته، و(آمَنَ) هنا : أظهَرَ التصديقَ باللهِ ورسولِهِ، والخُضوعَ لِما أنْزَلَهُ اللهُ إلى رسولِهِ من الشّريعةِ والقبولَ بها من غيرِ تحقيق ذلك التّصديقِ في القلبِ، والمُراد بـ(الذين آمنوا) بدليل سياق الآية : الذين أظهروا التّصديقَ بأنَّ مُحَمَّداً (ص) رسولُ اللهِ وأظهروا الخُضوعَ لما أنْزَلَهُ اللهُ إلى رسولِهِ من الشّريعةِ والقبولَ بها، (والذين هادوا) عطف على اسم (إنّ) وصلتِهِ، وهنا ينبغي أنْ أُشيرَ إلى أنَّ القرآنَ الكريمَ في كلامِهِ عن (بني إسرائيل) فَرَّقَ بين (بني إسرائيل)، و(الذين هادوا)، و(اليهود)، و(هُود)، و(بنو إسرائيل) اسمٌ جامعٌ لجميع قبائل أسباط (يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) الذي سُمِّيَ بـ(إسرائيل)، وكان عدَدُهم اثني عَشَرَ قبيلة بعَدَدِ أبناء يعقوب الاثني عَشَر، وتَجَلَّى وجودُ قبائل بني إسرائيل واضحاً زَمَنَ رسولِ اللهِ موسى، وقد أشار القرآنُ إلى ذلك في قولِهِ تعالى (الأعراف : 160) : “وقَطَّعْناهُم اثْنَتَي عَشْرَةَ أسباطاً أُمَمَاً وأوْحَيْنا إلى موسى إذْ اسْتَسْقاهُ قومُهُ أنِ اضْرِبْ بعَصاكَ الحَجَرَ فانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُم”، واستطاعَ أنبياءُ بني إسرائيل من بعْدِ موسى أنْ يجمعوا القبائلَ الاثْنَي عَشَرَ، ويجعلوا منها كِياناً مُوَحَّداً، وحينَ صارَ شاؤول الذي أشار إليه القرآن باسْمِ (طالوت) مَلِكاً على بني إسرائيل، وَحّدَ قبائل بني إسرائيل الاثْني عَشَر في مَمْلَكَةٍ واحدة، هي مَمْلكة (إسرائيل القديمة)، ولمّا جاءَ من بعْدِهِ النّبيّ داود حافظَ على وحْدَةِ قبائلِ بني إسرائيل، وصَنَعَ منهم كياناً قويّاً تَغَلَّبَ به على ملوكِ الأُمَمِ المُجاورة لهم، وسارَ سُلَيْمانُ بنُ داود على نَهْجِ أبيه في الحِفاظِ على وَحْدةِ قبائل بني إسرائيل، وفي عَهْدِ سُلَيمان استوْطَنَ جماعاتٌ من قبائل بني إسرائيل اليَمَن بعدَ أنْ دَخَلَتْ مَلِكَتُهم (بلقيس) في ديانةِ سُلَيمان، وفي ذلك الزّمَنِ انْتَشَرَتْ الديانةُ اليهوديةُ في اليَمَن، ودانَ قِسْمٌ كبيرٌ من أهلِ اليمن بها، واعْتَنَقَها بعضُ ملوكِهم، وبعدَ وفاةِ النبيّ سُلَيمان افْتَرَقَتْ قبائلُ بني إسرائيل إلى فِرْقَتَين، فِرْقَةٌ ذَهَبتْ إلى شمال دولة إسرائيل القديمة، وتَضُمُّ عَشْرَ قبائلَ من قبائل أسْباطِ بني إسرائيل، وأسَّسَتْ دولة (إسرائيل الشمالية)، وجَعَلَتْ عاصمتها (السامرة)، وفِرقَةٌ ذهَبَتْ إلى جنوب دولة إسرائيل القديمة، وتَضُمُّ (قبيلة يهوذا) أحَد أسباط يعقوب، وهي القبيلة الكبرى، وقبيلة لاوي، وأسَّسَتْ قبيلة يهوذا (دولة إسرائيل الجنوبية)، وجَعَلَتْ عاصمتها أورشليم (القُدْسَ)، وفي عام 722 قبل الميلاد غزا الآشوريون دولة (إسرائيل الشمالية)، ودَمّروها تدميراً كاملاً، وفرَّقوا أغلبيّةَ سُكّانِها على جميع مناطق دولة آشور، ومَنْ بَقِيَ منهم تَفَرَّقَ في البُلدان، ولم يعُدْ لقبائلها العشر وجود، وفي عام 587 قبل الميلاد غزا نبوخُذ نُصّر ملك البابليين دولة إسرائيل الجنوبية، ودَمّرها تدميراً كاملاً، ودَمَّر الهَيكل في أورشليم، وقَتَلَ خلْقاً كثيراً منهم، وأسَرَ آلافاً منهم أخَذَهم معه إلى بابل، (قيل : إنّهم كانوا ما يُقارب أربعين ألفاً)، وفي عام 537 قبل الميلاد استطاع قورش الأخميني ملك الفرس أنْ يُسْقِط الدولة البابلية، وسمح لليهود بالعودة إلى أورشليم بعد 70 سنة من المنفى في الدولة البابلية، والبدء في بناء المدينة والهيكل، وقام العائدون اليهود بإعادة بناء الهيكل، واستَمَرّ اليهود العائدون من السّبي والأجيال التي جاءت بعدهم في بناء دولة يهوذا الجنوبية بعاصمتها أورشليم، وبنوا الأسوار الحصينة المحيطة بها، وبقوا يُمارسون طقوسَ ديانتِهم عِدةَ قرون، وفي عام 70 ميلادية استطاع (تيتوس) ملك الرومان أنْ يفتح أورشليم، وأنْ يُدَمِّرَ معبد سليمان، وأحرقَهُ لمنع اليهود من الاحتماء بداخله، وفي 28 اغسطس /آب من العام نفسِهِ كان المعبدُ قد احترق، ودُمِّرَتْ اسوارُ القُدس ودُكَّتْ المدينةُ بالارض وبهذا العَمَلِ أنهى الرومان قوّةَ اليهود ووجودهم في (دولة يهوذا الجنوبية)، وبعد احتلال بيت المقدس عاد تيتوس إلى روما سنة71 م ليحتفلَ بنصرِهِ وهو يحمل معه كنوز هيكل سليمان والالاف من اليهود العبيد الذين عَرَضَهُم على شعب روما .

         إنّ هذه الأحداث التي مَرّتْ على قبائل أسباط إسرائيل (يعقوب) الاثني عَشر بعد حُكْم النّبي سُلَيمان أدْتْ إلى هِجْرةِ جماعات كبيرة منهم إلى مناطق مُختلفة من العالم، وكان لأرضِ الحجاز نصيبٌ كبير من هِجرةِ تلك القبائل، وقد استوطَنَتْ تلك الجماعات المُنحدرة من قبائل أسباط إسرائيل (يعقوب) الاثني عَشر أرض يثرب، وما حولها من أرض الحجاز، مثل خيبر وتيماء ووادي القرى، واستوطَنَتْ بعضُ القبائل منهم دوس واليمامة و نجران وفي دومة الجندل و مناطق أخرى متفرقة، ومن القبائل التي عاصرت نُبُوّةَ الرسولِ مُحَمّدٍ (ص) ونُزولَ القرآن بنو النّضير، وبنو قينُقاع، وبنو قُريظة، وقبائلُ يهودية في خيبر، وترجع أصول قبائل أسباط إسرائيل (يعقوب) الاثني عَشر التي استوطنتْ يثرب وما حولها إلى مصادر مُختلفة، بعضُ تلك القبائل جاءتْ من اليَمَن، وبعضها هاجرتْ من (دولة إسرائيل الشمالية) بعد أنْ دَمَّرها الآشوريون، وفرَّقوا أغلبيّةَ سُكّانِها من قبائل أسباط إسرائيل (يعقوب) العشرة، ويُطْلَقُ على هؤلاء (بنو إسرائيل)، وقد ناداهم القرآنُ في كثير من الآيات بـ(يا بني إسرائيل)، وبعضُ تلك القبائل قَصَدَتْ أرضَ الحِجاز بعد رجوعِها من السّبي البابلي، ولم تذهب إلى أورشليم مع الراجعين من السّبي البابلي، وهؤلاء (اليهود العائدون من السبي البابلي، وقصدوا أرضَ الحجاز) هم من قبيلة يهوذا ولاوي، وهؤلاء قد عملوا على العودة الى الدين الذى كان عليه أنبياؤهم (أي دين الاسلام) وإعادة العمل بالشريعة، وأخذوا علي أنفُسِهم المواثيق أنْ يتبعوا الشريعةَ وما أمَرَهُم به الله عز وجل على لسان أنبيائه، وهؤلاء قد ناداهم القرآن بـ(يا أيّها الذين هادوا)، أمّا القبائل التي رجعتْ إلى أورشليم من السبي البابلي فكانت بقيادة (عزرا) الذي سمّاه القرآنُ الكريم بـ(العُزَيْر)، وهم قد قاموا ببناء المدينة وإعادة بناء الهيكل، وبعدَ أنْ دَمّرَ الرومان بقيادة (تيتوس) أورشليم تدميراً كاملاً عام 70 ميلادية، وقتلوا عدداً كبيراً منهم هاجرتْ جماعةٌ من قبائل يهوذا ولاوي من أورشليم إلى أرض الحجاز، واستوطنوا يثرب وما جاورها، وهؤلاء أطلَقَ عليهم القرآن اسم (اليهود) أيضاً، واستعمل القرآنُ الكريم لفظ (هُود) في بعض الآيات، وأرادَ بهم الداخلين في ديانة اليهود من أيِّ عِرْقٍ كانوا، (والنصارى) عطف عطف على اسم (إنّ) وصلتِهِ، وأطْلَقَ القرآنُ اسمَ (النّصارى) على أتباع المسيح عيسى بن مريم، ولم يُطْلِقْ عليهم اسم (المسيحيين) نِسْبةً إلى المسيح عيسى بن مريم، وبعد الفترة الزّمنيّة التي رَفَعَ اللهُ فيها المسيح عيسى بن مريم إليه حين أرادوا قتله، وبعد عصْر بولص سَمَّى أتباعُ المسيح عيسى بن مريم أنفُسَهم (مسيحيين)، ولم يُسَمّوا أنفُسَهم (نصارى)، والذي أميلُ إليه أنّ القرآنَ استعملَ لفظ (المسيح)، وأتْبَعَهُ بـ(عيسى بن مريم) كاستعمال اللّقب مع اسم الشّخْص، فـ(المسيح) لفظٌ استعمله القرآن من اللغة الأم لشعوب الجزيرة العربية، وهو يعني في اللغة الأمَ : الصِّدّيق الطاهر، قال أبو بكر (لسان العرب : مَسَح) : (واللغويون لا يعرفون هذا المعنى، قال : ولعلَّ هذا كان في بعض الأزمان فدَرَسَ فيما دَرَسَ من الكلام)، وأميلُ إلى أنَّ لفظ (النصارى) أرادَ بهم القرآنُ الذين اتّبعوا المسيح عيسى بن مريم من اليهود، ونَصَرُوهُ على الذين ظلموهُ وكفروا به من اليهود، وهو اسم مُشتقٌّ من مادة (ن ص ر) التي تعود إلى (اللغة الأم لشعوب الجزيرة العربية)، ومن معانيها : إغاثةُ المظلوم، وإعانتُهُ، وانتصَرَ الرجلُ : امْتَنَعَ من ظالمِهِ، والنّاصِرُ والنّاصِرة : ما جاء من مكان بعيد إلى الوادي فنَصَرَ سَيْلَ الوادي، وكُلُّ مَسيلٍ يضيعُ ماؤهُ فلا يَقعُ في مُجتمع الماء فهو ظالمٌ لمائِهِ، واشتقوا منه (نَصْران) و(نصرانة)، بمعنى : التابع والمطيع والناصر، ويُجمعُ على (نصارى) كما قالوا : نَدْمان ونَدامَى، والأنثى : نَدْمانة، (قال أبو إسحاق (لسان العرب : نصر) : واحِدُ النّصارى نَصْران، مِثل نَدْمان ونَدامى، والأنثى نَصْرانة مثل نَدْمانة، وأنْشَدَ لأبي الأخْزَر الحماني يصفُ ناقتَيْنِ طَأطَأتا رؤوسَهما من الإعياء، فَشَبَّهَ رأسَ النّاقة من تَطَأطِئها برأس النّصرانية في صلاتِها :

فكِلْتاهُما خَرَّتْ وأسْجَدَ رَأسُها                  كما أسْجَدَتْ نَصْرانةٌ لم تَحَنَّفِ

وسجودُها بمعنى الطاعة والانقياد، ويَتَبَيَّنُ لي أنّ القرآن أطْلَقَ اسم (نصارى) على الذين اتّبعوا المسيح عيسى بن مريم، وآمنوا بما جاء به من العقائد والأحكام التي صَحَّحَ بها العقائد والأحكام المُحَرَّفة التي كان عليها اليهود الذين ادّعوا كَذِباً أنّ اللهَ أنْزَلَها على موسى، فهؤلاء سَمّاهم القرآن (نصارى)، وصار اسْمُ الدّين الذي أدانوا به النَّصْرانيَّة، وهو ما جاء به المسيح عيسى بن مريم من العقائد والأحكام التي صَحَّحَ بها العقائد والأحكام المُحَرَّفة التي كان عليها اليهود، ولمّا جاء بولص بعد المسيح حرّفَ ما جاء به المسيح عيسى بن مريم من العقائد والأحكام، وسَمّى الذين اتَبعوا بولص أنفسَهم بـ(المسيحيين) تمييزاً لأنفُسِهم عن النصارى، والنّصارى الذين اتّبعوا المسيح عيسى بن مريم، وأمنوا بما جاء به من العقائد والأحكام التي صَحَّحَ بها العقائد والأحكام المُحَرَّفة التي كان عليها اليهود آمنوا بأنّ عيسى بن مريم رسولُ اللهِ وعبدُهُ، وأنَّهُ يُوحَى إليه كسائر الرُّسُل، وليس إلهاً أو ابنَ إله، ويرفضون لاهوت المسيح، فالمسيح عندهم رجل صالح ذو مبادئ وتعاليم اي : ( نبي ورسول) ويؤمنون بالمُعجزاتِ التي تَمَّتْ علي يَدَيْهِ (باذن من الله فهو بَشَرٌ لايملِكُ من نفسِهِ شيئا الا باذنِ الله )، ويرفضون تَعَرُّضَ المسيحِ للموت، ويرفضون الصّلْبَ، ويعتقدون بأنّهُ رُفِعَ، بل ويرفضون قضيّةَ الفِداءِ بمُجَمَلِها ، كما أنّهم يُؤمنون أنّ المسيح عيسى بن مريم سيعود آخر الايام ليحكم العالم، ويعتقدون بإنجيلٍ واحدٍ، ويرون الاناجيل المسيحية محرفة، ومن فُروضِهم : الإغتسالُ الدائِمُ بالماء للوضوء والتطهير، ويُشَدِّدونَ على أعمال البِرِّ والإهتمام باليتامى والعناية بالفقراء والمساكين وأبناء السبيل، ويُوصُونَ بإعالةِ المُحتاجين وإطعام الجِياع وإضافةِ الغُرَباء، ويُؤمنون بالخِتان، وإنّهُ شريعةُ إبراهيم، وهم يعتبرون بولص الرّسول مُحَرِّفاً لما جاء به المسيح، واتّهموهُ بأنّهُ مُتَمَرِّدٌ ومارِقٌ عن النّاموس، وأنكروا سلطانه ورفضوا رسائلَهُ، ومن الجدير بالذِّكْرِ أنَّ القرآنَ استعملَ في آيةٍ لفظ (النصارى) وأراد به الذين خرجوا من دين النصرانيّة، وهو ما جاء به المسيح عيسى بن مريم من العقائد والأحكام التي صَحَّحَ بها العقائد والأحكام المُحَرَّفة التي كان عليها اليهود وآمنوا بما جاء به بولص، ويُسَمّي علماءُ المسلمين اليهودَ والنّصارى أهل الكتاب، وهذا صحيح، أمّا اليهودُ فكتابهم الذي تَضَمّن الشريعة هو التوراةُ، وأمّا النّصارى فكتابُهم الإنجيل والتوراة، وتَضَمَّنَ الإنجيل البشارة والوصايا والمواعظ، وتَضَمَّنَتْ التوراةُ الشريعةَ معاً، لأنّ اللهَ تعالى بعثَ المسيح عيسى بن مريم رسولاً إلى بني إسرائيل، (والصّابئين) عطف عليه أيضاً، وأصل التسمية جاء من جذرالكلمة الارامي المندائي (صبا) أي بمعنى (تَعَمَّدَ، اصْطَبَغَ، غَطَّ ،غَطَسَ)، وهي تُطابِقُ أهمَّ شعيرةٍ دينيّةٍ لديهم وهو طَقْسُ (المصبتا – الصباغة – التعميد)، فكلمة (صابِئِيّ) تعني : (المُصْطَبِغ أو المُتَعَمِّدُ)، وهي كلمة من (اللغةِ الأمّ لشعوب الجزيرة العربية)، ولا يُمكن اعتبارها أعجميّة وَقَعَتْ في القرآنِ الكريم، وبذلك يكون معنى (الصابئة) : المصطبغين بنور الحق والتوحيد والإيمان، أمّا ما ذَهَبَ إليه اللغويون بأنّ التّسمية بـ(الصّابئة) جاءتْ من كلمة (صَبَا) بمعنى : تَرَكَ دينَهُ ودانَ بآخر فليس صحيحاً، والصّباغة (مصبتا) تعتبر من أهم أركان الديانة الصابئيّة، واسْمُهُم مُرتَبِطٌ بهذا الطقس، وهو فَرْضٌ عين واجب على الصابئي ويَرْمِزُ للارتباطِ الروحي بين العالم المادّي والرّوحي والتّقَرُّبِ من الله، و(المصبتا) : الصباغـَة في دينِهم، هي طَقْسُ الدُّخولِ من العالم السُّفْلِي إلى العالم العُلْوِي (عالم النور) حيث إن نبيَّ اللهِ يوهانا موصبانا قـَـد صـُبِـِغَ أو اصطبغ وقد انقضى من عُمْرِهِ (ثلاثون يوماً)، وجاء في كتابهم  (جنزا ربا) : الكنز العظيم : (باسْمِ الحَيّ العظيم، اصبغوا نفوسَكُم بالصِّبغةِ الحَيّةِ التي أنزلها عليكم ربُّكم من أكوانِ النّور، والتي اصْطَبَغَ بها كُلُّ الكاملينَ المؤمنين، مَنْ وُسِمَ بوَسْمِ الحَيّ، وذَكَرَ اسْمَ مَلِكِ النُّورِ عليه، ثم ثَبَتَ وتَمَسّـكَ بصِبْغَتِهِ وعَمِلَ صالحاً، فلَنْ يُؤخّرَهُ يومَ الحِسابِ مُؤَخـِّـرٌ)، ويَجِبُ أنْ يتمَّ في المياهِ الجاريةِ والحَيّةِ، لأنّهُ يَرْمِزُ للحياةِ والنًّورِ الرَّبّاني، وللإنسانِ حُرّيةُ تكرارِ الصِّباغةِ متى يشاء . وقد اسْتَمَدّ النصارى طَقْسَ الصباغةِ، ويُسَمّونَةُ (التعميد) من الصِّباغةِ الصابئية، و قد حافظ طَقْسُ الصِّباغةِ على أصولِهِ القديمة حيث يعتقد النصارى بأنَّهُ هو نَفْسُهُ الذي نالَهُ عيسى بن مريم (المسيح) عندَ صِباغَتِةِ من قبل يُوهانا الصّابِغ بالدين الصابئي، (يحيى بن زكريا باللغة العربية، ويوحنا المعمدان عند المسيحيين)، ويُؤمن الصابئة بعددٍ من الرّسُل والأنبياء، وهم : آدم، شيت بن آدم (شيتل)، نوح، سام بن نوح، إبراهيم زكريا، يحيى بن زكريا (يهيا يهانا)، وكتابهم الدّيني المُقدس يُسَمّى الكنزا ربا  “الكنز العظيم”، ويسمى أيضاً سدرا ربا، ويزعمون أنّهُ أنُزِلَ على أنبيائهم آدم، وشيت بن آدم (شيتل)، ونوح، وسام بن نوح، وإبراهيم، وزكريا، ويحيى بن زكريا، وهم في الحقيقة لا تشملُهم التسمية بـ(أهل الكتاب)، لأنّهُ لا يُعْرَفُ لهم كتابٌ بعينِهِ أُنْزِلَ على رسولٍ بعينِهِ كما هو حالُ المُسلمين واليهود والنّصارى، ويدلُّ على ذلك قولُهُ تعالى (المائدة : 69) : “إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصّبئون والنّصارى ..”، (والصابئون) معطوفٌ على اسم (إنّ) مقطوع إلى الرفع لإرادة معنى المُغايرة، فتكون المُغايرة في الإعراب للتنبيه إلى أنّهم ليسوا يهوداً ولا نصارى، ولم يُنْزَلْ عليهم كتابٌ بعينِهِ أُنْزِلَ على رسولٍ بعينِهِ، (مَنْ) موصول بَدَل من اسم (إنَّ) وما عُطِف عليه، (آمن بالله) صلة (مَنْ)، (آمَنَ) فعل ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (مَنْ)، و(آمَنَ) هنا بمعنى : صَدَّقَ باللهِ إلهاً واحِداً، وصَدَّقَ برسولِهِ، مع تحقيق التصديق في القلب بالاعتقاد به من غيرِ شَكٍّ ولا ارْتيابٍ، (بالله) مُتعلّقان بـ(آمَنَ)، (واليوم) عطف على (الله)، (الآخرِ) صفة لـ(اليوم)، (وعَمِلَ صالحاً) عطف على (آمَنَ بالله ..)، (عَمِلَ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (مَن)، (صالحاً) مفعول به، وهو في الأصل صفة قامتْ مقامَ مفعول به مُقدّر، والتقدير : (عملاً صالحاً)، و(العملُ الصالِحُ) : النّافِعُ الخالي من الفَسادِ، (فلهم أجرهم ..) خبر (إنّ) واقترنَ بالفاء لما في الموصول من العموم المُشْبِهِ للشرط، (لهم) مُتعلّقان بمُقدّر خبر مُقدّم، (أجرُهم) مُبتدأ مُؤخَّر، و(الأجْرُ) عِوَض العمل، (عندَ) ظرف مكان متعلّق بـ(أجْر)، و(عندَ) مُضاف إلى (ربّهم)، (ولا خوف عليهم) عطف على (فلهم أجرُهم)، وتقدّم القولُ فيها في (الآية : 38)، (ولا هم يحزنون) عطف على ما قبلها، (لا) نافية، (هم) مُبتدأ، (يحزنون) خبر، (يحزنون) مُضارع مرفوع بثبوت النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، و(حَزَنَ) : اغْتَمَّ .